شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

ولاد الفشوش

نجت بلادنا خلال العقد الأخير، من طوفان «التغيير» الذي جرف الأخضر واليابس في دول الجوار الإقليمي. بينما كانت مصر تطارد فلول الإخوان، وكانت ليبيا وسوريا والعراق تنازع الرمق الأخير ضد داعش وجبهة النصرة، كانت المملكة الشريفة «المحظية» تنظم مهرجانات الشواطئ، ومواسم الأولياء الصالحين، والأعراس وحفلات الختان الجماعي، في جو يسوده الأمن والأمان والاستقرار السياسي والعسكري. استقرار لا يشعر بقيمته العظيمة سوى لاجئ جائع على حدود أجنبية باردة. غير أن المغرب وقع ضحية نوع آخر من الإرهابيين «الكيوت». إنهم كتائب «ولاد الفشوش» المسلحة، التي تعيث فسادا و«كسايد» في الأرض. «حرام يسالي شي عام» دون أن يتحفنا واحد من أبناء الوزراء أو المسؤولين الحكوميين، أو رجال الأعمال الأثرياء، بحادثة سير تحت تأثير المخدرات والكحول هنا، أو زجاجة ويسكي «مفرشخة» على رأس «فيدور» هناك. صحيح أن المسؤول الحكومي يفشل غالبا في تأدية مهامه والإخلاص في عمله، لكنه ينجح دائما في إنجاب «تريكة» تقوم بدور ترفيهي مسل، من خلال مغامرات «البيران» و«الطاسة».

مقالات ذات صلة

يترعرع «ولاد الفشوش» بقناعة راسخة أن مناصب أولياء أمورهم ستوفر لهم حصانة قانونية أبدية، وأن أموال و«بيستون الوالد» ستعمل كسد منيع ضد أي تشويش أو متابعة. كرونولوجيا «كسايد» و«مضاربات» أبناء وبنات الوزراء، طويلة وحافلة. «شحال قدني نتفكر»، لكن تبقى «واقعة البار» التي كانت بطلتها ابنة مسؤول ينتمي إلى حزب «عفا الله عما سلف»، الأكثر تشويقا و«أكشن»، لما تحمله من مفارقات عجيبة. تساءل المغاربة حينها كيف لجماعة سياسية ترفع الشعارات الدينية والأخلاقية وتروج لنفسها كمخلص إلهي يسعى إلى نشر العدل والاستقامة بين العباد، أن «تفرخ» ذرية تعتدي على المواطنين بقنينات النبيذ، داخل الحانات والملاهي الليلية؟ من الإنصاف عدم مؤاخذة الرجل بجريرة أبيه، لكن التساؤل حول التناقضات الأخلاقية الصارخة «للجماعة» يظل أمرا مشروعا.

تختلف مواقع تصوير أفلام الأكشن «الفشوشية» بين «البيران» و«لوطوروت» والشوارع العامة. نتذكر «مشاجرة البرلمان»، التي كان بطلها نجل وزير سابق. حين قام الابن المدلل بالاعتداء على أحد المواطنين. لتطلق الشرطة سراحه في عين المكان، بعد حضور والده، وإشهار بطاقة «ولد الوزير» في وجه الجميع، وسط استنكار الشهود واحتجاجهم. الحادثة موثقة في شريط فيديو، يعود تاريخه إلى سنة 2010. على حد قول المصري مرتضى منصور: «سيديهاتك معايا». يسعى أبناء بعض المسؤولين إلى الحفاظ على تقاليد «المضاربات»، وتحويلها إلى إرث عائلي، ينتقل عبر أجيال من «ولاد الفشوش». تعتبر حرب الطرق، والسياقة الطائشة تحت تأثير الكحول والمخدرات من بين أخطر الأسلحة التي تستخدمها كتائب «بابا عتقني»، في عمليات ترويع المغاربة، وتهديد سلامتهم الجسدية وممتلكاتهم المادية.

تفجرت، الأسبوع الماضي، فضيحة جديدة لابنة أحد الوزراء، بعد تورطها في حادثة سير كادت تودي بحياة أسرة مغربية مهاجرة شرق البلاد. استنكر العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، متابعة «بنت الوزير» في حالة سراح. بعد تسديد غرامة هزيلة، لا تتجاوز قيمتها المالية ثمن صندوق قنينات نبيذ الملك تشارلز مثلا. قد يختلف الفرقاء السياسيون إيديولوجيا، يفرقهم المنجل واللحية، لكن يجمع بينهم التحايل على القانون وعرقلة تطبيقه، لحماية أبنائهم. نتفهم غريزة الأب في إنقاذ ذريته من الهلاك، لكن الدول والحكومات والمؤسسات لا تقوم على العاطفة، بل قوامها العدل والمساواة التامة بين جميع المواطنين أمام القانون. لا يبخل علينا سليلو الطبقة النبيلة، ممن ولدوا وفي أفواههم «أعواد السوشي» بلقطات طريفة مسلية لمغامراتهم الجنونية، ترفه عن أبناء الشعب المزلوط. ولعل أشهرها كانت «واقعة الكونستاتور». واقعة مثيرة جذبت تعاطفا جماهيريا مع الشاب الثري، الذي شكل اعتقاله وحبسه في ما بعد، نوعا من شفاء الغليل و«تبراد القلب» وإعادة الاعتبار لسيادة القانون على طبقة المرفحين.

فهل مغرب اليوم أصبح يرفع شعار الصرامة وعدم التساهل في وجه تجاوزات وبهلوانيات «ولاد الفشوش»، أم أن دار لقمان على حالها؟ استيقظ المغاربة هذا الأسبوع على وقع جريمة مروعة راح ضحيتها شاب في مقتبل الحلم. شاب يشهد له القريب والبعيد، بالاستقامة وحسن الخلق والتفوق في ميدان البحث العلمي. جريمة مجانية، دافعها «الضسارة» والطيش. غير أن التعامل الأمني الحازم والفعال في ملاحقة وضبط المجرم، وتقديمه إلى العدالة بسرعة قياسية، دليل على أن دار لقمان «بدلات الساروت». لا مكان في مغرب اليوم لفتى يقول كان أبي، لكن الفتى «هايقرقبو عليه إذا دار شي فضيحة». نحن هنا لا ننصب مشانق أخلاقية للعباد، ولا نقيم محاكم تفتيش في الحياة الشخصية أو المعتقدات الإيمانية لـ«ولاد الفشوش» أو غيرهم، لكن العدل قوامه المساواة أمام القانون. لا يمكن للعدالة أن تسير بسرعتين، في مغرب يسعى إلى بناء دولة المؤسسات والقطيعة مع تجاوزات دولة «باك صاحبي». من يخشى ربط المسؤولية السياسية بالمحاسبة القانونية، «يربط علينا غير ولادو».

لا يسعنا إلا أن نتقدم بجزيل الشكر والعرفان إلى السادة الوزراء والمسؤولين والمرفحين، على الخدمات الترفيهية الجليلة، التي يقدمونها للمغاربة، عبر الإنتاج الغزير لأفلام الإثارة والتشويق و«الأكشن»، التي يقوم ببطولتها فلذات أكبادهم. لقد نجحت «تريكة» الوزير في ما فشلت فيه السينما المغربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى