شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

قصة نبوغ مغربي منسي

 

 

يونس جنوحي

 

إذا أراد المسؤولون أن يُهينوا أحدا ما، فليطلقوا اسمه على إدارة أو مؤسسة عمومية.

كم من مؤسسة تعليمية في المغرب تحمل اسم «أبو شعيب الدكالي»؟ على الأقل هناك أربع مُدن كبرى توجد في كل منها مؤسسة بهذا الاسم. حسنا، إحداها، ولن نذكر المدينة رفعا للحرج فقط واحتراما لأسرة العالم الكبير أبو شعيب الدكالي، يتبول المارة على بُعد ثلاثين سنتمترا بالضبط من سورها. ويتكرر المشهد غالبا بعد السابعة مساء، لأن زقاقا ملاصقا لسور المؤسسة يغرق تماما في الظلام.

من يكون أبو شعيب الدكالي على كل حال؟ هذا الرجل وُلد في دكالة، وانتبهت عائلته وأساتذته مبكرا إلى أنه طفل غير عادي، فقبل أن يُتم 13 سنة، في العام 1891 بالضبط، حفظ القرآن الكريم وضبط الأشعار التي تلخّص قواعد النحو. وبينما ذاع صيته في محيط سكنه في دكالة، وصل خبر إعلان السلطان المغربي وقتها، المولى الحسن الأول، عن مسابقة استظهار أحد المتون يشارك فيها الطلبة من كل أنحاء المغرب. وذهب أبو شعيب الدكالي من قريته في دكالة نحو القصر الملكي بمراكش سيرا على الأقدام، مع اثنين من رفاقه، في رحلة تجاوزت يومين من المسير.

كان الوزير المغربي المثقف وأحد علماء المغرب الكبار وقتها، سي المسفيوي، هو المشرف على اختبار الطلبة المشاركين، وطبعا فاز أبو شعيب الدكالي الذي لم يكن يتجاوز سنه 13 سنة، وتفوق على أعتى الطلبة المغاربة الذين كانوا جميعا يفوقونه سنا. وعندما استقبله السلطان لتوشيحه، أخبره أنه يحفظ القرآن الكريم كاملا وبالروايات السبع، فأراد السلطان امتحانه بنفسه وأعطاه جُملة لإعرابها، وفعلا توفق الدكالي في الإجابة.

ومما يُروى أن الدكالي، وهو طفل، أحس بأن بعض الحاضرين في محيط السلطان يحسدونه على يقظته وذكائه، واستغل فرصة مثوله أمام سلطان المغرب، ليذكر آية قرآنية يتوعد فيها الله الظالمين بالعقاب، وهو ما أثار إعجاب السلطان، فمنحه جائزة إضافية فوق الجائزة المقررة للامتحان، وألحقه بالقرويين وأمر له بأجرة شهرية طيلة مدة طلبه للعلم، وختم السلطان قراره بهذه الجملة: «يُضاعف لأبي شعيب لصغر سنه وكِبر عِلمه».

أما رحلته إلى مصر، فتستحق فعلا أن تُصور على شكل فيلم تاريخي. ففي سنة 1896، وعمره وقتها 18 سنة، التحق بالأزهر في القاهرة، بعد أن أتم دراسته في المغرب متنقلا بين سوس والريف وفاس.

في الأزهر عاش الدكالي تجربة فريدة وأخذ العلم على يد كبار علماء الجامع وقتها، وسرعان ما جلس على كرسي التدريس وانتقل من مرحلة طلب العلم إلى التعليم، وهو ما أهله لخوض امتحان تبارى فيه العلماء في الأزهر للظفر بفرصة الذهاب إلى مكة للتدريس بناء على رغبة أمير مكة وقتها.

احتج الأزهريون على فوز «مغربي بدوي وفلاح»، هكذا وصفوا أبا شعيب الدكالي، وطلبوا إعادة الامتحان مرة أخرى، وفاز الدكالي مرة ثانية، وتقرر أن يسافر إلى الديار المقدسة لشغل المنصب.

في مكة عاش الدكالي 11 سنة، تزوج فيها من سيدة من أشراف العائلات المكية، وألقى الدروس إلى أن حدث له خلاف كبير مع أحد أمراء مكة الجُدد، على إثر نقاش حاد، فقرر أن يغادرها سنة 1907، وجاءته، في الوقت نفسه، رسالة من القصر الملكي، وكان وقتها المولى عبد الحفيظ سلطان المغرب، يستدعيه فيها، وأقام له حفل استقبال كبير في قلب مدينة فاس عند وصوله إليها مصطحبا معه زوجته المكية التي استقرت معه في المغرب، لكي يترأس المجالس العلمية الكبرى في فاس. ومنها انتقل إلى مراكش ليشتغل في القضاء وإعطاء الدروس في جامع بن يوسف، وصاهر عائلة الباشا الكلاوي عندما زّوج ابنيه من بناتها، واستمر في مساره العلمي إلى أن شغل منصب وزير العدل في فترة حكم المولى يوسف، واشتهر وقتها بأنه أصدر حكما قضائيا ضد باشا مراكش القوي، وانتقل أيضا إلى إعطاء الدروس العلمية في القصر الملكي بالرباط واستقر بها أيضا إلى أن لازم فراشه بسبب المرض، وزاره محمد الخامس سنة 1937، وهي السنة التي توفي فيها تاركا بصمة كبيرة في المشهد العلمي المغربي.

وفي الأخير، يُكتب لعالم كبير أن تحمل مدارس مغربية اسمه، يجاورها زقاق لا تصله الإنارة، في بلد لا توجد فيه المراحيض العمومية!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى