
لجأ العديد من الوزراء السابقين لتأسيس مكاتب للدراسات للاستفادة من صفقات وعقود تجارية بمبالغ مالية «سمينة»، مستغلين في ذلك المعلومات التي كانت متوفرة لديهم بحكم مناصبهم الحكومية، وهي معلومات غير متاحة للجميع، فضلا عن استغلال العلاقات التي راكموها طيلة فترة تحملهم المسؤولية مع كبار المسؤولين بمختلف القطاعات العموميـة والخاصة.
ومن بين هؤلاء وزير سابق أسس مكتبا للدراسات جعله صاحبه غطاء قانونيا لفائدة «لوبيات» للضغط على فرق برلمانية لتقديم تعديلات على مشروع قانون المالية لفائدة شركات متعددة الجنسيات، وتروم هذه التعديلات إجراء تخفيضات ضريبية وجمركية على المنتوجات التي تستوردها هذه الشركات من الخارج. وطبعا وظف هذا الوزير السابق المعلومات التي كانت متوفرة لديه أثناء شغله لمنصبه الحكومي، وكذلك «التقنيات» المتعلقة بمسطرة التشريع، لأنه يعرف جيدا ما يجري داخل «مطبخ» التشريع، بحكم منصبه السابق كذلك.
أما وزير سابق آخر فحصل على صفقة سمينة بمبلغ يفوق 600 مليون سنتيم من مؤسسة عمومية كانت توجد تحت وصايته عندما كان وزيرا للتجهيز والنقل، عن طريق مكتب للدراسات، من أجل إنجاز دراسة استراتيجية لإعادة هيكلة الأنشطة التي تقوم بها هذه المؤسسة، وطبعا وظف الوزير السابق كل المعلومات المتوفرة لديه أثناء مشاركته في الصفقة، وتمكن من منافسة شركتين عالميتين متخصصتين في المجال.
وأسس وزير سابق مكتبا للدراسات مباشرة بعد مغادرته للحكومة السابقة، لكن هذا المكتب تحول من تقديم الدراسات والاستشارات إلى مكتب للوساطة «السمسرة»، ويستعمله واجهة لحل بعض الملفات التي ظلت عالقة بالقطاعات التي كانت تحت وصايته عندما كان وزيرا على رأس قطاعين وزاريين في حكومتين سابقتين، ويستغل في ذلك علاقته ببعض المسؤولين الكبار بهذه القطاعات لمساعدته في ذلك، كما يتصل بموظفين كانوا يعملون تحت إمرته بالوزارة لتسهيل الحصول على تراخيص تمر عن طريق مكتب الدراسات الذي أسسه، ومنها تراخيص تتعلق بتفويت قطع أرضية تابعة للملك البحري والمائي، وكذلك تسهيل الحصول على رخص المقالع والمناجم والتي تدر على أصحابها «أرباحا» بالملايير.
وتحولت مكاتب الدراسات إلى «موضة» لمراكمة الأرباح من طرف وزراء سابقين، وكذلك من طرف برلمانيين يملك بعضهم مكاتب للدراسات تشتغل مع جماعات ترابية ومع قطاعات وزارية. وفي هذا الصدد، رصدت تقارير أنجزتها المفتشية العامة للإدارة الترابية وجود تلاعبات في صفقات إنجاز الدراسات، حيث يعمد رؤساء جماعات إلى تخصيص مبالغ مالية لإنجاز دراسات على الورق تخص مشاريع وهمية، تكلف خزينة الدولة ملايير الدراهم.
وكشف التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات وجود اختلالات وتلاعبات خطيرة في صفقات تفوتها الجماعات الترابية من أجل إنجاز الدراسات، وغالبا ما تكون هذه الدراسات على الورق فقط، أو تكون مستنسخة «كوبي كولي» من دراسات منجزة لفائدة جماعات أخرى، وتتم إعادة تدويرها على الجماعات مع تغيير العناوين فقط.
رغم أنه ليس هناك ما يمنع قانونيا الوزراء السابقين من تأسيس شركات أو مكاتب دراسات، فهذه المسألة مرفوضة من الناحية الأخلاقية، وخاصة في ما يتعلق بإنجاز الدراسات وتقديم الاستشارات، لأن هؤلاء الوزراء كانوا في موقع يسمح لهم بالاطلاع على كل المعلومات ومنها معلومات سرية غير متاحة للجميع، وبالتالي عند مغادرتهم لمناصبهم يجب أن يلتزموا أخلاقيا بواجب التحفظ وكتمان الأسرار المهنية، عوض استغلال هذه المعلومات والأسرار لأغراض تجارية.




