حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأيالرئيسية

اعترافات حمار

بعد الانفجار السوري يبدو أن ثمة صفقة تمت في المحافظة على النظام السوري وبقاء عائلة إقطاعية مالكة مسلحة، ويضحى بأكباش غير بريئة، ولكنها كما جاء في قصة الاعترافات في كتاب الخرافات التي سنرويها.

جاء في الحديث من نوقش الحساب عذب، ويذكر حسن البنا في كتابه «الدعوة والداعية» حرصه على عدم كتب أي شيء، لأنه سيقود إلى تحقيقات أمنية لانهاية لها. وأنا أكرر دوما قاعدة ثلاثية للتعامل مع رجال الأمن: لا تتطوع بالمعلومات، وتجنب السرية فهي مقتل، وودع العنف لأنه زواج سفاح غير شرعي مع السرية، وليكن جوابك نصف السؤال، وإن أمكن فبلا أو نعم أو بالمعاريض. وانتبه من الأسماء، لأنهم سيجرون نصف البلد إلى التحقيق. وتبقى ماكينة التحقيق جهنمية وقودها الناس والمخابرات.

الرفاق في دمشق يرتعشون فرقا هذه الأيام، فقد دنا الأجل، وشخصت أبصارهم لا يرتد إليهم طرفهم، وأفئدتهم هواء. ولكل حزب أجل، فإذا جاء أجلهم فلا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون. والبعث التوأم حقيقة انتهى منذ أن أمسك الرفاق بمقود الحكم، فتحولوا إلى دولة قمعية كما حدث مع الماركسية والاتحاد السوفياتي، وكيم سونغ الأب في كوريا الشمالية حارب الاحتلال الياباني، ليتحول بعد ذلك إلى رب يعبد من دون الله، فحكم البلد مثل جنكيز خان 46 سنة حتى نفق عام 1994م، وابنه «كيم يونغ» ورث الملك، وأوعز إلى المثقفين أن يغيروا كلمات القاموس الكوري عن «وراثة الحكم»، فخسر القاموس كلمة وكسب الواقع حقيقة. والفرق بين سوريا وكوريا حرف. ثم جاء الحلوف الجديد كيم يونغ أون، الذي ضحى بأخيه كيم يونغ، نام حين شم رائحة صينية عفنة من محاولة استبداله بأخيه، فيكون دمية أفضل للعب بها، فأرسل إليه من المومسات (جوج كما يقول المغاربة) فسممتاه بطريقة ذكية في سنغافورة. 

وفي مقابلة الصحفية الألمانية «سوزانه كوليبل»، في العدد 8/2005م من مجلة «دير شبيغل»، مع وزير الدفاع السوري الأسبق «طلاس»، الذي نفق لاحقا في باريس، قال لها وهو يشرح أبجديات الديكتاتورية – على حد تعبير الصحفية-: من أراد أن يحكم فعليه إدخال الرعب إلى قلوب الناس. واعترف لها بأن يده وقعت على أحكام إعدام بلغت الآلاف، وأنه كان يشنق في الأسبوع الواحد وفي دمشق لوحدها أكثر من 150 معارضا سياسيا. قال هذا أمر لم يكن منه مفر من أجل استتباب الأمن. انظري لم يحدث في سوريا انقلاب خلال 34 سنة. والرجل بقي وزير دفاع 32 سنة.

 تابع الرجل اعترافاته مع ضحكة ساخرة وهو يتكئ على مقعد مذهب الأطراف، تتدلى من فوق رأسه ثريات الكريستال، في فيلا فخمة، في حي فخم، فرشت أرضها بزرابي مبثوثة ونمارق مصفوفة، وخلفه صورتان من لوحات هتلر، اشتراهما من مزاد علني من لندن، بدون أن يفصح عن السعر الذي دفعه، قال للصحفية الألمانية وهو يتكلم بصوت ناعم: لقد بدأنا رحلتنا هكذا، وكل معارضة يجب خنقها في المهد، والعلاج الوحيد لها هو البتر. وما حدث في لبنان في مارس 2005م، هو تشققات الأرض من امتداد الزلزال العراقي، فالأرض تمور، والأيام حبالى، والأنظمة الستالينية تلفظ الأنفاس، والعصر ينقلب، وفصل الربيع العربي قادم.

هل يحق لنا أن نتفاءل فتتكحل عيوننا برؤية مظاهرة (سلمية) مليونية تحتشد في ساحة المرجة في دمشق، يطالب فيها المتظاهرون برحيل الحكومة وقطع أذرع التنين الأمني؟ كما حصل مع اللبنانيين في ساحة التحرير في بيروت يوما، حتى أجهضت بالبيدق الإيراني وبغباء وحماقة المعارضة وقصر نظرها.

إن الآمال كبيرة حاليا، ولكن المشكلة هي في المعارضة التي قطعت تقطيعا، فلم يبق النظام السابق إلا على منافق أو مطعون في النفاق، أما الأحرار فإما ماتوا في السجون، أو فروا على وجوههم إلى أقطار الأرض الأربعة، أو قضوا نحبهم وما بدلوا تبديلا.

جاء في كتاب «أفضل الخرافات» لـ«جان لا فونتين» عن اعترافات الأسد والحمار، عندما ضرب الطاعون الغابة. فقال الأسد: يجب أن نقوم بالاعتراف بذنوبنا، فنقدم الأضاحي. وسأكون أول المعترفين: أعترف لكم بأنني لم أقاوم شهيتي فأكلت الكثير من الخرفان. مع أنها لم تؤذن قط، بل لقد عرف عني أنني كنت أتذوق لحوم الرعاة وكأنها فطيرة محشوة؛ فإذا دعت الحاجة فأنا مستعد للموت، ولكنني أظن أن على الآخرين أيضا أن يعترفوا بذنوبهم. همهم الجميع: نعم .. نعم. قفز الثعلب وقال: كيف تقول ذلك يا ملك الغابة. إن وساوسك هذه لمرهفة الإحساس أكثر مما ينبغي. ولعمري إن الخراف قطعان نجسة فظة تستحق أن تفترسهم ومعهم الرعيان حتى، هكذا تكلم الثعلب فضجت الغابة بالهتافات بحياة ملك الغابة. ولم يجرؤ أحد على مراجعة ذنوب النمر والدب والذئب والثعلب والضباع، فقد اتفق الجميع أن كلا منهم قديس لا يلمس. وهنا وقف الحمار فقال: يا قوم أريد أن أعترف: لقد مررت بجانب دير فأعجبني اخضرار العشب، فقضمت من الأعشاب قضمة بعرض لساني، وملء فمي وكذلك سولت لي نفسي .. بصراحة .. وهنا ارتفعت أصوات الاستهجان تندد بالحمار المجرم، وشهد «ثعلب» عنده علم من الكتاب فصاح: أيها الحمار اللعين لا تتابع، فقد عرفنا مصدر البلاء. وشهدت بقية حيوانات الغابة أن الحمار فعلا منكر الصوت، قبيح الرائحة، متقرح الجلد، فظ الأخلاق. فحكموا عليه بالشنق. فكم هو وضيع بغيض الاستيلاء على عشب الآخرين. فاقتيد الحمار إلى الموت، وهو ينهق بأعلى صوته.  

 خالص جلبي

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى