شوف تشوف

الرأي

أشباح بمكاتب مكيفة

في وزارة التربية الوطنية، وتحديدا في مقرها المركزي، وعلى بعد أمتار قليلة من مكتب الوزيرين، توجد مديرية يقال إنها مكلفة بالأمن الإنساني. طبعا لا أحد من موظفي وأطر المصالح الخارجية في الأكاديميات والنيابات سمع بها، لأنها مجرد «هيكل» لا محرك فيه، إذ لا وجود لها في التنظيم الرسمي للوزارة، فلاهي بقسم تم تضخيمه كما حصل في حالة المديرية المكلفة بالاتصال، ولا هي بمديرية لها امتدادات إدارية وموظفين، بل مجرد مكتب مكتوب على بابه «المدير المكلف بالأمن الإنساني»، بكاتبة واحدة، و«مدير مركزي» يتمتع بكامل امتيازات هذه المهمة (تعويضات هائلة، سفر مؤدى عنه، وسيارة الخدمة، وهاتف ومسكن إداري..). إنه مكتب يتيم يلج إليه مفتش «يساري» عرف جيدا كيف ينقل البندقية من كتف إلى كتف، وبعد أن اشتغل لسنوات إلى جانب كل وزراء اليسار الذين مروا من مقر باب الرواح منذ حكومة التناوب، وفشل في كل المهام التي أوكلت إليه، ومنها مهمة التواصل التي تم تكليفه بها في عهد الحبيب المالكي، ورثته لطيفة العبيدة واخشيشن، لذلك ظل يتراوح بين مكتبيهما، إلى أن كلفه الوزير «الباموي» الشهير بمهمة مدير مكلف بالأمن الإنساني، بناء على ورقة قدمها له فيها الكثير من «المفرقعات» اللغوية الغليظة، وذلك بعد أن همت العبيدة بطرده بسبب حصولها على وثيقة، لا داعي لذكر فحواها الآن..
ولأن اللحظة التي كان فيها اخشيشن وزيرا، تميزت باستقطابه لعدد كبير من قدماء اليسار لحركته السياسية الجديدة، فإنه من الطبيعي أن ينعم هؤلاء الملتحقون بـ«الديمقراطيين» بميزات، بعضهم مايزال يستفيد منها إلى اليوم. وعلى رأس هذه الامتيازات طبعا، أن يكون المرء يساريا يفتخر بماضيه «النضالي المجيد» وفي الوقت نفسه مجرد شبح بسيارة «إم روج».. لكون علاقاته مع «أصحاب الوقت» جعلت منه شخصا فوق كل محاسبة أو مساءلة. وبالعودة إلى هذا المدير المركزي الذي لا تنام عيناه من شدة خوفه على أمننا الإنساني، فعندما قدم الوزير المثير للجدل محمد الوفا، حاول أن يلعب معه لعبته الأثيرة التي توفق فيها مع أربعة وزراء سابقين، لكن الوزير نهره بلغة مراكشية، من قبيل «ماباغيش نعاود نشوفك هنا»، ليختفي صاحبنا، لكن لم تختفي «مديريته العتيدة». وبمجرد مغادرة الوفا عاود الظهور مرة أخرى، وهاهو كل صباح على موعد ثابت مع أحد الأعوان، يلقيان النكات في انتظار وصول الساعة العاشرة واستقرار الوزيرين في مكتبيهما ليغادر على متن سيارة الخدمة آمنا مطمئنا.
الكارثة، أن هذا الشخص ليس استثناء، بل هناك حوالي اثنتي عشرة مديرية أخرى لا توجد في الهيكلة الرسمية للوزارة، يحتل مكاتبها أشباح حقيقيون قدموا للوزارة على متن علاقاتهم الشخصية أو العائلية أو الحزبية، من قبيل مديرية سابقة كانت مكلفة بالشؤون العامة، لكن بمجرد حصول صاحبها على التقاعد، اختفت، ببساطة لأن الأمر يتعلق بوزارة محكومة بنظام الغاب، حيث إن «الحق يحدد بما يقع تحت اليد»، لا بما تسمح به القوانين. ومع كل هذا نجد الوزير بلمختار، منذ تعيينه، وهو يرتدي نظارات تسمح له فقط برؤية المعلمين والأساتذة الذين يتحملون، في نظره، مسؤولية الكوارث التي تعيشها المدرسة المغربية، لكن دون حتى أن ينتبه إلى محيطه القريب.. إلى «مسامير الميدة» الذين اكتسبوا قدرة هائلة على المقاومة أكثر من قدرة الدناصير في الأزمنة الأولى للخليقة. أشباح حقيقيون كانت مساهمتهم بارزة في مختلف الخيبات التي عاشتها المنظومة، ومع ذلك يملكون «قصوحية الوجه» للحديث عن «أهمية التعبئة من أجل الإصلاح».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى