شوف تشوف

الرأي

دولة القانون.. دولة الخوف

دولة القانون كما فهمتها منذ أن ارتفع داخلي صوت المواطنة، هي تلك التي يرتقي فيها القانون فوق الجميع، التي يحتكم فيها الجميع سلطة وشعبا إلى القانون، والتي يعتبر ضمان السلامة للمواطنين أول مبدأ تقوم عليه. لكني بكل صدق لا أجدني في دولة من هذا النوع، أنا اليوم أحس بعدم الأمان لأنني لا أستطيع المشي مطمئنة بالشارع، أولا لأن التحرش تجاوز الإزعاج اللفظي إلى الاعتداء المعنوي والجسدي، وثانيا من فرط ما شهدت من جرائم نشل في واضحة النهار ومن سرقة تحت تهديد السلاح. أنا لا أستطيع فتح نوافذ سيارتي أثناء توقفي في الإشارات الضوئية، لا أستطيع التزين بحلي مهما كانت بسيطة، لا أستطيع حتى أن آخذ زينتي مخافة أن تمتد يد حقودة الى وجهي بشفرة حادة، لا أستطيع التأخر ليلا لحضور عرض مسرحي أو موسيقي، لا أستطيع ركن سيارتي بمركن الحي الذي أقطنه دون أن أصطحب والدي.. لا أستطيع أن أسحب مالا من البنك حتى وإن تواجد أمامه رجال الأمن. أنا اليوم مواطنة مقيدة الحركة وخائفة رغم أنني أؤدي كل واجباتي لهذا الوطن.
لا أخفيكم أن خوفي قد تضاعف وأنني لا أزال تحت وقع الصدمة من هول ما رأيت من «سيبة» في تفاعل الشعب مع حوادث متعددة خلال الأسابيع القليلة الماضية. الشعب صار اليوم يبادر يدويا للاقتصاص ممن يفترض أنهم مخطئون، الشعب يأخذ مكان الدولة في العمل على «استتباب» الأمن ويأخذ مكان الله في العمل على فرض شريعته. ونحن طبعا لا نعرف المقاييس التي يحتكم إليها هذا الشعب في الحكم علينا كمخطئين أو كعصاة أو ككفرة، فالشعب مثلا يفترض أنك تستحق أن نكسر زجاج سيارتك فقط لأنك تمتلكها، يفترض أن عليه أن يشوه وجهك فقط لأنك تبدو «ولد الخير».. ويفترض أنك جدير بالقتل فقط لأنك بميولات جنسية مختلفة عنه، ويفترض أنك تستحق القتل فقط لأنك لا تصوم وهلم جرا من الأسباب التي يمكنها أن تثير حنق الشعب لكي يقتص منك. أصبح الوضع الأمني كارثيا، بين انتشار قوات القرب الأمنية ومضاعفة أرقام الجريمة المنظمة وغير المنظمة وانتشار حوادث «الاقتصاص الشعبي» يطرح سؤال نجاعة الأجهزة نفسه بإلحاح أين يكمن الخلل؟ هل هو في المقاربات الأمنية الكلاسيكية المنتهجة والقاضية بإشاعة الخوف بين الناس لإشعارهم بوجوب التشبث بنظام الحكم الساري عليه؟ أم هو في تخلي الأجهزة عن صلاحياتها في فرض سيادتها وغياب المحاسبة الجدية للمارقين المجرمين والجناة وفي تساهل الأحكام المنطوقة في حقهم؟
في ظل هذه الأسئلة التي لا تحسم في السبب الحقيقي وراء الخوف الذي يعتريني ويعتري معي جل المواطنين البسطاء، وفي ظل الانخراط المتواصل لفلول الشعب ضمن أسلاك «الأمن غير النظامي أنا أعلن: أنا أترقب بقلب واجف أفواج المساجين الذين سيشملهم العفو الملكي بمناسبة عيد الفطر، ليس فقط لأن العفو يشمل دائما «مسجلين خطرا»، بل أيضا لأن لا شيء ينتظرهم لإدماجهم في المجتمع بشكل فعال ومنتج.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى