حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

قصة «القالْب»..

يونس جنوحي

 

ذهب السكر وبقي «القالب». هذا ما ينطبق على أقدم مصنع للسكر في إفريقيا -وربما في العالم أجمع- والذي يوجد ما تبقى منه في تارودانت، ويعود تاريخ إنشائه إلى عهد الدولة السعدية.

الملكة البريطانية إليزابيث الأولى، التي حكمت بريطانيا ما بين 1558 و1603، كانت تعرف جيدا مكانة معمل السكر في تارودانت، وأرسلت لإبرام اتفاقيات لاحتكار استيراد كل ما يُنتجه معمل تارودانت من السكر. حدث هذا عندما كانت مُدن العالم أجمع معدودة.

دار الزمن دورته، وجاء عهد أباطرة العقار الذين يرغبون في تحويل كل رقعة أرض إلى عمارات سكنية، وهم هذه الأيام يحومون حول المكان الأثري الذي لا تزال أطلال معمل السكر قائمة فيه، ويخططون لتقسيمه إلى شقق وبيعها للمغاربة بما يعادل رهن سنوات مُحترمة من رصيد حياتهم، إن كان في العمر بقية طبعا.

جاء في مراجع التاريخ أن معمل تارودانت لم يكن ينافسه إلا معمل الصويرة، وكلاهما يعود إلى فترة حكم الدولة السعدية للمغرب، لكن خصوصية معمل تارودانت أنه كان يحظى بصيت عالمي، خصوصا وأن الإنجليز ربطوا اكتفاءهم الذاتي من السكر بما كانت تُنتجه تارودانت في عهد المنصور الذهبي الذي توفي سنة 1603، وفي قلبه غصة لما كان يعيشه المغرب من تحولات.

منطقة تارودانت كانت معروفة بقصب السكر الذي كانت الكميات المتوفرة منه تكفي لسد خصاص المغرب وأوروبا معا.

من مِن المسؤولين المغاربة سبق له أن زار منطقة تسمى «تازمورت»؟ الأكيد أن أغلب المُنتخبين لا يعرفون إلا المدن التي يُفضي إليها الطريق السيار، ولا يسلكون الطرق الوطنية إلا عندما يكونون في طريقهم إلى ضيعاتهم الفلاحية. أما الطرق الثانوية التي يختفي وراءها وفي ثناياها جل تاريخ المغرب وماضيه، فلا يسلكونها إلا في فترة الانتخابات.

الأخبار المتداولة في تارودانت، والتي وصل «صهدها» إلى الرباط هذه الأيام، لا تؤكد، لكنها لا تنفي، ما يروج عن أطماع أباطرة العقار الذين يضعون عددا من المناطق الأثرية نصب أعينهم. ولو أننا جربنا يوما أحد المنعشين العقاريين من هؤلاء، ولو من باب «الكاميرا الخفية»، وأوهمناه أن لديه ترخيصا ليغير بعض معالم مدينة تاريخية مثل تارودانت، فلا شك أنه لن يجد حرجا في هدم السور الذي يعود إنشاؤه إلى أكثر من 500 سنة كاملة، ويعوضه بسور معدني، ربحا للمساحة وتوفيرا للوقت، وربما باع جنباته أو حولها إلى مساحات لركن السيارات بالعداد.

لو جربت جهة حكومية مسؤولة أن تسمع لاقتراحات المنعشين العقاريين المغاربة، فلا بد أن أعضاءها سيُصابون بالشلل. ففي شمال المغرب لا يُخفي بعض أباطرة العقار حسرتهم على وجود بنايات تعود إلى القرن 18، ولا تزال تحتفظ بزخارفها وطابعها الإسباني أو البريطاني أو حتى الألماني، ولديهم أفكار لتحويلها بأقل تكلفة إلى برج إسمنتي يعلو واجهته زجاج على ارتفاع أكثر من عشرة طوابق، يباع فيها المتر المربع الواحد بسعر يتعدى عشرة آلاف درهم، لتقسيم البناية إلى مكاتب للمقاولين والمحاسبين والمحامين والأطباء الذين صارت عياداتهم أكثر من عدد المغاربة.

كادت بعض المعالم الأثرية المغربية أن تلقى حتفها لولا أن بعض الغيورين صرخوا بأعلى صوتهم للفت الانتباه إلى المد الإسمنتي القبيح. وفي انتظار أن تُحفظ أطلال معمل سكر تارودانت التاريخي، وتكون هذه الضجة مناسبة ليزوره المغاربة ويعرفوا تاريخ «القالْب»، لا بد أن نشير إلى أن بعض حسنات الزلزال الذي ضرب تارودانت والحوز، تمثلت في إيقاظ السلطات، خصوصا في وزارة الثقافة، لتباشر ترميم بعض المواقع الأثرية، التي ما كانت لتعرف الإصلاح لولا أن الزلزال رجّها بضعة سنتمترات من مكانها ليذكرنا بأن فوق هذه الأرض ما يستحق فعلا أن ننظر إليه بغير قليل من التواضع. لنمضي إلى الأمام، لا بد أن نعرف ماذا نجر وراءنا أيضا. ثم لكي لا ينقرض معمل السكر، ويبقى لنا «القالْب»..

 

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى