الرأي

أرض العبور إلى الموت

في الوقت الذي كانت فيه الأمطار الغزيرة تروي الأرض وربما تحفرها أيضا في المناطق التي لم تعرف نزول قطرة مطر طوال السنة، كانت السلطات في مدينة السعيدية، تلقي القبض على مشتبه في تورطه مع «الداعشيين» بعد أن رصدت اتصالات بينه وبين تسع أفراد آخرين في إطار شبكة ليبية لديها علاقة بهذا التنظيم الإرهابي، تم تفكيك عناصرها في مارس الماضي. أي أن الشخص الذي ألقي عليه القبض بالأمس، كان مطلوبا ومبحوثا عنه.
لم يعد مفزعا أن نسمع عن علاقة بين المتطرفين والتنظيمات الإرهابية. لا شيء أصبح مفزعا في الحقيقة، ما دام المجتمع المغربي يعيش على إيقاع مرتفع من التسيب، فإنه من المتوقع أن يكون هناك هامش كبير للتطرف لكي يعشش بيننا جميعا، خصوصا أمام هذه الصعوبات الاقتصادية التي تعيشها البلاد.
حسب بلاغ وزارة الداخلية، فإن الشخص المشتبه في انتمائه إلى تنظيم «داعش» كان قد غادر المغرب قبل ستة أشهر، ودخل إلى ليبيا بطريقة غير قانونية وعاد إلى المغرب، عبر الجزائر دائما، ليتم إلقاء القبض عليه.
يربط الكثيرون بين منطقة الشمال المغربي، وبين نشاط المطلوبين لانتمائهم لهذه التنظيمات الإرهابية التي تفرقها الأسماء ويجمعها التطرف. والحقيقة أن في الأمر إجحافا للمغاربة، وإجحافا للإرهابيين أيضا. فالذين التحقوا بـ «داعش»، لم يكونوا كلهم عاطلين عن العمل أو فاقدين للأمل في الحياة، بل بالعكس، أغلب الذين أعلنوا انتماءهم للتنظيم الإرهابي الذي أصبح عالميا منذ مدة، كانوا شبابا ناجحين في حياتهم المهنية، في أوروبا خصوصا، وتخلوا عن الحياة. في المقابل، هناك نسبة من اليائسين الذين انضموا إلى هذا التنظيم الإرهابي، ليس بسبب الفقر وحده، وإنما بسبب الأفكار المفخخة التي يتم حشوها في أدمغتهم تماما مثلما يتم حشو الوسائد بـ «الحلفة».
وللأمانة فقط، يعيش بيننا اليوم أئمة وشيوخ وكائنات، يحملون نفس أفكار «الداعشيين»، ولا أحد يتابعهم بتهمة تشويه الرسالة الدينية أو التشجيع على الإرهاب الفكري والعقدي.. ينشطون في القرى وفي المدن، ويرمون الناس بالكفر، ومنهم من تصل أفكاره إلى الصحافة. يعتبرون المغاربة جميعا ضالين وبعيدين عن الإسلام الذي لا أحد يعرفه سواهم. هؤلاء، هم المسؤولون، في المغرب وخارجه، عن تجنيد الذين يتم إلقاء القبض عليهم بين الفينة والأخرى وهم يحاولون الالتحاق بتنظيم «داعش». أما عن علاقتهم بالشمال دون غيره، فيمكن إرجاعه إلى الجغرافيا.. الشمال قريب من كل مكان، وهذا سر اللعنة التي تطارد أبناءه ربما. فحتى الذين ينحدرون من أماكن أخرى من عمق المغرب، يأتون إلى الشمال غالبا للعبور نحو مكان آخر. منذ قرون خلت والشمال يصدّر الراغبين في اكتشاف ما وراء البحار، ولم يعد جديدا على المنطقة أن يعبرها الغرباء، الجديد اليوم أن يعبرها الراغبون في الموت، بعد أن كان يأتي إليها الباحثون عن الحياة.
الأكيد عن عملية إيقاف المشتبه في انتمائه إلى «داعش»، لن تكون الأخيرة. هنالك دائما راغبون في تحقيق هذا الحلم الغريب الذي يغتال الحياة كل يوم، في بقع كثيرة من هذه الأرض. ما الذي يجعل ضيوف الموت يتكاثرون كل يوم؟ إنهم الذين يوزعون صكوك الغفران الجديدة، والذين يتحدثون باسم الله، وفوق كل هذا.. يفرحون بهطول المطر، حتى لو جاء متأخرا.

مقالات ذات صلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى