يسرا طارق
تؤشر حادثة طنجة، حيث عمد قاصرون إلى انتهاك عرض فتاة بشكل مثير للحنق والتقزز، كما تؤشر وقائع كثيرة رأيناها أو سمعنا بها ولم تصل لكاميرات التصوير، على أن تحصين الفضاء العام بات ضرورة ملحة، وإلا سنفقد أهم ملمح يعلي من شأن بلدنا بوصفه بلدا منفتحا ومتسامحا، يحقق لجميع أفراده وللوافدين عليه السلام والطمأنينة ورغد العيش.
لا ينبغي تهويل ما وقع ولا تبخيس جهود رجال الأمن في العمل على تأمين الحياة اليومية للناس في الشوارع والساحات والأزقة ودفعهم لاحترام القانون، لكن لا ينبغي التنقيص من جسامة ما حصل واعتباره حدثا عرضيا، لأن المشروع المجتمعي الذي نطمح جميعا لتحقيقه قد يصاب في مقتل بالتسامح مع وقائع كهذه، تعتبر في البداية تفصيلا صغيرا، ثم تتعاظم حتى تتحول إلى ظاهرة اجتماعية مرعبة، ولنا في ما يحدث في ساحات وشوارع ووسائل نقل بعض الدول الشقيقة، خير واعظ.
يحارب هذا الانفلات بالقانون أولا، وبالتطبيق الصارم له ثانيا، لكنه يحارب، أساسا، بالوعي الذي تغرسه الأسرة والمدرسة والمسجد ووسائل الإعلام في النفوس. علينا كلنا أن نساهم في تثبيت قيم قداسة الجسد وضرورة احترام الخصوصية الفردية، وأن الجهة المخول إليها معاقبة كل خروج عن الحياء العام وعن ثقافة الاحتشام المتأصلة في قيم الشخصية المغربية، هي الدولة وهيئاتها القانونية. لقد انتهى زمن الحسبة وشرع اليد والخروج الدونكيشوطي للأمر بما يراه الواحد معروفا، وقد يكون هو المنكر بعينه.
أمر حادث فتاة طنجة الآن بيد القضاء وسيقول فيه كلمته، إلا أن ما يقرف هو تلك المشاهد الغريبة التي صارت لازمة متكررة بعد كل حادث مشابه: أمهات باكيات يُمنحن ميكروفونات لوصف فضائل أبنائهن وتعداد صفاتهم الحسنة، وتأكيد براءتهم وطلب الرأفة بهم. قد يتفهم الناس لوعة قلب أم إزاء فداحة مصابها في ابنها، لكن المشهد، وهو يتكرر حتى حدود الملهاة السوداء، صار يضعنا إزاء جرائم مروعة يقترفها «ملائكة»، وإزاء مجرمين هم في الآن نفسه ضحايا جرائمهم. أولئك النسوة اللواتي يقفن باعتداد للدفاع عن أبنائهن، هل فكرن في أنهن مسؤولات بدرجة أولى عن أفعالهم؟ فعوض أن يتحدثن عن فشلهن في التربية، يلبسن بذلة المحامي ويقدمن مرافعات، من فرط تكرارها، لم يعد أحد يصدقها.
تعقيبا على مقال تحصين ضد التحرش.
هذا الحدث الذي وقع في طنجة ، ربما حمّلناه ما لا طاقة له به، فأنا اعتقد انهم اطفال يلعبون وفتيان يمرحون. ان كل افراد المجتمع المغربي يلعبون ويمرحون، كل حسب عمره وموقعه و مكانته في المجتمع ، صحيح ان الاطفال المراهقين رفععوا تنورة الفتاة المرفوعة اصلا، لكن كم من الرجال البالغين رفعوا هذه التنورة بجلوسهم في المقاهي والنظر الى الفتاة “بلا حشمة بلا حيا” ، وكم من النساء البالغات الواعيات نظرن الى الفتاة وأكلن لحمها بالغيبة والنميمة، وكم من الصالحين العابدين الخارجين من الصوامع نظروا الى الفتاة ودعوا عليها بالويل الثبور ،ذلك ان جسد المرأة جسد مثير كالوردة في الحديقة والشجرة في الغابة والبدر في الليلة الظلماء، لا يستطيع المرء ان يقاوم النظر اليه الا بشق الانفس.
ولذلك دعوا الاطفال فهم يلعبون
ودعوا النساء فهم ينمنمون
ودعوا الرجال فهم لعيونهم يسقون
ودعوا العابدين فإنهم لخلق الله يتدبرون .
ودعوا الآباء فهم عن اولادهم غافلون