حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأي

سؤال غريب

شامة درشول

 

 

 

يردني عدد من الرسائل من قراء هذا العمود، تحمل أحيانا أسئلة يبحث صاحبها أو صاحبتها عن رد لعل صورته عن صاحبة هذا العمود تكتمل في ذهنه. غالبا ما أقابل هذه الأسئلة بعدم الرد، حتى لو كانت من فئة القراء الذين أتفاعل مع رسائلهم، لأني أعتبر أن دور الكاتب ينتهي حين ينهي كتابة مقاله، ويرسله إلى الناشر، وبعدها يعود هذا الكاتب إلى مساحته الخاصة، وفي مساحتي الخاصة هاته لا أتقبل أن يسألني أحد عن أشياء أعتبرها تخصني وحدي.

«أنت إنسانة طيبة ورائعة، لماذا لا ترتدين الحجاب؟»، «لماذا ليس لديك أطفال؟»، «واش كتصومي؟»، «اسمك غريب، هل أنت مسلمة؟»، هذا نوع من الأسئلة التي لا أجيب عنها لا ككاتبة عمود، ولا كشخص، لكن أن أجد أحد القراء قد ترك لي تعليقا على آخر منشوراتي على «فيسبوك»، يقول فيه: «شامة درشول، كتاباتك جميلة، لماذا تسافرين كثيرا؟»، فهذا أعتبره واحدا من أغرب الأسئلة التي طرحت علي، وتمس مساحتي الخاصة.

المغاربة شعب لا يتربى على احترام الحياة الخاصة ولا العامة للإنسان، يحشر أنفه في ما يعنيه ولا يعنيه، وحين لا يجد ردا على استفهاماته يختلق ردا، ولا يكتفي بالأمر، بل يعمل على إشاعته ونشره على أنه حقيقة.

في ثقافات العالم المتحضر، يتربى الناس على أن حياة الآخرين لا تعنيك في شيء، وأن عليك وضع مسافة بمقياس ذراع بينك وبينهم، واحترام مساحتهم الخاصة، وأن ما يعنيك في حياتهم فقط كيف استطاعوا تحقيق نجاح في حياتهم، وما هي أهم الإنجازات التي حققوها، وما الذي يقومون به للمساهمة في تقدم مجتمعهم.

طرح سؤال، واحد من بين الأشياء التي لها قواعد في المجتمعات المتقدمة، ففي مجتمع يقوم على الهجرة مثل المجتمع الكندي، تقدم دروس لمن يسمون «القادمون الجدد»، حول قواعد التعامل والعيش، من بينها يقدم درس حول «الأسئلة التي يحرم طرحها»، لأنها تمس بحرية الآخر، والأسئلة التي يسمح بطرحها.

أن تسأل أحدا عن راتبه في مجتمع مثل المجتمع المغربي يعتبر شيئا غير مقبول، في حين أنه يعتبر شيئا عاديا إن أنت سألت مغربيا عن ديانته مثلا، لكن في المجتمع الكندي، يعتبر طرحك سؤالا عن ديانة شخص ما، أو ميولاته الجنسية، أمرا مشينا، في حين أنه يمكنه أن يجيبك بصدق عن راتبه، دون أن يشكل له هذا الأمر حاجزا.

حين بعث لي أحد القراء رسالة يقول فيها إنه معجب بعمودي اليومي على «الأخبار»، وتساءل في آخر رسالته لماذا لا أرتدي الحجاب؟ نشرت رسالته على صفحتي على «فيسبوك»، شعرت بأن شخصا سمح لنفسه بأن يقتحم حياتي الخاصة بدعوى أنه لم يشأ سوى سؤالي، وأتت بعض التعليقات مدافعة عنه بدعوى أن الرجل قارئ معجب، وأنه من شدة إعجابه بي، لم يرد بي إلا خيرا، وأنه نصحني بارتداء الحجاب لأنه «يخاف علي»، ويريد أن «يحميني».

أرأيتم كل هذه الحمولة التي يخفيها سؤال يبدو عابرا، أو غريبا؟

حين يكتب لي أحدهم: «أستاذة شامة أنا معجب بك، ولدي سؤال ولو أني أعرف أنه ليس علي طرحه، واش كتصومي؟»، أول ما بدر إلى ذهني وأنا أقرأ هذا التعليق هو: «ما الذي يضير هذا السيد في أن كنت أصوم أو لا أصوم؟ ماذا سيفيده هذا الأمر؟ وما الذي سيجنيه من طرح هكذا سؤال؟ وماذا سيربح من ردي عليه؟».

يوم حصلت على دبلوم السلك الثالث من الجامعة، وأمضيت ستة أشهر أبحث عن عمل، كان يؤلمني أن يسألني أفراد عائلتي: «إوا كاين شي خدمة؟»، كان سؤالا سيئا في توقيت سيئ، لذلك تجدني أدافع عن أحدهم إن كان لايزال عاطلا عن العمل، أو حديث التخرج، ولا أترك أحدا يسأله عن آخر أخبار رحلته في البحث عن مورد للرزق، فقد كنت أشعر بأنه سؤال يزيد من ألم من يسأل، وأن السائل ليس فعلا منشغلا بأمر المسؤول.

الأمر نفسه يحدث حين أسمع أحدهم يسأل زوجين: «إوا وقتاش نفرحو بوليداتكم؟»، دون أي مراعاة لمشاعر هذين الزوجين، وأن أحدهما أو كليهما غير قادر على إسعاد نفسه بالذرية، أو أنهما قررا ألا ينجبا الآن، أو ألا ينجبا أبدا، وأن هذا السؤال ليس مجرد سؤال عابر، بل هو سؤال لا يحترم قواعد احترام المساحة الخاصة لمن تتحدث إليه.

«لماذا تسافرين كثيرا؟»، استوقفني كثيرا، فأنت سئلت مرارا كيف أنا قادرة على السفر، وكنت أرد على من يسأل وأطلعه على الطرق التي استطعت بها جعل حلمي حقيقة، وهي أن أجعل من السفر جزءا من عملي، فأنا نادرا ما أسافر من أجل السياحة، وجل أسفاري من أجل العمل، لكن أن يكتب لي أحدهم جملة مليئة بالتناقضات: «كتاباتك جميلة.. لماذا تسافرين كثيرا؟»، فهذا ما جعلني أختار هذا السؤال أغرب سؤال طرح علي، فالسؤال احتوى على جواب دون أن ينتبه صاحبه، ودون أن يدري أن كتاباتي الجميلة حسب وصفه، سرها هو أني أسافر كثيرا، فلو لم أكن أتنقل من مجتمع لآخر، وثقافة لأخرى، وبلد لآخر، ما كنت لأقدر على التقاط «مشاهدات عابرة».

أنهي مقالتي على وقع خطوات ابنة أخي، أرفع إليها نظري، وأجدها تتقدم مني، وتقول لي: «عميتو، هل يمكنني أن أطرح عليك سؤالا؟»، أبتسم لها، أنظر في عينيها وأقول لها: «نعم، أسمعك».

فأن تسمع لسؤال يطرح عليك ليس بالضرورة أن تجيب عنه، حتى لو استأذن منك الشخص من أجل طرحه، فهناك شيء على المغاربة تعلمه وهو «احترام المساحة الخاصة بينهم والآخر مهما كان قريبا إليهم»، لعل احترام هذه المسافة الخاصة يقفل نهائيا الطريق على «سؤال غريب».

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى