الرأي

انتخابات جماعية مصيرية..عود على بدء

في كل حملة انتخابية ينبعث نفس الرجال ونفس النساء الذين خرجوا في الحملات الانتخابية السابقة،يدقون على الأبواب ويقدمون أنفسهم من جديد لأناس يعرفونهم حق المعرفة،يطلبون أصواتهم ويعدونهم بتحقيق كل شيء،إلا أن يكون هذا الشيء فيه سعادة حقيقية لهم ولأبنائهم.
المواطنون والمواطنات ملوا هذه الوجوه المقيتة التي تحتل كل مرة قائمة الفائزين وكأنما أصحابها ولدوا من أجل أن يكونوا نوابا ومستشارين جماعيين ، وكأنهم خلقوا للمسؤولية والقيادة والتدبير والتسيير وغيرهم مجرد قطيع يسمع ويطيع. هم هم… لا يتغيرون ولا يغيرون ولا يغادرون أماكنهم ولا يخطئون مواعدهم ، إنهم حين يقومون بتغيير،يقلبون رقعة الشطرنج ويحولون وجهة اللعب حيث يوجدون.
فإلى متى ستدور سلسلة هذه الرحى وهي تطحن السنين والأيام وتعيد نفس الكلام وتزكي نفس الأسماء وتمارس نفس العادات السيئة وتنتشر ثم تنكمش تم تعيد الانتشار من خلال نتائج التصويت وفرز الفائزين في سباق المسافات الطويلة والمتبارين على تدبير الشأن العام ؟. ستون سنة من الخداع لم تكفي لتدق في أسماعنا ناقوس الخطر، ستون سنة من اللعب بالبيضة والحجر، تبادل مستمر لنفس الأسماء ولنفس الأدوار المركزية في مربع السلطة وفي المجالس المنتخبة وفي البرلمان وفي الحكومة وفي الأجهزة المؤسساتية التابعة لها.نفس اللاعبين القدماء / الجدد، نفس المتناوبين على نفس الأدوار، تارة في المجالس الجماعية كأغلبية وتارة فيها كمعارضة، وهكذا دواليك ثم تقلب الأدوار من جديد.
الجماعة صارت مدرسة كبيرة تفتح أبوابها كل مرة خمس سنوات لتتخرج منها أفواج من الواصلين والأثرياء الجدد والمتكسبين بالسياسة والنكبات الاجتماعية والطبيعية وزعماء النعرات القبلية ، ينبغ منهم عدد من التلاميذ النجباء في فصول الفساد السياسي والمالي والتسيب، ليبقى البلد بين المطرقة والسندان ينتظر أن تعفو ماكينة الوقت وينهي العازفون على وثر الكذب مسرحيتهم المبتذلة. أكاذيبهم تنكشف بفعل عامل الزمن أو عامل الطبيعة، هذا الأخير عرى المستور في فيضانات شهر أكتوبر ونونبر 2014 في كل مكان في المغرب .كل الأكاذيب الكبيرة التي تنسجها الجماعة حول التنمية والتعمير والخدمات وفك العزلة عن العالم القروي تم اكتشافها على حين غرة.. والغريب في الأمر أن الأخطاء الجسيمة والفساد الذي نتج عن ذلك بقي حتى الآن رهين تقارير الحكومة ودون جواب..؟
ماذا حقق المغرب بهؤلاء قياديين سياسيين ومسؤولين في المؤسسات الدستورية منذ أن ظهر بالبلاد جهاز اسمه الجماعات المحلية ؟ فما تحقق فعليا كان سيتحقق أفضل منه بإسناد الدور التنموي المحلي لوزارة الداخلية فقط فبدون جماعات وبدون جماعيين ممن ضربوا المثل الأعلى في الفساد والملفات الجنائية المعروضة أمام المحاكم، تمكنت وزارة الداخلية في سنوات الستينات والسبعينات من إنجاز مشاريع هائلة في التنمية القروية ففي الشمال كان مشروع “الديرو”الشهير وفي وسط المغرب تولت وزارة الداخلية والفلاحة معا تأهيل المناطق الشبه النائية وفي الجنوب قامت الوزارة بنفس الدور وكانت نتائجه أفيد في مرحلة كان المغرب لا يتوفر فيها على إمكانيات ووسائل وميزانيات جد ضعيفة ومتواضعة. ولم نكن نسمع عن مسؤول حكومي في مشاريع الدولة الإنمائية يمد يده على المال العام أو يستولي على عقار أو أرض أو ريع اقتصادي لأنه رئيس مجلس منتخب ديمقراطيا ؟ حاليا الحملة الانتخابية قائمة والعشرات من المستشارين والرؤساء الجماعيين يحالون من قبل وزير العدل على القضاء بسبب الفساد وسرقة المال العام ؟ مما يجيز مشروعية المطالبة بوضع التجربة الجماعية ككل محل تساؤل والمطالبة بالبحث عن بديل يحمي المشروع الديمقراطي ويحافظ على المصالح العليا للبلاد ويصون المال العام وممتلكات الشعب ويبني نموذج مثالي للتنمية.
إن جميع الأمم في العالم تقيم نفسها وتجاربها الدستورية والمؤسساتية ونظم الحكامة وتضع أسس وبدائل جديدة ؟ أليس من حقنا أن نقيم تجربتنا فيما يتعلق بنموذج الحكامة المحلية الذي اختارته السلطة السياسية في الثمانينات وراهنت عليه لتسيير وتدبير الشأن العام في التسعينات ووضعته نموذجا للتناوب على الحكم في مطلع القرن الحالي؟ فما هي نتائج هذه التجربة وحصيلتها التدبيرية إذن ؟ وما هي آثارها الخطيرة على برنامج التنمية المحلية ؟ وما هو دورها في تحسين مستوى الأداء الإداري والخدماتي؟ وما هي قدراتها في الانتقال بالمجال الجغرافي والبشري من التخلف والفقر إلى النمو والتطور؟
علينا أن نحصي كم مرة فشلنا في هذه التجربة التي تسمى التدبير الجماعي؟ كم مرة وضعنا ثقتنا في شلة من المراوغين والخطبة والسياسيين المزورين الذين يأتون في المناسبة ذاتها ليمطروا البلاد عرضها وطولها بوابل من الكلام المستهلك والوعود الكاذبة ؟ كم هو قاس أن نعرف أن التراجع والتخلف الذي تعيشه كثير من الجهات في المغرب سببه التدبير السيئ والتبذير الجيد الذي اتخذ منه بعض المسؤولين الجماعيين آلية معتمدة لتدبير الشأن المحلي ؟ لقد صار الفساد والتطاول على المال العام والاستيلاء على الملك العمومي والارتشاء من العلامات التي صارت طابع الجماعة أمام المحاكم ؟
إن البنية الحالية للجماعة بنية سياسية ذات عقلية انتفاعية مدمرة ،والأكيد أن مكوناتها السوسيو ثقافية والسياسية والاقتصادية هي التي ستشكل مستقبل الجهة، فكيف وفي أفق ترسيم الجهوية الموسعة التي تعتبر منهجا راقيا ومتطورا للحكامة المحلية أن نواجه مستقبل الجهة التي اختار المغرب أن تكون جسرا للعبور إلى الديمقراطية الجهوية والتنمية وخلق التوازن الاقتصادي والحضاري بين أقاليمه مدنه وحواضره.
إنه لا يمكن تحقيق الطفرة التنموية بواسطة آليات بشرية مهترئة وعقليات بائدة تهيمن على الجماعة منذ نصف قرن بنفس الأسلوب ؟ كيف إذن نحقق النموذج التنموي المحلي المتطور والمتوازن بهذه الآليات وبمقدرات فكرية وثقافية لأشخاص أغلبهم أنصاف متعلمين ويسهل السيطرة عليهم من قبل لوبيات الفساد المنتشرة في الجسم الجماعي ؟ إن تكريس النمط السائر في هذا المجال، يؤكد تكرار النموذج الفاشل لتدبير الشأن العام المحلي وعليه سترتب نتائج الجهة مستقبلا، لقد أكد مرارا جلالة الملك في خطبه السامية، أن نظام الجهة هو وسيلة فعالة لتوزيع الثروة الوطنية بين المكونات الجغرافية والبشرية للملكة قبل أن يكون نظاما للحكامة الذاتية ؟
فالأكيد أن عودة الأسماء التي تواترت على تدبير المجالس الجماعية؛ هو سرقة موصوفة للرصيد المعنوي لبلادنا وتزييف وتزوير بصيغ مقبولة، فالبلاد تمتلك طاقات فكرية ونخب مثقفة ذات تكوين نوعي، ومع ذلك لا تجد هذه الأخيرة فرصتها في التناوب على التدبير الجماعي. وبقدر ما يرجع الغلط في ذلك للشعب الذي هو المسؤول الأول والأخير عن التصويت، بقدر ما تعتبر المؤسسات الرسمية شريكا في تحقير ذكاء المواطن المغربي وإرادته،بتكريس نفس النهج ومباركته، فمؤشرات الزيف تبرز جلية في الخطاب الانتخابي ووعود المنتخبين التقليديين،سرعان ما تتبخر وتضمحل إلى جانب مصالحهم الذاتية والحكومة بأجهزتها التشريعية والقضائية والتنفيذية لا تحرك ساكنا.
إن انتخابات 2015 الجماعية فرصة لن تعوض، بوصفها استحقاق مصيري وحاسم يحدد مصير المغرب مستقبلا في إطار نظام الجهة وفي سياقات دستور 2011، كان من أولويات الحكومة أن تضع مخططا متكاملا لتطهير المؤسسات المنتخبة المحلية من الفاسدين ووضع قانون تنظيمي صارم للجماعة وإبراز نخبة ثقافية عالمة ومتنورة قادرة على تفعيل المشروع المجتمعي الديمقراطي لتحقيق طفرة إنمائية حقيقية قي مغرب الجهة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى