
لمياء جباري
مع تزايد انتشار الإقامات السياحية غير المصنفة، خاصة الشقق المفروشة المؤجرة عبر منصات رقمية مثل «Airbnb»، يخطو المغرب خطوة مهمة نحو تنظيم هذا القطاع المتنامي بشكل سريع خارج الإطار القانوني التقليدي. وكانت وزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني قد أعلنت، شهر يونيو الماضي، عن صدور خمسة قرارات في الجريدة الرسمية، تعزز الإطار التنظيمي للقانون رقم 14-80 المتعلق بالمؤسسات السياحية، وتهدف إلى إحداث تحول نوعي حقيقي في القطاع وتوفير تجربة سياحية مثالية.
أبرز بلاغ للوزارة، أنه بذلك، ستستفيد مؤسسات الإيواء السياحي من نظام تصنيف بالنجوم مبسط ويتماشى مع المعايير الدولية. وعلى سبيل المثال، فإن دور الضيافة والإقامات السياحية والنوادي الفندقية، التي كانت تصنف حسب الدرجات، ستصنف مستقبلا حسب النجوم على غرار الفنادق. كما تم إدراج المؤسسات ذات الطابع المغربي الأصيل، مثل الرياض والقصبة، ضمن نظام التصنيف الجديد، مما يسمح لها بتمييز عرضها وتثمين أصالتها.
نظام تصنيف جديد بالنجوم
سيمنح التصنيف بالنجوم، المتعارف عليه دوليا، مزيدا من الوضوح والثقة للسياح عند اختيارهم للإيواء السياحي وسيوفر للفاعلين السياحيين رؤية أوضح لعرضهم السياحي. وعلاوة على البنية التحتية والتجهيزات، أصبحت جودة الخدمات المقدمة عاملا أساسيا، يتم تقييمه في جميع مراحل تجربة الزبون. ولضمان استمرارية مستوى الجودة، سيتم إجراء زيارات سرية بصفة منتظمة من طرف خبراء مختصين يقومون بتقييم جودة الخدمات، وفقا لمعايير مفصلة (يمكن أن تصل إلى 800 معيار حسب التصنيف)، تمت بلورتها بمعية منظمة الأمم المتحدة للسياحة. كما سيسلم تصنيف مؤسسات الإيواء السياحي لمدة سبع سنوات، ويتم تجديده كل خمس سنوات. وتم أيضا إدخال مستجد مهم يخص الفنادق من فئة خمس نجوم والفنادق الفاخرة، وهو الإقامات العقارية المسندة. ويتيح هذا المفهوم الجديد للمستثمرين إسناد فيلات إلى فنادقهم، يمكنهم بيعها لأفراد وتولي إدارتها لفائدة زبناء يبحثون عن تجربة خاصة مع الاستفادة من خدمات الفندق. وهي آلية جديدة وضعتها الحكومة، من أجل تشجيع الاستثمار في القطاع السياحي. وفي تعليقها على هذا التقدم الذي شهدته الترسانة القانونية، قالت فاطمة الزهراء عمور، وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني: «لقد نجحت حكومتنا في إخراج قرارات تنزيل القانون 14-80 الذي تم اعتماده سنة 2015، وذلك بفضل الجهد الكبير الذي تم بذله بالتعاون مع المهنيين وجميع الأطراف المعنية». وأضافت الوزيرة: «هي اليوم خطوة حاسمة للصناعة السياحية المغربية، التي علاوة على جانبها التنظيمي، ستمكن من جعل المغرب يتموقع ضمن أكبر الوجهات السياحية عالميا». وبحسب البلاغ، فإن مهنيي القطاع سيستفيدون من فترة انتقالية مدتها 24 شهرا، من أجل الامتثال للمعايير الجديدة للتصنيف. وتوفر لهم هذه المدة إطارا مناسبا لإجراء التحسينات اللازمة، وتكوين فرق العمل حسب المتطلبات الجديدة، والاستعداد بشكل جيد لعمليات التصنيف. وسيتم قريبا تعزيز الإطار التنظيمي بقرارات جديدة ستمكن من هيكلة ثلاثة أشكال مهمة من الإيواء السياحي وهي: المخيم المتنقل (بيفواك)، والإيواء عند الساكنة، والإيواء البديل الذي يتضمن أشكال إيواء مبتكرة. كما سيتضمن هذا الإطار التنظيمي الجديد المنتوجات المعروضة في المنصات الأكثر استعمالا. وستمكن هذه القرارات المستقبلية من تحقيق عدة أهداف. أولا، ستقر دفاتر تحملات صارمة لضمان جودة وسلامة الخدمات المقدمة إلى السياح. ثانيا، ستوفر إطارا واضحا للدمج التدريجي للفاعلين الذين ينشطون حاليا على هامش القطاع المهيكل. وأخيرا، سيستفيد السياح من تعدد خيارات الإقامة المتاحة لهم. ووفقا للمصدر ذاته، من المتوقع أن يكون لتنويع العرض السياحي تأثير على الأسعار، خاصة خلال الموسم الصيفي، وبالتالي سيشجع السياح على السفر، مع ضمان جودة الخدمات.
إجبارية الحصول على رخصة الكراء
صدر حديثا في الجريدة الرسمية نص قانوني جديد يتعلق بالإيواء لدى الساكن، أو ما يُعرف بالإيواء البديل، والذي يُقصد به «كراء الشقق المفروشة».
القانون رقم 80.14، الخاص بالمؤسسات السياحية وأنماط الإيواء السياحي الأخرى، نص على ضرورة حصول الراغبين في استغلال هذا النوع من الإيواء على رخصة، تُمنح بناء على طلب يقدمه المعني بالأمر إلى السلطة المحلية المختصة، مقابل وصل تسلم. وخول المرسوم للسلطتين الحكوميتين المكلفتين بالداخلية والسياحة صلاحية تحديد العدد الأقصى للغرف المخصصة لهذا النمط من الإيواء، بالإضافة إلى تحديد نموذج دفتر التحملات المرتبط به، وذلك من خلال قرارين مشتركين. وللحصول على هذه الرخصة، يجب على المعني بالأمر تقديم ملف يتضمن طلبا مكتوبا لاستغلال الإيواء عند الساكن، أو الإيواء البديل، وفق النموذج الذي تحدده السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية، بالتنسيق مع نظيرتها المكلفة بالسياحة. ويتضمن هذا الملف نسخة من البطاقة الوطنية للمسؤول عن الإيواء، ونسخة من عقد التأمين كما نص عليه القانون رقم 80.14، بالإضافة إلى صور للغرف المعروضة للتسويق والفضاءات المشتركة داخل محل الإيواء. كما يُشترط أن يتضمن الملف نسخة من رخصة السكن الخاصة بالمحل المعد للإيواء، أو شهادة من مهندس مختص تثبت استيفاء البناية لشروط السلامة والمتانة واستقرار الهيكل البنائي، فضلا عن التقيد بمعايير الوقاية من الحرائق، وفقا للتشريعات المعمول بها. ويتوجب كذلك إرفاق دفتر التحملات الموقع من طرف المسؤول عن الإيواء. وقبل اتخاذ القرار بشأن منح الرخصة، تدرس السلطة المحلية الطلب خلال أجل لا يتجاوز 30 يوما، بعد أخذ رأي الممثلين الإقليميين والجهويين للسلطة الحكومية المكلفة بالسياحة، الذين يضطلعون بدور دراسة الملف ومعاينة محل الإيواء، إضافة إلى استشارة باقي المصالح المعنية. وتُمنح رخصة استغلال الإيواء، وفق ما جاء في المرسوم، لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد. وخلال فترة صلاحية الرخصة، يقوم أعوان مختصون بزيارات دورية إلى المحل المعد للإيواء، بهدف التأكد من مدى احترامه لمقتضيات دفتر التحملات.
ضمان عدالة ضريبية
وتعتزم وزارة السياحة إصدار مرسوم تنظيمي تكميلي، يشكل إطارا قانونيا جديدا لتنظيم سوق الإقامات المؤقتة التي ظلت إلى اليوم تشتغل خارج المسارات الرسمية، في خطوة أولى نحو هيكلة شاملة لآلاف الشقق والمنازل والرياضات التي لم تكن تخضع لأي مراقبة أو تنظيم قانوني. وبحسب مصادر صحفية، فإن الغاية من هذا المرسوم لا تقتصر على إدماج الفاعلين غير النظاميين فحسب، بل تتعداها إلى إعادة التوازن التنافسي بين الإقامات المصنفة وتلك غير المصنفة، مع ضمان عدالة ضريبية تمكن جميع الأطراف من المساهمة بإنصاف في دعم الاقتصاد الوطني. فالإقامات غير المصنفة تمثل منافسا مباشرا للفنادق التقليدية التي تلتزم بقوانين ضريبية وتنظيمية صارمة، وهو ما أثر سلبا على قواعد المنافسة العادلة في القطاع. وأشار أحد كبار المستثمرين في المجال السياحي إلى أن العديد من مالكي هذه الإقامات واجهوا صعوبات في استيفاء شروط التصنيف التقليدية، غير أن التعديلات الجديدة ستمنحهم فرصة قانونية لتسوية وضعياتهم تدريجيا، من خلال فترة انتقالية قد تمتد إلى عامين. وفي الوقت الذي تسجل فيه الأرقام الرسمية 17.4 مليون سائح و28 مليون ليلة مبيت خلال سنة 2024، يشدد المهنيون على أن النشاط السياحي الحقيقي يتجاوز هذه المعطيات بكثير، نظرا لوجود عدد كبير من الإقامات غير المدرجة في الإحصائيات الرسمية، والتي تقدم خارج الأطر القانونية. ومع إدماج هذه الإقامات في النظام المنظم، يتوقع أن تصبح البيانات الإحصائية أكثر دقة وشفافية، مما سيسهم في وضع سياسات تنموية فعالة ومبنية على معطيات واقعية. ويشمل الإصلاح المرتقب كذلك فرض معايير رقابية صارمة على الإقامات المؤقتة، من خلال زيارات تفتيش دورية وسرية تستند إلى مؤشرات متعددة، لقياس مستوى جودة الخدمات المقدمة. وتهدف هذه الخطوة إلى تعزيز ثقة السياح وسلامتهم، مما سينعكس إيجابا على صورة المغرب كوجهة سياحية ذات جودة عالية، وقد يؤدي ذلك إلى تمديد مدة الإقامة وزيادة معدل الإنفاق السياحي. وتعد مدينة مراكش مثالا واضحا على التحديات المرتبطة بالإيواء غير النظامي، حيث تقدر الطاقة غير المصنفة بها بنحو 30 ألف سرير، من أصل 80 ألفا على الصعيد الوطني، بينما يبلغ عدد الأَسِرَّةِ ضمن العرض الرسمي أيضا نحو 80 ألفا. وتشكل الإقامات غير المصرح بها ما يقارب 20 في المئة من إجمالي العرض السياحي الوطني، ما يجعل تنظيم هذا القطاع مسألة حتمية في أي رؤية تنموية مستقبلية. وتُظهر التقديرات أن إدماج هذه الإقامات ضمن الإطار القانوني يمكن أن يرفع عدد ليالي المبيت السياحي بنسبة تصل إلى 10 في المئة سنويا اعتبارا من عام 2027، دون أن يتطلب الأمر بالضرورة زيادة في عدد السياح الوافدين. وسيسهم هذا الدمج في تحسين جودة العرض السياحي، وتوسيع قاعدة الخاضعين للضريبة، مما يعزز العدالة الاقتصادية، ويضمن بيئة أكثر إنصافا لمختلف الفاعلين في القطاع السياحي.





