إلى عطاك العاطي
حسن البصري
عندما زار وباء «كورونا» بلادنا في شهر مارس الماضي وعطلت الحياة كل القطاعات، منحت الأندية المغربية عطلة مفتوحة للاعبين وأحكمت إغلاق ملاعبها وأوصتهم بالتدريب في بيوتهم وفوق السطوح لمن استطاع إليها سبيلا.
أعطيت تعليمات لحراس الملاعب بإحكام إغلاق أبوابها بالشمع الأحمر، ووضعت في مداخلها علامة ممنوع المرور، فيما رابطت وحدات أمنية في كل الطرق المؤدية إلى هذه المرافق حتى لا تدور الكرة حول نفسها في عز الجائحة.
لكن نجم المنتخب المغربي للاعبين المحليين وهداف الرجاء سفيان رحيمي ابن حارس الملعب والمكلف بالأمتعة، استفاد من الحجر الصحي ومن امتياز «رب ضارة نافعة»، وظل يمارس تداريبه في الملعب الرحب ويرفع منسوب لياقته البدنية.
ما أجمل أن تكون ابن حارس ملعب أو مدرسة، ستركض في الفضاء الرياضي خلال العطل وستداعب الكرة وتسجل الأهداف وتفرح لوحدك وتستحم في مستودع الملابس، وتركب صهوة الحلم خارج الأسوار حتى ولو كنت تطارد خيط دخان.
قصة محمد رحيمي والد نجم المنتخب تستحق أن نتوقف عندها، فقد كان في شبابه حارس مرمى يحاكي ياشين ويمني النفس بحراسة مرمى الرجاء، وحين كان يمسك بتلابيب حلمه تعرض لحادثة سير غيرت مجرى حياته، لكن «يوعري» وهذا هو لقبه تحول إلى مكلف بالأمتعة ونال نصيبه من الشهرة إلى أن أصبح صديق المعطي بوعبيد وعبد اللطيف السملالي وصانع قفشات الشياطين الخضر.
لكن السملالي سيجد نفسه مجبرا على تطبيق قانون إفراغ سكن وظيفي يشغله المكلف بالأمتعة، وستنهال على «يوعري» إشعارات الإفراغ من المستوى البرتقالي والأحمر. انسحبت الابتسامة من تقاسيم وجهه وتأبط ملفه قاصدا عبد العزيز العفورة عامل الحي الحسني عين الشق الذي أقنع الوزير بالتراجع عن الإفراغ وصعوبة تنفيذ قرار إجلاء ذاكرة الرجاء من بيت في ركن ملعب الوازيس.
لا أحد من عشاق جمع «السيلفيات» مع نجوم النادي يهتم بالمكلف بأمتعة الفريق، لكن الرجل يعرف خطورة مهمته التي لا تنحصر في شحن الكرات بالهواء وإعداد القمصان للمباريات، لذا كان يوعري يعتمد على فلذات كبده في عمله فزرع فيهم حب المهنة وأصبحوا يتنفسون رائحة العتاد الرياضي ويتعايشون معه، قبل أن يذكر ابنه بالقول المأثور «حرفة بوك ليغلبوك».
فجأة برز الفتى سفيان وتحول من جامع للكرات إلى نجم للكرة المغربية تنهال عليه عروض الفرق بالملايير ويطرق بابه الوكلاء ويركض وراءه الرؤساء بعد أن كان يقضي يومه في تعقب تسديدات خارج السياق. سطع نجم «ولد يوعري» وأصبحت صورته تحتل غلاف كبريات المجلات الرياضية، فالفتى الذي ولد في ملعب لا يمكن أن يصنع مجده خارج المستطيل الأخضر، وعلى خطاه يسير الابن الأصغر الحسين.
لكن ليست كل الصور بالألوان، وليس أبناء حراس الملاعب والقائمين على أمتعة الفرق بالضرورة مشاريع نجوم، هناك استثناءات قليلة أبرزها قصة حارس المنتخب الوطني سابقا صلاح الدين احميد الذي ولد في ملعب سيدي قاسم حين كان والده حارسا قبل أن يختار أبناؤه صلاح وكمال حراسة المرمى تاركين لوالدهما مهمة حراسة البوابة الرئيسية. يخشى هؤلاء من غارات الرؤساء الذين تنتابهم نزوة التسلط فيصدرون تعليماتهم بأن يتم التنكيل بالحراس برفق ومهنية.
كثير من أبناء المكلفين بالأمتعة تحولوا إلى جزء من متاع قديم، خاصمهم القدر وانتصبت في طريقهم المتاريس وخرج الحلم من الباب الخلفي للملعب، اسألوا الشاكي الذي أفنى حياته في حراسة ملعب الوداد، وبيلموندو الذي كان مسؤولا عن أمتعة الفريق قبل أن ينتهي به المطاف في تشكيلة المتقاعدين بمعاش لا يزيد عن ثمان مائة درهم شهريا، فيما يعاني ابنه ياسين حارس الوداد السابق من ضيق ذات اليد فيضطر لمغادرة المرمى والتخلص من القفازات والبحث عن لقمة عيش في المرسى، ولسان حاله يردد أغنية سلوا قلبي لأم كلثوم.
سلوا قلبي وقولوا لي الجوابا.. لماذا حالنا أضحى هبابا.