
محمد كريشان
للرئيس سعيد مسؤولية كبرى فالاسم الذي سيختاره، سواء من بين الذين قدمتهم له الأحزاب أو من عنده، سيكون الرجل الذي من الممكن أن يفتح صفحة جديدة في مسيرة العمل الحكومي، أو أن تصل معه الأزمة السياسية بالبلاد إلى ذروتها.
مسؤولية الرئيس سعيد كبرى أيضا لأنه هو من اختار الفخفاخ، مع أنه لم يكن مرشح أغلبية الأحزاب، ومع أنه لم يكن مسنودا بأي حزب له داخل البرلمان، ناهيك عن كونه مرشحا رئاسيا سابقا لم يحظ سوى بأقل من واحد بالمائة.
أمام الرئيس سعيد وتونس فرصة أخيرة ليظفر التونسيون بحكومة مستقرة، يمكنها تحديد أهدافها للأربع السنوات المقبلة، تقدم في نهايتها جرد حساب تسمح بتجديد الثقة في من يقف وراءها، أو معاقبته في الانتخابات المقبلة.
المشكلة العويصة هنا، والتي قد تعرقل ضرورة استعادة التونسيين الثقة في مؤسسات الدولة من حكومة وبرلمان وغيرهما، بعد أن وصلت النظرة إليهما إلى درك غير مسبوق، هي أن البلد بات يعاني غيابا لعملة نادرة هي «رجال الدولة»، القادرين على السمو فوق الحسابات الحزبية والشخصية والمالية والتجاذبات الإقليمية والدولية.
هذا لا يعود فقط إلى سياسة التجويف، التي اعتمدها النظام السابق طوال أكثر من عقدين تجاه المكونات والشخصيات غير الموالية، بل كذلك إلى أن كثيرا ممن عملوا في مؤسسات الدولة من كفاءات إدارية مختلفة، وقد كان بن علي يعتمد على الكثير منهم لمهنيتهم وخبرتهم، فضلوا التواري عن المشهد، بعدما عاينوا طوال العشر سنوات الماضية مشاهد منفرة، ومخيفة أحيانا، من تغول الفكر المتشدد وطغيان الشعارات الشعبوية والجدالات العقيمة وتسلل الفساد إلى مفاصل الدولة والإعلام والاقتصاد وغيرها.
لكل ذلك، ولكون البلاد عاجزة حاليا عن توفير فوري لنخبة سياسية ناضجة ومسؤولة، فإنه لا مفر من التعاطي مع المشهد السياسي والحزبي على ما هو عليه الآن، بكل علاته، وكما أفرزته صناديق الاقتراع، وذلك في محاولة لتجنب الأسوأ. هذا لن يتم إلا إذا كان رئيس الحكومة المقبل شخصية توافقية، تجمع بين الكفاءة والحزم والنزاهة، مما يؤهله إلى لم شمل الجميع بتلويناتهم المختلفة.
الترجمة العملية لهذا الكلام تعني تشكيل حكومة وحدة وطنية حقيقية، تجمع أقصى ما يمكن من أطياف البرلمان التونسي، وأن يكون تشكيلها جامعا بين الشخصيات السياسية وبين الخبراء المختصين، الذين تحتاجهم البلاد الآن أكثر من أي وقت مضى.
إذا أفلحت الأحزاب ومعها الرئيس في العثور على شخصية رئيس الحكومة المناسب، واستطاعت في الوقت نفسه تأمين تشكيل وزاري مهني ومتجانس، فإن ذلك يمكن أن يقود تدريجيا إلى وضع سياسي مستقر بتأييد برلماني واسع لحكومة بإمكانها أن تتفرغ لمعالجة مشكلات البلاد العديدة، وأولها الوضع الاقتصادي والاجتماعي بالغ السوء والتعقيد.
لا يتردد البعض في وصف هذا الوضع بأنه كارثي، وبأن البلد قد يكون مهددا بالإفلاس، فلأول مرة في تاريخ تونس تدخل الدولة في مفاوضات لتأجيل تسديد أقساط بعض القروض، وجنوب البلاد يغلي باحتجاجات ومظاهرات لعاطلين، لم تحترم الدولة تعهداتها ووعودها تجاه التنمية في مناطقهم البائسة والمهمشة، مع تراجع النمو إلى نسبة غير مسبوقة، وحالة انكماش زادتها جائحة كورونا سوءا على سوء.
إذا استطاعت الحكومة الجديدة أن تؤمن لها حزاما برلمانيا مستقرا ومضمونا، فبإمكانها وقتها أن تنصرف براحة بال إلى حسم عديد الملفات ومعالجة أغلب الإشكالات، أولها استكمال تشكيل المحكمة الدستورية الضامنة لمنع أي انحراف أو هوى في شرح الدستور والقوانين، ثم المضي بكل جدية لمحاربة الفساد الذي رفع شعاره كثيرون، لنكتشف بأن من بين «حاميها حراميها»، والانكباب على معالجة بطالة الشباب والخريجين عبر برامج وطنية كبرى وذات مصداقية، حتى لا يتحول الاقتصاد والوضع الاقتصادي، مدخلا أو تعلة لانتكاس العملية الديمقراطية.


