الرأي

كي لا تضيع فرصة 30 يوليوز

أليس أجدر بالائتلاف الحكومي وأحزاب المعارضة أن يتأملوا أكثر في خطاب عيد العرش، كونه يقر بمظاهر الاختلالات الاجتماعية التي تعانيها شرائح واسعة من المجتمع، ويقطع بمنطق المصارحة مع الأوهام الوردية التي جرى الترويج لها عقودا طويلة.
مصدر السؤال أن الخطاب الذي يصادف انطلاق المنافسات الانتخابية في استحقاقات البلديات والجهات والغرفة الثانية بمجلس المستشارين، يلغي فرضية الاستمرار بنفس السياسة والوتيرة التي أنتجت وضعا استثنائيا لا يليق بمفاهيم وقيم الكرامة والعدالة الاجتماعية. وبالتالي سيكون على فاعليات حزبية في الحكومة والمعارضة أن تعاود النظر في ما تقترحه من معالجات. وكان حريا بها أن تغتنم المناسبة لفتح حوار عميق وشفاف حول ما يتطلبه الموقف الراهن.
أهم خلاصة ترتبط بهذا التطور العام أن قضايا ومستويات النقاش السياسي الذي عرفته البلاد في الآونة الأخيرة، كان هامشيا لا ينفذ إلى الأعماق، وسواء على مستوى ارتفاع منسوب البعد الأخلاقي في الخطاب السياسي، أو في إطار جدل الأسبقيات الذي انحدر إلى القشور، بدا جليا أن هناك مسافات فاصلة بين الواقع ومستويات التفكير، فالنقاش العبثي حول التدريس باللهجة العامية لن يصنع تعليما عصريا منتجا، يكفل استثمار الطاقات الشابة في مجتمع المعرفة والتأهيل والإنتاج، وإثارة الزوابع الأخلاقية حول بؤس أداء الإعلام الرسمي لن يغير من تشوهات الواقع الاقتصادي والاجتماعي الذي ترزح تحت نيره فئات واسعة من الساكنة المحرومة، كما أن الرهان حول احتلال قصب السبق في الاستحقاقات المرتقبة لا يختزل الإشكاليات الحقيقية.
في بضعة أسطر أنهى خطاب الملك محمد السادس نقاش الهوية، استنادا إلى مرجعية الوثيقة الدستورية. والأهم في حرصه على التفرد والخصوصية أنه يدق جرس الإنذار إزاء محاولات توريد نماذج فكرية وسياسية لا تلائم خصوصيات الهوية المغربية. وفي مقابل ذلك فتح عيون المغاربة على كتاب الواقع الذي لم تنفع حلول غير جذرية في تغييره نحو الأفضل. وإذا كانت تقارير الخمسينية عاودت استقراء مواطن الضعف والقوة في مسار المغرب السياسي والاقتصادي منذ الاستقلال، فإن خطاب الثلاثين من يوليوز، ذهب أبعد في اختصار المسافة، واختار الملك محمد السادس في مناسبة عيد العرش التي كانت تقترن بعرض الإنجازات مكاشفة الرأي العام الوطني بحقائق صادمة.
في بديهيات العمل السياسي أن خطابا بهذه الحمولة القوية من المصارحة والنقد الذاتي والكشف عن مناطق الظل المتوارية عن الاهتمام، يتطلب عقد اجتماعات وندوات ومطارحات، يشارك فيها رجال السياسة وخبراء علم الاجتماع والمختصون في مسائل التنمية، والضالعون في منهجية التخطيط، بغاية استخلاص مقاربات تترجم مضامينه الاقتصادية والاجتماعية إلى حيز التنفيذ الذي لا يتطلب غير التأشير في أمور التدبير.
والحال أن الإعلام الرسمي بدوره بقي كعادته، بعيدا عن استحضار اللحظة. فليس من خلال السهرات الغنائية والبرامج متدنية الأذواق والمضامين، يمكن إشاعة روح التعبئة واستلهام المنظور المتقدم في الخطاب المرجعي. على عكس ذلك يمكن الإقرار بأن مسؤولية تهميش القضايا المحورية عن النقاش العام تقع على عاتق إعلام يعيش خارج العصر. ولا أدل على ذلك من أن أقصى ما تقدمه مسلسلات وأعمال تلفزيونية عن العالم القروي، لا يزيد عن تشويه الصورة. حتى أن «الدواوير» التي عرض إليها خطاب الملك محمد السادس، عبر الإشارة إلى خصاصها في المرافق والخدمات، حولها البعض إلى وسيلة للاغتناء، باسم الأعمال الفنية منعدمة أبسط شروط الإبداع.
واضح أن مفهوم التأمل الذي انطلق منه خطاب العرش كان ذا نفوذ قوي في سبر أغوار الواقع المعيش، وبالتالي فإن أنواع الخطابات التي كانت تلوذ إلى الانتشاء وترويج المساحيق آلت إلى الانهيار، أمام الحقائق الكامنة على الأرض. ففي حوالي عقد ونصف العقد أماط الملك محمد السادس اللثام عن جوانب الاختلالات التي لم يتم التعاطي معها، بما يجب من الحزم وسلامة التدبير. وسيكون على المتنافسين في انتخابات البلديات التي هي أقرب إلى المعاناة اليومية للساكنة أن يتباروا عبر البرامج والأفكار والتصورات التي في إمكانها أن تسهم في تجاوز الأوضاع المزرية لحوالي ثلث سكان البلاد. وفي حال استمر التمسك بالسياسة السياسوية، تكون المحطة أخطأت الطريق مرة أخرى.
لننتظر ونرى، فهناك ما يكفي من الوقائع والمؤشرات التي تجعل الناخبين يحكمون على مصداقية التجربة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى