الرئيسية

درب الدموع

خديجة عماري
«إن أول ما يفعله المنتصر هو محو تاريخ المهزومين»، مايكل هولي إيغل.
يطول ويتشعب الحديث عندما يتعلق الأمر بنهاية العالم، ربما سينتهي بانفجار كبير، كأن يختل نظام الكون ويرتطم نجم سريع بكوكب الأرض، وينتهي كل شيء كما بدأ، وربما الشمس ستبتلع المجرة وينتهي تاريخ البشرية، وربما سننقرض نحن البشر، وتبقى الأرض لتحتضن مخلوقات جديدة كالتي كانت قبل الإنسان، وقد يتطور البشر إلى مخلوقات أخرى متطورة حسب طبيعة الحياة التي ستكون بعد آلاف السنين، وربما سيأتي وباء ينهي الحقيقة البشرية، لكن هناك طبعا نهاية قبل النهاية، نهاية يتحدث عنها المسلمون والمسيحيون واليهود والهندوس والبوذيون وقوم المايا.. وديانات أخرى سأضيع في عدها، ديانات يعتقد كل معتنق لواحدة منها أنه الوحيد الذي على صواب والباقي خطأ. حتى سيست دياناتهم وأصبحت مدفعا يسهل شحنه ببارود الطائفية واختلاف الأديان ونظرية المؤامرة.
يذبح المسيحيون السود في نيجيريا بشكل وحشي كل يوم على يد ميليشات مسلحة تدعي أنها جند الله، يقتل مسلمو الروهينجا في بورما على يد جماعات بوذية متطرفة… أبيد ما يقارب 112 مليون فرد من الهنود الحمر، وقد تمت إبادتهم على يد الإسبان والإنجليز عن طريق خوض حرب بيولوجية بمساعدة الأطباء، واجتثاث الباقين بحرب البنادق- مات كثير منهم في درب الدموع-عندما تم تهجيرهم إلى غرب نهر المسيسيبي، إلى مناطق موبوءة حتى تتخلص الطبيعة منهم، فقط لأن الهنود آمنوا بأن القادمين الجدد رسل الإله لإنقاذهم، فالنبوءة تقول إن آلهتهم المنقذة ورسلها قادمون عبر أمواج المحيط من الجهة الشرقية.. تلك واحدة من النهايات التي تسبق النهاية، فكل امرئ تحل نهاية عندما تحل نهايته الخاصة به. الهنود الحمر (أصبت بالذعر عندما قرأت كتاب «حق التضحية بالآخر-أمريكا والإبادات الجماعية»-منير العكش) نموذج لحرب قدرة صورت واحدة من الطرق البشعة التي تغير بها البلدان المستوطنة ديموغرافية الأوطان، وتطمس هوياتها وتاريخها.. من قال إن ما يفعل اليوم في عدد من بلدان الهلال الخصيب هو نفسه ما حدث قبل قرون مع الهنود الحمر لكن باسم الطوائف والعرقيات.. تهييئا لمستوطن جديد.
عندما كتبت إيليف شافاق روايتها «لقيطة إسطنبول» اتهمت بالإساءة لتاريخ تركيا، لكن أي إساءة أساءت لهذا التاريخ ومجزرة الأرمن حقيقة لا يمكن تغطية شمسها بالغربال، (التهجير والتنكيل بحوالي 1.5 مليون أرمني-حملة قام بها العثمانيون ضد الأقليات المسيحية 1914-1923).
هناك دوما مستفيدون من هذه الإبادات وهذه الحروب، منها عشاق السيطرة وكراسي السيادة والحكم، أصحاب الشركات الكبرى المصنعة للأسلحة، انتشار الأوبئة والأمراض الخطيرة المساهمة في اجتثاث أعداد هائلة من البشر العاديين البسطاء، حتى تروج تجارة الأدوية وينخفض الاكتظاظ البشري من على سطح الأرض. فالطبيعة لا يمكن أن تطعم الجميع وتنتصر للجميع، حتى عندما يزداد عدد السكان (في المدن أو القرى أو الغابات)، فهم بحاجة للطعام والعمل ومطالبهم تزداد بازديادهم.. لعله مسار البشرية الدامي لتحقيق التوازن.. لكنها «درب دموع» في حقيقتها!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى