يحظى حكام كرة القدم في بلادي بامتياز لا يحظى به باقي المواطنين، حيث تظل عقوباتهم سرا من أسرار الدولة، ولا يسمح بالكشف عن العقوبات الصادرة في حقهم، ولا مسببات التوقيف.
لكي تتأكد من توقيف حكم مغربي، تكفي متابعة كل المباريات الأسبوعية والاستفسار عن الأحوال الصحية، والإلمام بالتعيينات الخارجية.
وحين يعيش الحكم حالة اختفاء وهو في كامل لياقته، فاعلم أنه موقوف سرا إلى أن يأتي الله أمرا كان مفعولا.
قد نقبل توقيف حكم بسبب خطأ أثر على سير المباراة وحوله المحللون إلى فرصة للعقاب اللفظي. قد نؤمن بأن البشر معرض للخطأ مادام حيا يرزق. قد نعترف بأن أكبر حكام الكرة في العالم نالوا حصتهم من القرارات التأديبية وابتلعوها على مضض، لكن حين يكون قرار التوقيف بدون سند قانوني ودون الرجوع إلى تقرير المراقب والمندوب فتلك صورة أخرى لهيمنة رؤساء الفرق المغربية على قضاة الملاعب.
قبل عامين سيغيب حكم دولي مغربي عن ساحة التباري، سيعلن الراسخون في التحكيم عن اختفاء زميلهم من رادار المديرية، وسيتبين أنه حي يرزق يقضي ساعاته بين البيت وملعب التداريب.
ظل الحكم الدولي المغربي في دائرة الاختفاء القسري، بسبب حكاية تستحق أن تروى، حتى يعلم الجيل الحالي من الحكام أنه لا ثقة في عتيقة.
حين كان حكمنا في غرفة «الفار» لمباراة ديربي جمعت بين الوداد والرجاء، وانتهت بفوز الخضر بهدفين، تعرض لاحتجاج ودادي وهو يهم بمغادرة غرفة تغيير الملابس. ووسط عاصفة الغضب الساطع سيتقدم منه مسؤول أحمر ويطلب منه الحديث مع رئيس الفريق الذي كان على الخط.
رفض الحكم تسلم الهاتف من مرسول الغضب، وقال إنه غير مستعد للرد على المكالمة، حينها سيعلم الرئيس أنه ممنوع من التواصل مع الحكم، فانتابته نوبة غضب.
عاد رئيس الفريق إلى بيته مكسور الوجدان، وهو يتجرع مرارة الهزيمة أمام غريمه، فقال له حواريوه:
«سيدي الرئيس من يكون هذا الحكم الذي خدش كبرياءك وأعرض عن كلامك»؟
ابتلع الرئيس ريقه وتذكر طلبا قديما من الحكم، حين التمس منه التدخل لفائدة أحد أفراد أسرته، بحكم موقعه السياسي وقربه من دائرة القرار.
قضى دقائق في البحث عن ملتمس يرقد في ذاكرة هاتفه، وقرر استخدامه لكل غاية مفيدة، وحين عثر على الملتمس تنفس الصعداء، وأقسم على الانتقام لكبريائه.
قبل أن يخلد الرئيس للنوم، حول ملتمس الحكم لرئيس الجامعة، وقال إن سر هزيمة فريقه فيه رائحة انتقام من رئيس فريق لم يستجب لمطلب حكم، وعزز دفوعاته بمستند وبلقطة ضربة جزاء صنفها في خانة تصفية الحسابات.
وضعت القضية مديرية التحكيم في ورطة، لأن تقرير مراقب الحكام والمندوب يؤكدان صحة قرارات جهاز التحكيم، وقالت لجنة الأخلاقيات: لا دليل على التهم القادمة من الدار البيضاء، فسجلت القضية ضد مجهول، وتقرر توقيف الحكم الدولي سرا وكلما طالب بمبرر قيل له «عذرا القضية تتجاوزنا».
وهو يعيش توقيفا مقنعا، ستختار لجنة الحكام بالاتحاد الدولي لكرة القدم التابعة للفيفا، الحكم الممنوع من الصرف، ضمن حكام المباريات الذين سيقودون نهائيات كأس العالم في قطر ضمن غرفة «الفار»، رغم ذلك ظلت مديرية التحكيم تتجاهل تعيينه لأزيد من ستة أشهر، قبل أن يظهر في الدشيرة.
أيها الحكام رجاء خذوا الحكمة من الطيور الرابضة في الأشجار، لأنها لا تخشى انكسار أغصانها، لأنها لا تثق بالأغصان وإنما بأجنحتها.
كل تشابه في الوقائع والأشخاص فهو ليس من قبيل الصدف.