
مع مرور السنوات، وبالرغم من إنجاز محطة التصفية الخاصة بالمياه العادمة ببرشيد على مساحة تناهز 42 هكتارا، وإلزام الوحدات الصناعية بإنشاء محطات للمعالجة الأولية قبل الربط بالشبكة الرئيسية، طفا على السطح من جديد مشكل المياه الشتوية التي أصبحت تختلط عبر المجاري بالمياه العادمة التي ترمي بها بعض الوحدات الصناعية بالمدينة، وكذا مشكل الأحواض المائية التي يتخذها المكتب الوطني سابقا والشركة الجهوية حاليا أحواضا لتجميع المياه الشتوية والصناعية، بمحطة التصفية القديمة، بالإضافة إلى مشكل مجرى المياه الشتوية بطريق الكارة الذي تحول إلى مستنقع لرمي مياه الواد الحار، ما أصبح يشكل خطرا بيئيا يحيط بالمدينة ويتسبب في التأثير على الفرشة المائية.
مصطفى عفيف
كشفت جولة لـ«الأخبار»، بمدينة برشيد على واقع وصفته فعاليات مدنية وحقوقية وبعض المنتخبين بالخطر البيئي أو ما بات يعرف بـ«حزام التلوث» بسبب عدم قدرة قنوات المياه الشتوية والمياه العادمة القادمة من بعض الوحدات الصناعية على تصريفها نحو القنوات الرئيسة في اتجاه محطة التصفية، حيث كشفت الأمطار الأخيرة النقاب عن مدى عجز البالوعات الخاصة بتصريف المياه الشتوية عن استقبال كميات الأمطار التي لم تدم أزيد من نصف ساعة بعدما اختلطت بمياه الواد الحار وتسببت في إلحاق خسائر مادية بعدد من المنازل بالطوابق وكذا لبعض التجار بالحي الحسني بفعل غياب كنس البالوعات المتواجدة بالطرقات قبل هطول الأمطار، ما أدى إلى عرقلة حركة السير لبعض الوقت.
البنية التحتية.. ضعف وهشاشة
كشفت القطرات المطرية التي شهدتها برشيد عن فضيحة ضعف وهشاشة البنية التحتية ببعض الأحياء، مثل الحي الحسني، التي استفادت من أكبر مشروع لتأهيل شبكة التطهير السائل خلال الولاية السابقة والذي كلف ميزانية كبيرة، لتكشف الأمطار عن اختلالات جمة في المشروع بعدما تحولت أزقة وشوارع الحي المذكور إلى برك مائية وأوحال بسبب اختلاط مياه الأمطار بمياه الواد الحار التي غمرت بعض المنازل وأصبحت تعيق حركة السير ببعض الأزقة، وهو المشروع الذي أشرف على إنجازه (المكتب الوطني للماء الصالح للشرب سابقا)، بشراكة مع جماعة برشيد والبنك الدولي ووزارة الداخلية، لكن هذه الأشغال سرعان ما كشفت عن اختلالات بنيوية تطرح معها أكثر من علامة استفهام حول فتح بحث في اختلالات المشروع.
وأمام هذا الوضع يبقى أمل سكان برشيد في القضاء على مشكل تصريف المياه العادمة والشتوية بجنبات المدينة معلقا، رغم كل القوانين البيئية ومنها القانون رقم 11.03 المتعلق بحماية واستصلاح البيئة، والقانون رقم 12.03 المتعلق بدراسة التأثير على البيئة، والقانون رقم 13.03 المتعلق بمكافحة تلوث الهواء والقانون رقم 28.00 المتعلق بتدبير النفايات والتخلص منها.
جمعيات تدق ناقوس الخطر
دقت جمعيات المجتمع المدني والحقوقي ببرشيد ناقوس الخطر بخصوص الخطر البيئي الذي بات يهدد حياة المواطنين نتيجة انتشار الأحواض المائية الملوثة التي تحيط بالمدينة من كل أطرافها، وهو واقع كشفت النقاب عنه الأمطار الأخيرة بعدما تسربت المياه العادمة والشتوية من الأحواض الخاصة بمحطة التصفية القديمة والتي كان (المكتب الوطني للماء الصالح للشرب، قطاع التطهير، سابقا- الشركة الجهوية متعددة الخدمات الدارالبيضاء- سطات حاليا)، يعتمد عليها كاحتياط لتصريف المياه العادمة والشتوية للمحطة الرئيسية، وهي أحواض أضحت تشكل خطرا حقيقيا على منشأة خط السكة الحديدية، كما وقع قبل أيام بعدما غمرت المياه المتدفقة من تلك الأحواض خط السكة الحديدية ما تسبب في وقف حركة قطار شحن الفوسفاط، وتدخل السلطات لفتح مجار نحو الأراضي الفلاحية لتخفيف حمولة تلك الأحواض.
وأكدت الفعاليات نفسها أن التهديد البيئي للمياه الصناعية ببرشيد يأتي نتيجة مجموعة من الاختلالات والمشاكل البيئية التي تعرفها منطقة الحي الصناعي بالمدينة ، خاصة في البنية التحتية لشبكة التطهير لهذه الوحدات الصناعية، والتي لم تحترم اتفاقية الشراكة الموقعة بين المجلس الجماعي لبرشيد والأرباب الصناعيين والمكتب الوطني للماء الصالح للشرب، قطاع التطهير(سابقا)، من أجل إحداث محطات للمعالجة الأولية للمياه الصناعية داخل كل وحدة على حدة، في غياب دور المراقبة من طرف المكتب الوطني سابقا أو مصالح حفظ الصحة ببلدية برشيد، أو لجان متخصصة تهتم بالمعايير التي تسمح بإعادة دمج هذه المياه بالمياه المنزلية، لكن هذه الملاحظات، بحسب المصدر ذاته، تبقى مكتوبة على الورق والسكان يعانون تدفق هذه المخاطر، سواء عبر بركة مائية أو نشرها على جانب السكك الحديدية، التي باتت بدورها مهددة بالانجراف.
هذا ويشكل حزام التلوث المحيط ببرشيد من جهة طريق الكارة هو الآخر مصدر خطر بيئي يهدد السوق الأسبوعي وأحياء مولاي رشيد ونسرين، والشاوية وجبران بالمدينة، بسبب تحويل مجرى المياه الشتوية إلى مستنقع لرمي مياه الواد الحار، حيث يصطدم القادم عبر طريق الكارة بقناة تحت القنطرة وهي تصب في اتجاه مجرى مخصص لمياه عدد من التجزئات السكنية التي استغلت الوضعية في وقت سابق بربط قنوات الواد الحار الخاصة بها بالقناة الخاصة بالمياه الشتوية التي تصب مباشرة في مجرى الواد، لتصبح عبارة عن بحيرة تجمع المياه العادمة، وهو واقع يكذب كل تصريحات المسؤولين الذين صرحوا، في أكثر من مناسبة، بأنهم قضوا على مشكل رمي المياه الملوثة وأنها ترمى مباشرة في اتجاه محطة التصفية، وهو ما أصبح يسمى «حزام التلوث»، الذي تنبعث منه روائح كريهة تهدد المجال البيئي بسبب المياه العادمة وغياب أي تدخل من الجهات المختصة،
وبالتالي غدت تلك الأحواض تشكل خطرا بيئيا بسبب انتشار الحشرات مع ارتفاع درجة الحرارة وسموم بعض الوحدات الصناعية التي لها تأثير على الفرشة المائية، سيما وأن تزويد برشيد بالماء الصالح للشرب يعتمد بنسبة كبيرة على بعض الآبار التي يستغلها (المكتب الوطني- الشركة الجهوية) لتزيد المدينة بالماء الصالح للشرب.
مياه ملوثة بدون معالجة أولية مصدرها وحدات صناعية
مشكل المياه الصناعية الملوثة الذي يشكل خطرا حقيقيا على المدينة ورط الجهات المانحة لتراخيص استثنائية تخص إنشاء مشاريع صناعية، وكذا قيام بعض الوحدات الصناعية بتصريف المياه العادمة في القناة الرئيسة دون تشغيل أو إحداث محطات للمعالجة الأولية، وهو ما نتج عنه الإبقاء على استقبال عدد من الأحواض بالمنطقة الصناعية لكميات كبيرة من المياه الصناعية في غياب حلول من أجل الحد من انعكاسات ذلك على البيئة. وتبين، من خلال محاضر اللجنة الإقليمية، أنه يتم رمي بعض المخلفات الصناعية بالمجاري دون معالجة، وتصريف فائض بعض المخلفات الصناعية بالطرق المحاذية، بالإضافة إلى انتشار الأدخنة الضارة جراء النشاط الصناعي.
وقامت «الأخبار»، أول أمس الأحد، بجولة سريعة لتصطدم بالوضع ذاته الذي رصدته عدسة الجريدة منذ الولاية السابقة، وهو أن المجال البيئي أصبح مهددا بسبب المياه العادمة القادمة من بعض الوحدات الصناعية، في ظل غياب أي تدخل من الجهات المختصة، منها المجلس الجماعي، من خلال اتخاذ الإجراءات القانونية في حق كل وحدة صناعية ثبت أنها لم تلتزم باحترام الشروط والسلامة البيئية، وإنشاء وحدة للمعالجة الأولية للمياه العادمة وقذفها بالقناة الرئيسية وليس في الخلاء، إلى جانب مسؤولية المكتب الوطني- الشركة الجهوية، ما تطرح معه أكثر من علامة استفهام حول هذا الصمت وترك المجال البيئي بين يدي المنطقة الصناعية.
الجماعة ترمي الكرة في مرمى الشركة الجهوية
مشكل الأحواض المائية والمياه الشتوية جعل المجلس الجماعي لمدينة برشيد يكتفى برمي الكرة في مرمى الشركة الجهوية متعددة الخدمات الدارالبيضاء – سطات، المفوض لها تدبير قطاع التطهير السائل مكان (المكتب الوطني للماء الصالح للشرب، قطاع التطهير سابقا)، حيث نشر رئيس جماعة برشيد، طارق قديري، على صفحته الخاصة بمنصة التواصل الاجتماعي «الفيسبوك»، ملخص اجتماع رسمي جمعه بممثل الشركة الجهوي وباشا المدينة، أكد فيه أن المدير الإقليمي للشركة الجهوية كشف عن مجموعة الإكراهات التي واجهت فرق التدخل بالشركة خلال التدخلات الاستعجالية تزامنا مع التساقطات المطرية التي عرفتها برشيد، وذلك بسبب التموقع الجغرافي للمدينة وتواجدها على مستوى أرض منبسطة مما يزيد من احتمال وقوع الفيضانات، خصوصا أن منسوب مياه التساقطات المطرية التي عرفتها المدينة أخيرا فاق 39 ملم في فترة قصيرة، وأن شبكة تصريف مياه الأمطار بمدينة برشيد تعرف بعض الاضطرابات بعدد من النقط، مؤكدا أن مصالح الشركة، ومنذ بداية التساقطات وإعلان النشرة الإنذارية، سخرت كل الوسائل اللوجستية من أجل ضمان السير العادي للمواطنين والحرص على سلامتهم دون خسائر مادية أو معنوية.