شوف تشوف

الرأيالرئيسية

توافق روسي صيني

نجحت موسكو وبكين في قلب العلاقات المعقدة والصعبة تاريخيا بينهما إلى شراكة استراتيجية شاملة، في وقت كان فيه ثقل التطورات الجارية على الساحة الدولية، والضغوط التي يمارسها الغرب لإبقاء هيمنته على النظام الدولي، يفرض نفسه بقوة على العلاقات بين الشرق والغرب.

تاريخيا كانت الصين منذ عهد ماو تسي تونغ، تنأى بنفسها عن روسيا لأسباب إيديولوجية، وأخرى تتعلق بتضارب المصالح، بينما كان النظام الإصلاحي الذي نشأ بعد ذلك، يفضل الاتجاه غربا، ويميل إلى تعزيز العلاقات مع العالم الغربي، وبقيت العلاقات الروسية الصينية تحت سقف العلاقات الطبيعية بين الدول، ونادرا ما كان الطرفان يتوافقان على بعض القضايا الإقليمية والدولية.

اليوم، يبدو واضحا أن كل شيء يتغير، وأن المعادلة انقلبت رأسا على عقب، بفعل السياسات الغربية، والنهج الرأسمالي الذي لم يتوقف عند حدود التنافس الاقتصادي؛ بل تسبب في حروب تجارية وعقوبات اقتصادية بدأت في عهد إدارة ترامب السابقة، واستمرت في عهد إدارة بايدن الحالية التي بدلا من مراجعة السياسات السابقة، فاقمتها بمزيد من العقوبات وتأسيس الأحلاف العسكرية والأمنية لمحاصرة الصين.

من الطبيعي إذاً أن تعيد بكين النظر في خياراتها، بما في ذلك الاتجاه شرقا، وفقا لمصالحها، وأن تتلاقى مع موسكو التي لم تكن مرحلة انتهاء الحرب الباردة عقب انهيار الاتحاد السوفياتي، القصيرة نسبيا، سوى مرحلة مؤقتة، كشفت عورات النظام الدولي المختل تماما لصالح الغرب، والذي يسعى إلى مزيد من الهيمنة والنفوذ على حساب الشرق وبقية دول العالم.

ومن الطبيعي أيضا أن تتشارك موسكو وبكين النظرة في البحث عن نظام عالمي جديد للحد من طموحات الغرب، عنوانه التعددية القطبية ليكون أكثر عدلا وتوازنا وشمولية، وهو ما أدى إلى احتدام الصراع بين النظامين القديم والجديد، والذي يتشكل الآن.

لقد لعبت الأزمة الأوكرانية وتداعياتها على خلفية سعي حلف «الناتو» والتحالف الغربي عموما إلى التوسع شرقا، واختلال المعادلة الأمنية في القارة الأوروبية، خلافا للاتفاقات المبرمة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، إلى جانب مشكلة تايوان ومحاولات حصار بحر الصين الجنوبي، والتوترات الإقليمية في جنوب شرق آسيا، دورا حاسما في التقارب الروسي الصيني.

هذا التقارب الذي كان يحتاج إلى نوع من التأطير ومزيد من التعاون والتنسيق في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية، وهو ما تحقق بالفعل للارتقاء بالعلاقات بين موسكو وبكين، إلى مستوى الشركة الاستراتيجية.

وبالتالي فإن السياسات التي انتهجتها واشنطن والغرب عموما، كانت مسؤولة إلى حد كبير عن هذا التقارب الذي تم تتويجه بإجراء مناورات عسكرية مشتركة، وفتح أبواب الصين أمام الاقتصاد الروسي، بما في ذلك تحويل إمدادات الغاز الروسي من أوروبا إلى بكين. والغريب في الأمر أن الغرب وواشنطن على وجه الخصوص، التي تُبدي قلقها من هذا التقارب، أو بالأحرى التوافق الصيني الروسي، هي من أسهم في إنتاجه، في وقت يسعى فيه معظم شركائها الأوروبيين إلى إعادة النظر في سياساتهم السابقة، وبناء علاقات جديدة تقوم على توازن المصالح، في أقل الأحوال.

يونس السيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى