الرأي

الرؤساء يتبعهم الغاوون

شرع عدد من رؤساء الفرق الرياضية في عملية الإحماء استعدادا لخوض مباراة الاستحقاقات الانتخابية التشريعية للسابع من أكتوبر القادم، ولسان حالهم يقول: يا ليت الانتخابات تتم وفق نظام المنخرطين، الذين استبدلوا الصندوق بالتصفيق وأسسوا لديمقراطية الولاء الانتخابي الذي تحول مع مرور الوقت إلى بلاء انتخابي.
كلما اقترب هذا الموعد الحاسم، فوض رؤساء الفرق أمر الكرة للثقاة الذين لا خوف عليهم ولا هم يفرحون، فالسياسة تتطلب تفرغا وتحضيرا وتكتيكا ومعسكرا مغلقا، تحت إشراف من سبقهم إلى خوض التصفيات المؤهلة إلى قبة البرلمان. لذا يغير كثير من الرؤساء جلدهم وعاداتهم القديمة، ويتخلصون من الصرامة الزائدة وينتزعون من جوفهم رصيد القساوة ليصبحوا كائنات حلوة المذاق.
إذا نظرت اليوم إلى سحنة رئيس فريق كرة مقبل مدبر على خوض مباراة السابع من أكتوبر، ستشعر بأنه بمثابة الأخ الذي لم تلده أمك، فهو مهموم بمشاغلك راغب في مساعدتك ولو بوعود مؤخرة الدفع، مشغول بقضايا الوطن مسكون بجمع الأصوات القوية والمبحوحة، حتى ولو كلفه الأمر اللجوء إلى ضربات الجزاء.
لكن هناك خطأ شائع يسكن أذهان وجيوب الرؤساء المرشحين، فهم يعتقدون أن القاعدة الجماهيرية لفرقهم، أشبه بفيلق مجند لخدمة الرئيس، وأن شعراء الملاعب الذين لطالما نظموا قوافي المدح، سيعلنون ولاءهم للزعيم ويرددون في حضرته أبياتا من قصائد الشعر الاقتصادي. كذب منجمو الانتخابات ولو صدقوا، لأن التاريخ يحيلنا على وقائع ملموسة لرياضيين صدقوا «مانشيطات» الصحف، والدعوات المفتوحة المسلمة لهم من محطات تلفزية وإذاعية، وفي يوم الامتحان اكتشفوا زيف «استطماعات» الرأي، وأهدروا فرصة التأهيل للبرلمان ببشاعة، على حد قول زملائنا المعلقين.
قيل يوما لعبد الله غلام حين كان رئيسا للرجاء البيضاوي: أمامك فرصة لتصبح برلمانيا في خمسة أيام بدون مرجعية سياسية، فأنت رئيس لفريق يجر وراءه قاعدة جماهيرية، فاختر دائرة درب السلطان ونم على وسادة الأمان. ظل الأطفال يسيرون خلف عبد الله وهم يهتفون باسم الرجاء، وانخرط بعض اللاعبين السابقين في الحملة الخضراء، وحين ظهرت النتائج انهزم غلام أداء ونتيجة، وقبل أن يغادر مكتب التصويت مهموما، نصحه حواريوه بتقديم اعتراض، فأقسم على القطع مع السياسة، وعاد إلى مكتبه يداعب الأرقام.
اعتقد العداء المغربي سعيد عويطة أن الركض نحو البرلمان، أسهل من الظفر بلقب سباق في الحلبة الرياضية، حمل قميص الاتحاد الاشتراكي وشرع في حملة بإيقاع بطيء، معتقدا أن منافسيه السياسيين في دائرة المشور بالدار البيضاء مجرد أرانب سباق، وحين حاول رفع الإيقاع اكتشف أن منافسه الدستوري عبد الرحمن أمالو بلغ خط الوصول، ولم ينفع الطعن الذي تقدم به الاتحاد الاشتراكي في إضفاء صفة برلماني على عويطة، فقد علل قرار المجلس الدستوري رفض عريضة الطعن لأنها لم تتضمن صفته وعنوانه، منذ ذلك الحين اكتشف الرجل أنه نكرة سياسيا، فاعتزل السياسة بعد توقف اضطراري بها.
وبالحصة نفسها انهزم بادو الزاكي في الانتخابات التشريعية بقميص حزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية، في عقر داره بدائرة سلا وأمام أنصاره. لقد كان مدرب المنتخب يعتقد أن الجمهور الذي هتف باسمه في المدرجات، سيجسد هذا الحب بالتهافت على مكاتب الاقتراع، قبل أن يشعره مندوبوه بأن المكاتب تعيش حالة «وي كلو».
ومن كأس الهزيمة نفسها شرب محمد الكرتيلي وهو يحكم جامعة الكرة بالعصا والجزرة، ومحمد حسبان، الرئيس الحالي للرجاء البيضاوي، رغم اعتماده على جهابذة «الفيراج»، وصدق نصر الدين الدوبلالي، الرئيس السابق للوداد، توقعات أبناء المدينة القديمة، لكن تبين له، في نهاية المطاف، أنه سكة قديمة، ومني آخرون بهزائم متفاوتة من حيث الحصص، في المنافسات الجماعية والتشريعية، وتحولوا إلى منشطين لبطولة لا تحسمها بالضرورة الوجاهة الرياضية ولا نتائج الفريق ولا قاعدته الجماهيرية. لقد أساء كثير منهم فهم اللعبة السياسية حين اعتقدوا أن الجائع لا يساوي شيئا إلا إذا كان صوتا انتخابيا والعاري لا يهم إلا إذا كان امرأة.
لا تثق في العريس عند الخطبة والمرشح عند الحملة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى