الرسالة النارية التي اشتكى فيها عمر بنجلون للمحجوب بن الصديق من الاختطاف والضرب على يد النقابيين

يونس جنوحي
في شهادته على محاكمة مؤامرة يوليوز الشهيرة، يقول مولاي المهدي العلوي إن مداخلة عبد الرحمن اليوسفي، الذي كان متابعا أيضا، أربكت حسابات النيابة العامة و«زعزعت استراتيجيتها».
عندما أمرت النيابة العامة بمواصلة الاستماع إلى شريط اعترافات الفقيه البصري أمام الجنرال أوفقير، وذلك لإلباس المتورطين في المؤامرة التهمة، بدأ العلوي ورفاقه يضربون الطاولات بأيديهم احتجاجا على مواصلة الاستماع للشريط. أمر رئيس المحكمة بإعادة المتهمين إلى السجن، وعادوا مرة أخرى ليمثلوا أمامه، ولكن هذه المرة ليسمعوا الأحكام الصادرة في حقهم، والتي قضت بإعدام المهدي بن بركة والفقيه البصري وعمر بنجلون، ومومن الديوري وشيخ العرب وآخرين.. في حين تم الإفراج عن العلوي ضمن مناضلين آخرين، من بينهم عبد الرحمن اليوسفي، الذي نال حكما تمثل في خمس سنوات موقوفة التنفيذ.
يقول مولاي المهدي العلوي، مستعيدا هذه اللحظات التي تعود إلى شهر مارس 1964، بعد قرابة 8 أشهر من الاعتقال: «عند خروجنا من السجن، وجدنا عبد الرحيم بوعبيد في استقبالنا عند البوابة الرئيسية، وكان مشهدا مؤثرا تقاطعت فيه المشاعر. فكان بوعبيد يهنئ المفرج عنهم على صمودهم خلال كل أشواط هذا الامتحان الصعب، تاركين وراءنا في زنازين السجن المركزي كلا من عمر بنجلون والفقيه البصري ومومن الديوري، رحمهم الله جميعا، وكلهم محكوم عليهم بالإعدام».
بدا واضحا أن علاقة مولاي المهدي العلوي بعمر بنجلون كانت متينة وأخوية. وهو ما ظهر جليا في هذه المذكرات، خصوصا وأن العلوي امتلك الشجاعة والجرأة التاريخية ليشير إلى حقائق مزعجة لعدد من الاتحاديين والنقابيين. هذه الحقائق تتمثل في المضايقات والتهديدات التي تعرض لها عمر بنجلون بسبب أنشطته النقابية، التي لم تكن تروق للزعيم النقابي المحجوب بن الصديق.
قبل أن نصل إلى مرحلة التحاق مولاي المهدي العلوي بجلسات البرلمان سنة 1964، بعد تجربتي الاختطاف والتعذيب، المريرتين، نعرج أولا على ما «فجّره» في هذه المذكرات بخصوص وضع عمر بنجلون قبل الحكم عليه بالإعدام. إذ نشر العلوي رسالة كان قد وجهها بنجلون إلى المحجوب بن الصديق، أشهرا قليلة قبل اختطافه ومتابعته في مؤامرة يوليوز 1963، وصدور الحكم بالإعدام ضده.. بدا من الرسالة أن بنجلون كان يعاني من «ذوي القربى» أكثر مما عانى مع النظام.
وهذه مقتطفات فقط من الرسالة التي نشرها العلوي في مذكراته:
«الأخ المحجوب، الكاتب العام للاتحاد المغربي للشغل،
للمرة الثانية، يتم اختطافي وتعذيبي في أحد الأقبية. الأولى وقعت يوم 20 دجنبر 1961 على الساعة الواحدة والنصف صباحا. كان ذلك بمناسبة الإضراب العام الذي قررته فيدراليتنا الوطنية للبريد، إضرابا كان ناجحا باهرا للاتحاد المغربي للشغل، كما عنونت جريدة «الطليعة».
اختطفت من طرف عصابة خاصة تابعة للسلطة الفيودالية. وهذه الأخيرة قررت العملية عندما اقتنعت بأن الإضراب فعلي، وكان لابد لها من مسؤول، رأس ثعبان تمارس عليه انتقامها الأخرق. وكان لي شرف هذا الاختيار. أقول شرف، لأن قناعتي الراسخة هي أن الطبقة العاملة تشكل الطليعة الطبيعية في الكفاح الفعلي والملموس، الذي يجب أن يخاض ضد الفيودالية والبورجوازية والامبريالية. وهذه المرة، لا أستطيع، للأسف، أن أتحدث (تماما) عن شرف. فباسم الطبقة العاملة تعرضت في واضحة النهار للاستفزاز من طرف مسؤولين في الاتحاد المغربي للشغل، أمام أنظار حراس الاتحاد المغربي للشغل وحياد متواطئ من طرف الشرطة. وتعرضت للضرب واللكم ونقلت إلى القبو. تعرضت في ظرف 12 ساعة لثلاث حصص من التعذيب تجاوزت وحشية كثير مما تعرضت له في السنة الماضية، لأن الأمر في المرة الأولى كان مجرد تهديد.
..(..) لا يمكن أن نعزل ما وقع لي عن الأحداث التي وقعت لك «أنت أو مساعديك» مع فيدرالية البريد، منذ 25 دجنبر، تاريخ انتخاب 8 مندوبين من البريديين بالرباط للمؤتمر -ومن بينهم أنا-.
لم تتوقف الأحداث. تشبثت بتعيين المندوبين إلى المؤتمر، كما هي العادة، عبر أشخاص معينين. وبعد عدة محاولات، وجه إليكم المكتب الفيدرالي والمكتب المحلي للرباط وسلا وفودا ورسائل وبرقيات تعبر كلها عن تشبثها بمبدأ الانتخاب الديمقراطي للمندوبين الى المؤتمر. كل المندوبين القادمين من كل الفروع اجتمعوا يوم الجمعة ابتداء من الثالثة (مساء) ليقرروا في الموقف الواجب اتخاذه أمام صمت المركزية، وقرروا بالإجماع رفض تعيين المركزية للمندوبين والبقاء متضامنين مع الإخوة المنتخبين، خاصة معي شخصيا (بعدما أخبروا أن تواجدي أنا هو الذي يطرح مشكلا). وكان آخر وفد معين عقد لقاء مع ممثلي المركزية (بينهم، عبد الرزاق، عواب وعمور)، وأخبر الوفد أنه في ما يخصني، حتى وإن كنت مندوبا، فإنني لن أدخل المؤتمر… وقرر اجتماعنا الذي عقد بعد ذلك في الساعة العاشرة ليلا، بأن البريديين مجتمعين سيتوجهون الى المؤتمر، وسيتحاشون الرد على أي استفزاز، وينتظرون حتى يتم قبولهم. كان مقررا أن نجتمع يوم السبت في الثامنة صباحا بالمقر المحلي للبريد بالدار البيضاء. تجمع جزء من المندوبين، نبهت الإخوان إلى أنه، في انتظار وصول باقي الوفود، سأتوجه رفقة الأخ بلمليح لرؤية إن كانت الوفود بدأت دخول قاعة الاجتماع. كانت الساعة حوالي 8 صباحا و20 دقيقة. أوقفت سيارتي بشارع الجيش الملكي ومررت أمام قاعة الأفراح (دون أن أسير حتى فوق الرصيف). وعند عودتي إلى سيارتي، وجهت التحية للأخ عمروق، وهو بريدي متفرغ بالمركزية، الذي بدأ يتهمني بالتآمر والتشويش.. وصفع الأخ بلمليح».





