سري للغاية

محمد الأبيض : مسؤولون مغاربة سابقون كانوا يرسلون هدايا سرّا عبر صندوق السفارة

حاوره: يونس جنوحي
توقفنا عند مصدرك الليبي الذي طلب الحصول على الجنسية المغربية.
+كان هذا الدكتور أبو فؤاد، وهي الكنية التي ألقبه بها في التقارير المرفوعة من السفارة في روما، يعاني من ضغوط كبيرة في ليبيا وأراد الترتيب لمغادرة البلد والابتعاد عن القذافي. وبالمقابل لم يكن هذا الأخير يشك في ولائه، في حين في الحقيقة كان يزودني بمعلومات مهمة جدا عن تحركات شخصيات ليبية مرموقة، وما الذي كان يدور بالضبط في قصر القذافي بالإضافة إلى علاقات سياسيين ليبيين بنظام الهواري بومدين. وطبعا كان هذا بمقابل مادي، وكنا أسخياء معه..

كم استمر تعاملك معه؟
+لا أستطيع تحديد المدة لكنها كانت ما بين 1973 و1977. وقعت أحداث مهمة في هذا الوقت وغادرت الخارجية والتعاون مع المخابرات إلى أن أجبرني الجنرال الدليمي على العودة بعد انقطاع دام ستة أشهر فقط. وهذا المصدر عرفته خلال هذه المدة.

سنعود إلى تفاصيل مغادرتك للخارجية لستة أشهر.. لماذا لم يحصل مصدرك على الجنسية المغربية؟
+نقلتُ طلبه إلى الجنرال الدليمي الذي كان يثني عليه كثيرا وكان يقول لي “لا تفرط في هذا المصدر فالمعلومات التي يقدمها لك مهمة جدا”. وشرحت له أن القذافي يتحكم فيه كثيرا ويمنعه من السفر إلى خارج ليبيا رفقة أسرته ويفرض عليه قيودا كثيرة، إذ كان يسافر هو أولا، وعندما يعود إلى ليبيا يسمح القذافي لزوجته وأبنائه بالسفر لقضاء عطلتهم ويمنع على الأسرة منعا كليا مغادرة البلاد معا، دائما يحتفظ إما بالأبناء أو الزوج ضمانة.
استمر إلحاحه عليّ في روما لكي يحصل على اللجوء في المغرب مع أسرته، وطلب مني أن أفاتح الجنرال الدليمي في موضوع الجنسية المغربية ونقلت طلبه أكثر من مرة لكن لم تكن هناك استجابة.

هل كان الرفض لاحترازات أمنية.. يعني يمكن أن يكون الرجل عميلا مزدوجا؟
+لم يكن هذا هو السبب. المعلومات التي قدمها لنا كانت في غاية الأهمية على كل حال ولم نتعامل معه إلا بعد التأكد فعلا من أنه يريد التعاون.
كنت ألتقيه رفقة شخصيات أخرى في الفنادق وكنت أحرص على حضور السهرات لكي أحصل على معلومات بخصوص شخصيات عربية مرموقة كانت تتردد على روما كثيرا.
وبفضله تعرفت على شخصيات عربية، بينهم لبنانيون وسعوديون، وكانوا خلال تلك السهرات يبوحون بكثير من الأسرار. كانوا يعتقدون أنني موظف في السفارة ولم يكونوا بطبيعة الحال يعلمون أنني أتعاون مع المخابرات المغربية.
وعندما أدرك أن موضوع لجوئه إلى المغرب لم يتم التعامل معه باهتمام، اختفى وانتهت علاقتي به. ولم يعد يظهر في إيطاليا. ولا أدري في الحقيقة ماذا حل به اليوم وما إن كان من ضحايا نظام القذافي أم أنه هرب مع أسرته إلى بلد آخر.

وكيف كنت توفق بين العمل الدبلوماسي وكل هذه المهام؟
+هذا الأمر خلق لي مشاكل كثيرة في السفارة، خصوصا وأن الجنرال الدليمي كان دائما يطلب مني التعاون مع الجهاز والاحتفاظ بصفتي الدبلوماسية في الوقت نفسه.
هذا الأمر جرّ عليّ خلافات مع السفير المغربي في روما، وبعض موظفي السفارة أيضا، خصوصا عندما كنت أسافر لهذه المهام إلى الحدود التونسية- الليبية أو إلى الرباط لنقل الحقيبة الدبلوماسية.
لكن ما جرّ عليّ المشاكل بصورة أكبر كان هو تكليفي بالحقيبة الدبلوماسية وأيضا بصندوق الأمانات، إذ اكتشفت أن بعض الشخصيات المقربة وقتها من الملك الراحل الحسن الثاني تستغل هذا الصندوق للتوصل بهدايا قيمة من شخصيات مغربية في الخارج.

وضح لي هذا الأمر أكثر..
+مثلا وجدت مرة أن الطرد الذي وصل إلى السفارة مكتوب فوقه «إلى جلالة الملك الحسن الثاني»، باللغة الفرنسية. وطبعا في السفارة، إذا كانت الأغراض موجهة إلى القصر الملكي في الرباط فإنها تحظى بعناية قصوى، ويخاف كل الموظفين المكلفين بمعاينتها.
وأنا كان لدي الهاجس الأمني بصورة أكبر. وعندما تكررت تلك الطرود، وقد كنت مكلفا بها وتدخل في صميم عملي بالسفارة، قررت أن أقوم بفتحها، خصوصا وأنه كانت لدي معلومات بأن محتوى أحدها لم يكن موجها لجلالة الملك. وفعلا قمت مرة بفتح الطرد ووجدت أنه يحتوي على أقمصة من النوع الرفيع وأحذية وجوارب من دور أزياء مرموقة جدا، وأيقنت أن جلالة الملك لا يقتني ملابسه من هذه الماركات. وعندما دققت في الموضوع توصلت إلى معلومات مفادها أن الطرد موجه بالضبط إلى مدير الكتابة الخاصة للملك الحسن الثاني، السيد عبد الفتاح فرج.

كيف تأكدت بأنه لمدير الكتابة الخاصة؟
+تحريت عن الموضوع، وهناك من أخبرني بالحقيقة وكيف تتم هذه العملية. كان يتم استغلال الطرد الذي يغادر السفارة بانتظام لكي يمرر بعض الشخصيات هداياهم النفيسة بدون مرورها عبر مصالح الضرائب والتفتيش الجمركي.

هل أخبرت السفير بالموضوع؟
+لم أخبر أحدا. أغلقت الطرد ووضعته في الخزانة وأغلقت عليه. وبعد مضي أسابيع بدأت الاتصالات تأتي من الرباط إلى السفارة مستفسرة عن الطرد وما إن كان هناك خطأ في الإرسال، وعندما أحيلت المكالمة عليّ أخبرتهم بشكل مباشر أنني صادرت الطرد لأنه ليس موجها إلى جلالة الملك ولا يمكنني السماح بإرساله. وهذا الأمر تسبب في تشنج في علاقتي بالسفير لأنه لم يكن يريد مشاكل مع محيط الملك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى