الرأي

رهان لا يحتمل الخطأ

تتشابه الأيام في قاعدة تعاقبها، آناء الليل والنهار، لكن جمعة الرابع من سبتمبر ليس مصل الاثنين الرابع عشر، أقله أن الحسم الذي جسدته صناديق الاقتراع في الانتخابات الجماعية والجهوية، لا يوازيع مثله من طرف الناخبين الذين كثيرا ما كانوا يوصفون بالكبار.
بسبب أن التدبير الجماعي والجهوي يختلف في مجالاته وآلياته وتحالفاته عن المسؤولية التشريعية والتنفيذية، لم تنص الوثيقة الدستورية لفاتح يوليوز 2011 عن التمسك بحرفية الانتماء الحزبي طوال فترة الولاية، لكن المكاسب التي تحققت على طريق وقف زحف ظاهرة الترحال الحزبي تبقى مدعاة للتأمل، وليس هناك ما يحول دون اقتباسها بطريقة أو بأخرى على مستوى الجماعات والجهات، طالما أن الأصل في الحالات جميعها هو أن العضوية في الجماعة أو الجهة أو مجلسي النواب والمستشارين أو مجالس العمالات والأقاليم تستمد شرعيتها من صناديق الاقتراع.
واضح إذن في سياق المسؤوليات أن التحالف الحكومي يلزم الشركاء في الائتلاف بكل ما يتعلق بأوجه تدبير الملفات في إطار صلاحيات واختصاصات السلطة التنفيذية، وإذا كان مستحبا أن ينسحب على باقي الميادين، مثل الانتخابات الجزئية أو الجماعية أو الجماعة، فإنه يظل رهن الإطار السياسي الذي يحدد مصالحه والتزامه، وفي مقابل ذلك فإن تحالف قوى المعارضة يظل رهن العمل السياسي المتمثل في معارضة الحكومة وتشديد الرقابة على تدبيرها، خصوصا وأن المرجعية الدستورية أكدت على الدور المحوري للمعارضة بمنطق الديمقراطية التشاركية.
لكن التحالفين معا، في نطاق الأغلبية والمعارضة على حد سواء، في إمكانهما أن ينسحبا على الموقف من تشكيل مجالس الجماعات والجهات، كما في إمكانها ألا يسيرا في نفس الاتجاه، سيما وأن التدبير في هذا المجال يفرض بدور وجود أغلبية منهجية ومتجانسة. وإذا كان مفهوما أن حيازة الأغلبية تتطلب قيام تحالفات في غير المناطق التي استطاعت فيها بعض الأحزاب تحقيق اختراق كبير، يمكنها من التسيير الذاتي خارج أي تحالف، فمن غير المفهوم أن تستند هذه التحالفات على الوضع القائم بين المعارضة والأغلبية، طالما أن الأمر يتعلق بتدبير جماعي وجهوي لا تغلب عليه النزعة الحزبية، لكن من دون استثناء أن التصويت على المنتخبين كان سياسيا، حتى في تركيزه على تدبير الشأن المحلي، والدليل على ذلك أن المبارزات الحزبية في المنافسات الانتخابية ارتدت طابعا سياسيا أكثر منها صراع برامج ومبادرات واقتراحات.
الأهم في ذلك ألا يتم تعطيل مسار الإصلاحات التي يتطلع نحو الناخبون. وإذا كان من ملاحظة يتعين الالتفات إليها بهذا الصدد، فهي أن الملك محمد السادس تحدث مرتين على الأقل عن تحديات التنمية المحلية والجهوية، فقد اختار افتتاح السنة التشريعية قبل الماضية للإعلان عن تردي الأحوال التي وصلت إليها مدينة الدار البيضاء الكبرى. وشخص خطابه المرجعي في هذا النطاق أبرز مظاهر الاختلالات التي تقود إلى استخلاص أن التدبير الجماعي لم يرتق إلى أفق التطلعات.
أما الملاحظة الثانية فهي تهم منطق المصارحة الذي استمدت الخطاب الملكي في ذكرى عيد العرش، عندما تحث عن وجود ما لا يقل عن ثلث سكان البلاد في أوضاع مزرية تناقض مقومات الحياة الكريمة، عدا أنه في خطاب ذكرة ثورة العرش والشعب قدم خارطة طريق متكاملة حول رهان الديمقراطية المحلية والجهوية. وباستقراء المضامين المتقدمة لهذه التوجيهات يتبين أننا فعلا أمام محدودية الأداء الجماعي، وبالتالي فإن محاولات بعض «الناخبين الكبار» العودة إلى الواجهة يناقض جوهر متطلبات المرحلة. على أن الأهم في منح ثقة الناخبين أنها ترهنها بتنفيذ برامج وتعهدات والتزامات.
السؤال الذي يفرض نفسه هو كيفية التوصل إلى بناء مجالس جماعية وجهوية ذات أغلبيات متجانسة ومنهجية ومتضامنة. وإذا كان وضع الحكومة الائتلافية أبان عن بعض مناطق الظل في هذا الجانب، إلى الحد الذي جعل رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران يعلن أنه يفضل شركاءه على حزبه في بعض المرات والاقتراحات والقضايا، فإن عملية التفضيل على مستوى مسؤوليات الجماعات والجهات ينبغي أن تركز على البرامج والأفكار والمبادرات. وليس أرقام التحالفات وإعداد المصوتين لفائدة هذا الحزب أو ذاك.
امتحان الديمقراطية المحلية يبدأ من تشكيل آليات عملها، إذا اعترته النواقص فإنه سينسحب من دون شك على محور الأداء، وفي حال تخلص من العوائق والحساسيات سيكون مهد الطريق أمام تجربة جديدة. ليس أقلها أن رهان الجهوية لا يحتمل الخطأ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى