شوف تشوف

الرئيسية

محمد الغلوسي:«اللوبي المستفيد من الفساد يعرقل إصدار التشريعات المتعلقة بمحاربته»

1- ما تقييمك لواقع محاربة الفساد في ظل حكومة العدالة والتنمية؟
ما يمكن تأكيده هو أن حزب العدالة والتنمية قد استغل موضوع محاربة الفساد في إطار الدعاية الانتخابية وفي سياق الحراك الشعبي وموجة الربيع العربي، واستطاع الحزب أن يوظف شعار محاربة الفساد ويركب على هذه الموجة لتحقيق المكاسب الانتخابية، وهي المكاسب التي تجسدت في ترؤسه الحكومة خلال ولايتين، وأيضا من خلال حصوله على مقاعد انتخابية مهمة في البرلمان. واستطاع الحزب إيهام بعض الناس أنه يضم فقط أصحاب الأيادي النظيفة، وأنه قد أتى للحكومة ليس خدمة لمصالح أعضائه، بل لخدمة الوطن والمواطنين ومحاربة الفساد، وقد اتضح في ما بعد لمن كان في قلبه ذرة شك زيف تلك الشعارات، وأنها وظفت فقط لإيهام الناس وكسب تعاطفهم سياسيا، وظلت معركة محاربة الفساد تراوح مكانها، بل إن الأرقام والمؤشرات والمعطيات والتقارير الصادرة في الموضوع، تؤكد بأن الفساد قد استفحل وأن الرشوة قد استشرت في عهد حكومة «البيجيدي»، ولم يستطع هذا الأخير أن يقدم أي شيء في ما يتعلق بهذه المعركة، بل إن تعابير محاربة الفساد والرشوة لم نعد نجد لها وجودا في قواميس الحزب، ولم تعد ترد في بيانات الحزب وخطاباته، على عكس الفترة السابقة، قبل أن يتولى مهمة تسيير الشأن العام، حيث كان دائما يردد في بياناته وتصريحاته الصحفية وغيرها من التقارير، ما يؤكد على محاربة الفساد ومحاربة الإفلات من العقاب، وأنه يوجد مفسدون يعطلون عجلة التنمية، فإذا ببعض أعضاء هذا الحزب، والذين استطاعوا أن ينتقلوا من درجة إلى أخرى على مستوى السلم الاجتماعي، تنكروا لكل الشعارات التي كانوا يرفعونها. وتبين اليوم أنه حتى على المستوى الشريعي لم يستطع هذا الحزب أن يخرج العديد من من القوانين، من قبيل تجريم الإثراء غير المشروع، كما لم يستطع أن يعدل حتى قانون التصريح بالممتلكات، وانصرف إلى مشاغل أخرى تاركا مهمة تخليق الحياة العامة ومحاربة الفساد، دون أن ينجز فيها أي تقدم يذكر، رغم أصوات المجتمع المنتقدة من إعلام وحقوقيين وجمعيات مهتمة بمحاربة الفساد وحماية المال العام، ورغم كل التقارير التي تؤكد على خطورة الفساد على كافة الصعد الاقتصادية والاجتماعية وغيرهما. ورغم كل هذه الخطورة، فالحكومة برئاسة العدالة والتنمية لم تلتفت إلى كل هذه الأصوات وانغمست في مصالح أخرى، ليثبت بعد ذلك من خلال التقارير الرسمية أن أعضاء من هذا الحزب متورطون في قضايا فساد مالي معروضة على بعض المحاكم.

2- من له اليد في عرقلة التشريعات القانونية المرتبطة بمحاربة الفساد ونهب المال العام؟
المؤكد أن هناك لوبيا وتوجها في المجتمع يستفيد من الوضع المرتبط بانتشار الريع والفساد المالي في بعض المؤسسات، وبالتالي فهذه الاستفادة جعلت اللوبي المناهض لكل تحول يقاوم كل المحاولات والخطوات التي تتقدم نحو تخليق الحياة العامة والدفع بمعركة الإصلاح في البلاد خطوات إلى الأمام. وهذا التوجه المستفيد من واقع الفساد وواقع الريع والرشاوى، يقاوم كل المبادرات التي من شأنها أن تشكل نقطة ضوء في مجال تخليق الحياة العامة، وهنا نجد بعض المكونات في الأحزاب السياسية، وهي الفئات المستفيدة من واقع الفساد والتي تقاوم أي تحول نحو محاربة الفساد، لذلك تراها تقاوم كل ما يتعلق في هذا الجانب من حيث النصوص التشريعية التي من شأنها أن تسد كل الثقوب والمنافذ في وجه الفساد، وفي هذا الإطار، تأتي محاولة إجهاض تجريم الإثراء غير المشروع في الوقت الذي لا تتوانى هذه القوى في الدفاع بحماس عن كل الشريعات التي قد تقيد الحريات وقد تمس بحقوق بعض الأفراد أو التي تستهدف القدرة الشرائية للمواطنين، ولكنها عندما يتعلق الأمر بتطويق منابع الفساد وتخليق الحياة العامة، كأن يتعلق الأمر بتبييض الأموال وتهريبها، أو اختلاس المال العام، أو الإثراء غير المشروع وغيرها من التشريعات، يتم التصدي لها من طرف هذه المكونات التي يوجد في بنيتها أشخاص متورطون في قضايا فساد وتحوم حولهم شبهات تبييض الأموال، وشبهات الإثراء غير المشروع، بتوظيف للعلاقات والقرار العمومي والمرفق العمومي، وكل الأدوات المخصصة للمصلحة العامة، وبالتالي فإن فئات عريضة من أولئك المستفيدين من الفساد ترجح الكفة اليوم لصالحهم، ولذلك لا يبدو غريبا ألا يخرج قانون لتجريم الإثراء غير المشروع، وألا يتم تعديل قانون التصريح بالممتلكات وألا تتم ملاءمة المنظومة التشريعية في المغرب مع اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بمكافحة الفساد، في كل الجوانب، بما فيها ما يتعلق باسترداد الأموال المنهوبة، حيث إنه ولحدود اليوم، المغرب لا يتوفر على استراتيجية لاسترداد الأموال المنهوبة والمختلسة، وهذه المقتضيات هي واردة في اتفاقية الأمم المتحدة لمحاربة الفساد، والتي صادق عليها المغرب.
بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه الحكومة لا ترى أي تناقض بين ارتفاع نسبة الفقر وانتشار البطالة، واستشراء الفساد في القطاعات العمومية وشبه العمومية، حيث إنه قد آن الأوان من أجل القطع مع الفساد والريع ونهب الأموال العمومية، ويكفي أن نعلم بأن الحكومة قد وضعت استراتيجية لمحاربة الفساد في سنة 2015، وهي التي تمتد إلى 2025، وقد بقي من عمرها أقل من خمس سنوات، ولا نجد لها أثرا على أرض الواقع، بل إن الحكومة لم تعد تتحدث بالمرة عن هذه الاستراتيجية، وتم تجميدها عمليا، والبنود الواردة فيها لم يتم التعامل معها بجدية وبإرادة سياسية حقيقية، ولم يتم تنزيلها على أرض الواقع على الرغم من كونها قد كلفت أموالا مهمة.

3- هل العرقلة التي يشهدها الجانب التشريعي المتعلق بمحاربة الفساد، أثرت على عمل مؤسسات الحكامة وأضعفت دورها في هذا الجانب؟
بالفعل، فالمشكلة التي تواجه هذه المؤسسات هي أنها مثل ذلك الجندي الذي يحارب بدون سلاح، فهذه المؤسسات لن يكون لها الأثر الكبير على أرض الواقع، لأنها تفتقد للصلاحيات والإمكانيات المادية والبشرية، بل تفتقد لكل العناصر والمقومات التي تجعلها تضطلع بدور كبير في تخليق الحياة العامة ومكافحة الفساد، كما هو الشأن مثلا بالنسبة إلى الهيئة الوطنية للنزاهة ومحاربة الرشوة، التي ظلت مجمدة منذ صدور القانون الذي يتعلق بتنظيم اختصاصاتها، وهي ما زالت لحد اليوم غير قادرة على مواجهة تلك الرشوة الصغيرة في المجتمع، فما بلك بأن تضع استراتيجية لمحاربة الرشوة، وذلك لكونها تفتقد لكل الشروط الذاتية والموضوعية للقيام بالمهام المنتظرة منها.
المشكلة ليست في إنشاء مؤسسات الحكامة، بل هي أعمق من ذلك، والواقع لا يرتفع، إذ إن حجم الرشوة والفساد في المغرب أكبر بكثير من هذه المؤسسات، بل يتحداها. والأمر يحتاج إلى تضافر كل الجهود وتداخل كل المقاربات وكل الفاعلين، من أجل التصدي للفساد الذي هو مشكل بنيوي اقتصادي وسياسي واجتماعي، وليس من السهل مواجهة هذه الظاهرة إلا بتضافر الإمكانيات التشريعية والعملية، وتوفر الإرادة السياسية الحقيقية لمواجهة الفساد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى