شوف تشوف

الرأي

بين حقوق الإنسان والأوطان

المشكل في قرار السلطات السويسرية ضم جبهة بوليساريو الانفصالية إلى اتفاق جنيف، أنها منحت الجزائر صوتا إضافيا. وبدل أن يكون لها مقعد واحد وصوت واحد، صارت «تحتكر» مقعدين وصوتين في قضية واحدة، يفترض أنها حسمت قانونيا وموضوعيا، عبر آليات الأمم المتحدة التي رفضت الخلط بين ما هو سياسي وما هو حقوقي في هذا الملف الشائك ذي المنحى الجيوسياسي.
الأخطر في الموضوع ليس طبيعته الإجرائية التي تحوم حولها شبهات، ولكنه الإمعان في منح تيار انفصالي وحركة مسلحة صفة لا تتوفر عليها في اتفاق يرتقي إلى حماية وصون حقوق الإنسان. وبديهي أن هذه الحقوق التي تسمو بها القوانين والمبادئ والأوفاق الدولية، لا يمكنها أن تُسخر ضد حقوق الأوطان، أي احترام سيادة ووحدة الدول. لأنه في هذه الحالة ستتم شرعنة الهواجس الانفصالية التي تعاني منها دول ومناطق في شتى أرجاء العالم.
نحن إذن أمام انتهاك مزدوج لاتفاق جنيف، يبدأ بخرق مبدأ المساواة بين الدول، حين يصبح للجزائر، باعتبارها الداعم الرئيسي والمؤسس الحقيقي للحركة الانفصالية أكثر من صوت، علما أن سجلها في انتهاكات أوضاع حقوق الإنسان سارت بذكره الركبان، ثم يصل الأمر إلى تبخيس الأهداف التي من أجلها خرج اتفاق جنيف، عدا أن الانتهاك يشمل شروط ومقومات العضوية ولا يسمح للدولة الراعية، مهما كان نفوذها أن تتصرف في حقوق الغير التي تضمنها الشرعية الدولية. ومهما كان موقف الدولة الراعية من الناحية السياسية، فإنه لا يبيح لها تصريفه في قضية لها مرجعيتها التي يتم الاحتكام إليها، كما في إشكاليات الاعتراف بالكيانات التي تسقط عند الإخلال بأي مكون يهم الأرض والشعب والسيادة.
لئن كانت السلطات السويسرية تتحمل مسؤوليات وقوع هكذا التباس وغموض وسوء تأويل، فإنها من خلال ضربها لقاعدة الصوت الواحد والمقعد الواحد. تكون أخلت بأهم شروط العضوية في اتفاق جنيف، بينما الشطر الثاني من الانتهاك يميل إلى مساواة تعسفية بين الدول والحركات الانفصالية المسلحة. ما يفسح المجال أمام العبث والاستهتار بالمنظومة الكونية لحقوق الإنسان التي تتوازى فيها حقوق الناس والأوطان.
أبعد من أي خلفيات سياسية، أو الإذعان لضغوط لوبيات متنفذة في أسواق الاتجار بالمواقف والانحراف بالمبادئ، فإن هذه السابقة تصدر عن دولة أوروبية، كثيرا ما كان ينظر إلى مواقفها ومجالها أنه يتسم بالحياد واستضافة مبادرات الحوار وخطوات المصالحات. وهي لا تقتصر على خرق مقتضيات الموقف الأوروبي المتمثل في دعم جهود الأمم المتحدة لتسوية التوتر القائم على قاعدة «الحل السياسي» الذي يعتبر اقتراح الحكم الذاتي ركنه وأرضيته الأساسية، بل تضع الاتفاقيات التي تضبط علاقات المغرب بالاتحاد الأوروبي موضع تساؤل، ليس أبعد أن دول الاتحاد الأوروبي أقرت بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، كما يتجلى ذلك في اتفاق الصيد الساحلي المبرم بين الرباط وبروكسيل.
ليس من الأمانة والحكمة فتح ثغرة في جدار الوحدة الأوروبية التي تواجه تحديات ومعضلات عديدة. وحتى على اعتبار أن السلطة الحاكمة في جنيف لها ميول ونزعات، في نطاق ما يعرف بالدفاع عن الأقليات، فإن وضع جبهة بوليساريو لا ينطبق عليه التوصيف، لأنها حركة انفصالية مسلحة، صنفت في تقارير دولية تعنى بالدفاع عن حقوق الإنسان، بأنها تنتهك هذه الحقوق، بل إن مساعدات الدول الأوروبية المانحة ثبت استغلالها من طرف قياديين في بوليساريو ومسؤولين في السلطة الجزائرية للاغتناء غير المشروع. ومن المفارقات أنه في الوقت الذي دعت فيه تنظيمات ونواب في البرلمان الأوروبي إلى مساءلة المسؤولين عن تبديد المساعدات الإنسانية وتحويل اتجاهها لملء الجيوب واقتناء الممتلكات والغنى غير المشروع. تنفرد جنيف بموقف ملتبس يثير الدهشة والاستغراب. أقله أن لا حق لها في أن تفرض ميولها على الدول الموقعة على اتفاق جنيف.
لا بد من الإقرار في ضوء هذه التطورات التي تسعى للانحراف بقيم ومبادئ حقوق الإنسان عن أهدافها النبيلة، إن هناك تقصيرا ملحوظا من طرف الدبلوماسية المغربية الرسمية والشعبية على حد سواء. فقد كان من الضروري الانتباه إلى التحركات التي سبقت هذا القرار المشؤوم، وفتح حوار مع السلطات السويسرية لثنيها عن اتخاذ موقف لا يتماشى ومسؤولياتها كدولة راعية لاتفاق جنيف.
في كل مرة يحقق فيها المغرب مكاسب هائلة في المحافل الدولية، كما وقع أثناء اتخاذ القرار الأخير المنصف لمجلس الأمن الدولي، يتعين انتظار ردود أفعال من الجهات المعادية، ولا يزيد الانحراف الحاصل عن جزء من هذه السلوكات المناوئة التي تروم خلط الأوراق والمفاهيم. لكن الدبلوماسية المناضلة والمواطنة تحتم دائما التزام اليقظة والرصد والمتابعة، فالمعركة مستمرة ولا معنى لاستراحة المحاربين في هكذا قضية حيوية ومصيرية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى