الرئيسية

مال سهل

شامة درشول
أصاب بالذهول حين ألتقي بشباب في العشرينات والثلاثينات، حصلوا على التعليم، يتوفرون على عمل مستقر وراتب جيد، لكنهم لا يملكون الجرأة من أجل المغامرة في سبيل مال سريع يأتيهم من الاتجار في كل ما هو ممنوع، لذلك اختاروا الطريق الأسهل من أجل مال سهل، ذاك المال الذي يجدونه في جيوب سيدات يحاول هؤلاء بيع أجسادهم لهن.
كنت دوما أسمع عن هذه الفئة من «الرجال»، وهذه النوعية من النساء التي تقبل أن «تشتري رجلا»، لكن لم يحدث أن التقيت لا بهذه الفئة ولا بتلك النوعية، إلى أن انضممت إلى أحد أندية الرياضة، اخترت أن يكون لي مدرب خاص، أقضي ساعة في التدريب وأغادر، أمضيت أسابيع قبل أن أقرر أن أغادر هذه المرة وألا أعود أبدا، لكني غادرت وفي ذهني سؤال «إذا كان هؤلاء النسوة اللواتي يبحثن عن شاب لهن دوافعهن، فما الذي يجعل شابا يملك عملا وراتبا وزوجة وأطفالا أن يقبل بيع جسده كأي بائعة هوى مقابل مال سهل؟».
أسررت لصديقة لي، وقلت لها إني أريد أن أنضم لناد رياضي بأحد الفنادق، فأخبرتني أن أتوقف عن ارتياد الأندية الرياضية الفخمة لأني سأجد بها شبابا من العينة نفسها، مدربين رياضيين يتوددون لعضوات النادي سواء كن شابات، أو متقدمات في السن، متزوجات أو مطلقات أو أرامل، لا يهم، كل ما يهمهم أنهم يرون في هؤلاء النسوة مصدرا للحصول على المال السهل، وإن لم يكن مالا تكون خدمات ما، يراد الحصول عليها «فابور»، المهم أن يحصل من المرأة على شيء.
ما وصفته صديقتي، وبدقة، هو ما حدث فعلا، وهو ما جعلني أغادر بدون رجعة، اعتقدت أنها حالة استثنائية تنتشر بين مدربي هذا النوع من النوادي، قبل أن أكتشف أنها حالة تكاد تكون عامة، تنتشر بين «ولاد ليوم»، فازداد التساؤل في داخلي «ما الذي يدفع شابا له عمل وراتب إلى طرق جيب النساء من أجل الحصول على مال سهل؟».
أخذني السؤال، وحاولت أن أجد له تفسيرا غير ذاك التفسير الذي يحيلك على أن هذا التصرف من هذه الفئة من الشباب هو مجرد سلوك جشع، أو مظهر من مظاهر انهيار القيم والأخلاق، لذلك عدت إلى العلاقة التي تجمع الرجل بالمرأة في مجتمعنا، الرجل قبل أن يولد تكون والدته حين كانت فتاة وامرأة، مارست نوعا من الاضطهاد على الرجل، ذاك الاضطهاد الذي يفرضه المجتمع في كل العالم وليس فقط في المغرب «الرجل ماله، والمرأة جمالها»، عملية المقايضة هاته، والمساومة، تم توارثها عبر التاريخ، ولا تزال مصرة على البقاء، ولم تغير فيها المدنية شيئا، يولد الرجل طفلا من رحم امرأة سبق وقايضت، ومن صلب رجل سبق وساوم، ويكبر الطفل في بيئة مجتمع يتقبل هذا النوع من التجارة، بعض التجار أسبغوه بالحب والمشاعر، وآخرون فضلوا أن يلبسوه رداء العقل، لكن كليهما قبل أن تقوم العلاقة بين الرجل والمرأة على المقايضة والمساومة، وربما الرجال لا يعرفون مدى التأثير النفسي السلبي الذي ترك في أنفسهم حين منعوا فجأة وهم أطفال من ارتياد حمام النساء، وبعده من مجتمع النساء، كان الانفصال عن الأم، وإجبارهم على مغادرة العالم الذي تنتمي إليه، كضريبة على أن يصبحوا رجالا. لم يتوقف الأمر هنا، فقد كان عليهم وهم مراهقون أن يمروا من عالم نساء جديد، حين كانوا أطفالا كانوا مدللين في عالم النساء، وحين كبروا قليلا نبذوا منه إلى عالم نساء عليهم هذه المرة أن يتوددوا إلى صاحباته، وأن يحافظوا على مشاعرهم بعيدا عن النبذ والرفض.
لم يتوقف ترحال الرجل بين عوالم النساء هنا، بل كان عليه ولا يزال أن يمر إلى عالم نسائي آخر، وهو تلك المرأة التي سيمارس معها هذا الرجل وهو صغير السن الجنس لأول مرة، في مجتمع مثل مجتمعنا، غالبا ما تكون هذه المرأة تكبره سنا، وتعمل في مجال البغاء، بعبارة أخرى كان على الرجل أن يدفع المال ليحصل على ما يريد، ووجد نفسه مجبرا كل مرة أن يدفع للمرأة المال، دخل الرجل العالم الذي يجمع بينه وبين المرأة، عالم المقايضة والمساومة، دون أن يخبره أحد أنه سينتقل من مرحلة التدليل إلى مرحلة الدفع.
هل هؤلاء الشباب الذين يملكون عملا وراتبا ومع ذلك يعرضون أجسامهم للنساء من أجل المال السهل، مدفوعون بانتقام نحو كل ما هو امرأة وجعلها تدفع كما دفع آباؤهم من قبل وهم أيضا؟ لا أعرف، لكن ما أعرفه جيدا هو أن أي تشخيص نقوم به للعلاقة التي تجمع بين المرأة والرجل لا يتضمن مبدأ المقايضة والمساومة، هو تشخيص لن يوقف أصحاب «المال السهل» عن التكاثر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى