بانوراما

أزيلال.. منطقة جبلية أنجبت قامات كبيرة وشخصيات بارزة

لأن أزِيلال تعني بالأمازيغية «قمة المرتفع»، فإنها أنجبت قامات في مختلف المجالات، أغلبها تمرد على قساوة الظروف المناخية وصعوبة الحياة في منطقة جبلية، وحجز لنفسه مكانا آخر ضمن النخب بكل تلاوينها.
في إقليم أزيلال انفجرت عيون وأنهار ووديان، كما انفجرت طاقات مكنت الإقليم من امتلاك سفراء في كل القطاعات، منهم من يملك حنينا لمسقط الرأس، ومنهم من تنكر وأدار ظهره لأزيلال ولم يحتفظ منها سوى بجلباب بزيوي يلجأ إليه في المناسبات والأعياد.

الفقيه البصري وأوبسلام.. روح المقاومة
لا يمكن الحديث عن المقاومة المغربية للمستعمر دون رصد مسيرة عسو أوبسلام، الذي ينتمي إلى دائرة إيليمشان بقبيلة آيت عطا لآيت واحليم. ولد هذا المقاتل سنة 1890 بجماعة تاغيا نيليمشان. ويقول الباحث دايفيد منتغومري هارت، في كتاب ترجمه الزميل نبيل وهبي بتصرف، إن عسو أوبسلام تزعم إلى جانب رجالات قبيلة آيت عطا معركة ضد التهامي لكلاوي، في السهل الجنوبي لجبال الأطلس المتوسط سنتي 1919 و1920، «لم تعرف أيت عطا، وهي قبيلة كبرى تنقسم مناطقها حاليا إلى ثلاثة أقاليم مغربية، أزيلال وورزازات والراشيدية (قصر السوق سابقا)، توحيدا لصفوفها أثناء المقاومة، بل كانت منقسمة منذ بدايتها. غير أن عسو أوباسلام ورجاله من أهل القبيلة، تابعوا المقاومة لمدة أربع عشرة سنة وهي مقاومة عرفت نهايتها إبان المعركة البطولية بوكَافر في ساحة تعج فيها الصخور البرية على علو 1600 متر في جبل صاغرو الشرقي. ودامت انطلاقا من أواخر أبريل إلى حدود أواسط شهر مارس من عام 1933».
وأنجبت منطقة دمنات وتحديدا أيت ماجدن، محمد البصري، الملقب بالفقيه البصري. كان ميلاد هذا المناضل الشرس في سنة 1925، بمنطقة جبلية وقدر له أن يظل شامخا إلى أن لقي ربه في منطقة جبلية أيضا وهي شفشاون في 14 أكتوبر 2003.
بدأت رحلة هذا المقاوم والسياسي الأمازيغي من الدوار، وحين التحق بمراكش صقل موهبته الثورية بتأسيس المنظمة السرية ليتحول في ظرف وجيز إلى أحد قادة جيش التحرير، الذي قاوم الحماية الفرنسية، وبعد الاستقلال شارك في تأسيس حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية إثر انشقاقه عن حزب الاستقلال عام 1959، وتولى إدارة صحيفة «التحرير» الناطقة بلسان الحزب الجديد. عارض بشكل راديكالي نظام الحسن الثاني، اعتقل إثرها وعذب وحكم عليه بالإعدام غيابيا ثلاث مرات. عاد إلى المغرب سنة 1996 بعد حوالي 30 عاما في المنفى.
عاش محمد البصري طفولته بقرية أدوز التي تشكل نقطة وصل بين سلسلة جبال الأطلس قرب مدينة دمنات شرق مراكش. وبعد دراسته في كتاب قرآني، التحق سنة 1944 بمعهد ابن يوسف في مراكش، حيث بدأ نشاطه ضد الاحتلال الفرنسي. يحكي في مذكراته كيف رأى مشهد معمر فرنسي وهو يجلد مواطنا مغربيا أمام الملأ دون أن يردعه أحد، وكيف كان الاستعمار يسطو على الممتلكات ويقوم نهبها بالابتزاز، وجشع باشا مراكش التهامي الكلاوي مع الفلاحين، فنبتت في وجدانه بذرة التمرد.

رجال سلطة حكموا خارج أزيلال
يتقاسم التهامي عمار، وزير الفلاحة السابق، تربة دمنات والانتماء لليسار مع الفقيه البصري، بالرغم من الاختلاف القائم بين الرجلين على المستوى الإيديولوجي، فقد فضل التهامي البقاء دوما بعيدا عن الأضواء، رغم كفاءته المهنية والأكاديمية، وحين ووري الثرى في مقبرة الشهداء بالرباط حضر جنازته عدد كبير من الاتحاديين، حيث سبق وعين وزيرا للفلاحة في حكومة عبد الله إبراهيم، إلى جانب كل من عبد الرحيم بوعبيد، وزير الاقتصاد والمالية، وإدريس المحمدي، وزير الداخلية. وكانت وزارة الفلاحة دوما من الوزارات الاستراتيجية في الحكومات المغربية، لدورها الحاسم في دورة الاقتصاد المغربي. وكان، رحمه الله، من أوائل من ابتدعوا عمليات التعاون الفلاحي عبر «التويزة» التي هي شكل من أشكال تنظيم التعاون والتآزر بين مختلف الفلاحين المغاربة، والتي أشرف على انطلاقتها شخصيا الملك الوطني محمد الخامس. وبقي الرجل وفيا لمبادئه، مناضلا صموتا ووطنيا صادقا إلى أن لقي ربه.
ظل قطاع الفلاحة حكرا على وزراء من أزيلال، على غرار عثمان الدمناتي، وزير الفلاحة والإصلاح الزراعي، الذي ظل يمنح كل جهده للإصلاح ويؤمن بأن الله كفيل بالفلاحة، إلى جانب رفيقه وابن منطقة ابن ماجدن، أمين لحسن الدمناتي، وزير التشغيل والشؤون الاجتماعية في عهد الحسن الثاني. وشغل أيضا منصب والي جهة كلميم لفترة قصيرة، لم تتجاوز ثمانية أشهر.
ينتمي عبد الكريم بن عتيق إلى فم الجمعة، وهو أمين عام سابق للحزب العمالي عضو الاتحاد الاشتراكي سابقا، كان أمينا عاما للنقابة المغربية للبنوك المنضوية تحت لواء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، حيث ارتفعت أسهم بن عتيق فعينه العاهل المغربي الملك محمد السادس كاتبا للدولة لدى وزير الاقتصاد الاجتماعي والمقاولات الصغرى والمتوسطة والصناعة التقليدية. وبن عتيق هو واسطة العقد في عائلة تتكون من 11 ابنا وابنة، ولد في الرباط عام 1959، وتعود أصوله إلى بلدة بزو الجبلية.
ومازال اسم محمد التوكاني حاضرا في واويزيغت، خاصة وأن كاتب الدولة السابق في الشؤون الإدارية ظل يتردد على مسقط الرأس خلافا لكثير من أبناء المنطقة، بل إن زوجته الإدريسي إيطو ظلت متمسكة بعرى أزيلال رغم استقرارها في الرباط قبل رحيلها إلى دار البقاء. وفي المنطقة نفسها نشأ العامل حسن فاتح الذي ازداد سنة 1966 بواويزغت قبل أن يشد الرحال إلى الرباط، حيث حصل على دبلوم في العلوم الإدارية، وعلى الإجازة في العلوم السياسية، حيث كانت بداية مساره المهني سنة 1990 أستاذا باحثا بكل من كلية الحقوق والمدرسة الوطنية للإدارة بالرباط، كما شغل سنة 2000 منصب مدير ديوان الوزير المنتدب لدى وزارة الداخلية، وبتاريخ 26 نونبر 2010 تم تعيينه عاملا على إقليم الخميسات، ومن تم عاملا مديرا للممتلكات بالإدارة المركزية، على غرار رفيق دربه في السلطة الترابية نور الدين المعطي، العامل الذي ترك بصماته الراسخة في إقليم ورزازات.

بهيجة الجبلية.. تمردت على التقاليد
لا يقتصر خريجو جبال أزيلال على الذكور، فقد تمردت بهيجة سيمو على أعراف وتقاليد آيت عتاب، وقررت ركوب صهوة العلم، إلى أن بلغت أعلى درجات المجد العلمي. هذه المؤرخة المغربية رأت النور في إحدى قرى الأطلس المتوسط، لتبدأ طريق العلم والتحصيل بمثابرة وعصامية، أوصلتها إلى أن تكون محط ثقة الملك محمد السادس، الذي عينها في منصب كبير داخل القصر الملكي، من خلال تبوئها لمنصب مديرة مديرية الوثائق الملكية، خلفا للمؤرخ السابق للمملكة.
انطلقت بهيجة من بلدة آيت أعتاب بإقليم أزيلال، لتواصل دراستها في مدينة فاس، قبل أن تنتقل إلى «بلاد الأنوار» لنيل شهاداتها الجامعية العليا بجامعة «السوربون» الشهيرة، ولتبصم بذلك على شخصية باحثة ومؤرخة متألقة، جعلتها تتصدر باستحقاق منصب مديرة الوثائق الملكية منذ سنة 2008، وهو ما جعلها تحظى بوسام العرش من درجة ضابط تقديرا لجهودها الكبيرة في مجال عملها.
ومن الوجوه التي اختارت العلوم الاقتصادية، الحسين التيجاني، المدير السابق للمكتب الوطني للكهرباء، وهو قريب محمد التوكاني، والذي تخصص في الطاقات النظيفة وكانت له دراسات معمقة في هذا المجال.
وارتبط اسم خلا السعيدي بأزيلال، وهو من جماعة تافرت أيت حمزة، شغل منصب مدير أكاديمية التربية والتكوين ببني ملال، ومندوبا سابقا للدار البيضاء، كما اشتغل طويلا باحثا في اللسانيات، ودخل السياسة وانتخب رئيسا لمجلس جهة تادلة- أزيلال، كما عين نائبا لرئيس أولمبيك خريبكة وعضوا بالمكتب الجامعي لسنوات.

الملاح الذي أنجب دافيد عمار
في مدينة دمنات العريقة توجد بعض الآثار التاريخية للفتح الإسلامي الأول، لكن المدينة ظلت محطة لليهود المغاربة بل إحدى المدن المفضلة لديهم، قبل هجرتهم إلى فلسطين، حيث كانت نسبتهم بالمدينة 12 بالمائة من مجموع عدد السكان، حسب المراجع الفرنسية. ويسجل التاريخ أن دافيد عمار، رئيس الرابطة اليهودية المغربية سابقا، كان واحدا من الأسماء التي استنشقت هواء دمنات، وجاءت كثير من الكتب التي ترصد مسار اليهود المغاربة لتتحدث عن ملاح دمنات الذي تعايش فيه المسلمون والمغاربة دون أدنى اصطدام، لذا لا يتردد اليهود المغاربة في زيارة أحد أوليائهم الصالحين بالمنطقة.

من أزيلال إلى أعلى درجات الاحتراف
قبل سنوات كان أحمد النتيفي رئيسا أبديا للوفد المغربي في مختلف النزالات العربية والقارية والعالمية، يمارس اختصاصات رئيس الجامعة ولا يتردد في حل العديد من الأمور المستعصية. كان داهية بالمفهوم الرياضي للكلمة، والكل يذكر كيف تمكن من تحويل مجرى القرعة لفائدة المنتخب المغربي والتي بفضلها تجاوزنا عقبة تونس. أحمد النتيفي ينتمي لمنطقة انتيفة التابعة ترابيا لأزيلال، وكان رئيسا للراسينغ البيضاوي ولعصبة الشاوية لكرة القدم، وكاتبا عاما للجامعة الملكية المغربية وناخبا وطنيا، ومازال الراك يخلد ذكراه بدوري سنوي.
ومن الوجوه الرياضية التي أنجبتها تربة أزيلال، مولاي أحمد الهلالي، وهو من أيت بوولي، إذ كان لاعبا سابقا برجاء بني ملال واتحاد أزيلال، واختار العمل الدبلوماسي وعين قنصلا بعدد من التمثيليات الدبلوماسية. كما أن اللاعب الدولي السابق حسن فاضل سليل عائلة من آيت عتاب قبل أن يحترف في الليغا رفقة مايوركا، إضافة إلى مراد جبران لاعب المنتخب المغربي في التسعينات وهو أيضا من منطقة آيت عتاب، وادريس واديش، واسمه الحقيقي أوعديش، لاعب الجيش الملكي العتابي الأصول، إضافة لعبد السلام بغيتي اللاعب السابق لأولمبيك خريبكة والمرحوم عبد العزيز أوعلي الحارس السابق لشباب خنيفرة واتحاد الشرطة واتحاد أزيلال، والعداء الوطني حسن شيبان ابن منطقة تاموليلت والعداء بوبكر العفوي من دمنات، الذي فاز بماراطون الدار البيضاء، ثم الحكم المساعد بوعزة يكن..

إعلاميون تخرجوا من أزيلال
أنجبت منطقة أزيلال العديد من الوجوه الإعلامية الرياضية، أبرزها محمد أبو سهل، رئيس القسم الرياضي بإذاعة إم إف إم، وهو ابن مدينة بزو، إضافة إلى محمد عارف الحاصل على الجائزة الوطنية للصحافة المكتوبة سنة 2014 وهو من زاوية تنغملت، وكذا إيمان تداوت عن «كومكسيون مديا» ابنة اكودي الخير، ومحمد الفضلاوي عن القناة الأمازيغية ابن واويزغت، وعبد المجيد بلكابوس عن قناة “الرياضية” ومحمد حافظي معد برنامج “45 دقيقة” وبدر بن علاش ابن بزو رئيس قسم بجريدة “العلم”، ومحمد أوحمي وإيدر عنوش وعلي المرابط بالقناة الأولى ولكبيرة تعبان وعبد اللطيف تكرشي وعماد النتيفي وثريا الفارسي، ابنة وادي العبيد ورئيسة قسم الأمازيغية بالقناة الثانية، ثم ياسين بن عدي سليل منطقة بني عياط…

فنانون من أعلى الجبال
من الوجوه الفنية التي يفتخر بها أبناء أزيلال، خاصة شباب المنطقة، عصام كمال، الفنان المغربي المتكامل الذي لا يتوقف دوره عند الغناء بل يمتد إلى كتابة الكلمات والتلحين، فضلا عن العزف على العديد من الآلات. ولد الفنان عصام كمال يوم 27 فبراير 1983 بمدينة أزيلال، لكن ظروف عمل والده حتمت عليه الانتقال إلى مدينة الجديدة التي بدأ منها علاقته الحقيقية بالنغم.
إلى جانب عصام، تفتخر المنطقة بانتماء الحاج ابراهيم رئيس مجموعة أيت بوكماز للفن الأمازيغي، والعازف الشهير ابراهيم أوزلماض المتنحدر من منطقة واوزيغت، لذا كانت أغانيه تعكس الحياة القاسية في الجبل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى