شوف تشوف

الرأي

نجاح سياسي وأمني وإخفاق إرهابي

إضافة إلى كونه يرسخ قناعة أن المغرب يوجد في دائرة الاستهداف الإرهابي، فإن لجوء تنظيم «داعش» إلى الاستعانة بمقاتلين ميدانيين لتنفيذ هجمات داخل المغرب، يكشف في مقدمة الاستخلاصات فشل تجارب الاستقطاب المحلي، في ضوء تضييق الخناق على عمليات ترحيل المحاربين المحتملين، وتفكيك أكبر قدر ممكن من الشبكات الحاضنة والموالية التي انخرطت في المشروع الإرهابي الخطير.
راهن تنظيم «داعش» كما «القاعدة» من قبله، على زرع بذور الفتن الأمنية وسوء الشحن الفكري، عبر وسائل عديدة، شملت «التطوع باسم الجهاد» والاستقطاب عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ومحاولات نقل تجارب «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» بالأسلوب والمنهجية نفسيهما إلى داخل المغرب. كما جرب أشكال الانتساب الجماعي والفردي، من دون جدوى. من جهة لأن المغرب يتوفر على مناعة فكرية وسياسية تقيه من شرور عدوى الإرهاب والانفلات، ومن جهة ثانية لأن إصرار التنظيمات الإرهابية بمختلف أسمائها وأشكالها على اختراق الجدار المغربي السميك، يقابله رصيد هائل من اليقظة والحذر والوعي، ما يجعل البلاد في مأمن، على رغم توالي المحاولات واستنساخ الأساليب.
لعل المناخ الجيو- سياسي الذي يعيش المغرب في كنفه، يأتي في طليعة الحواجز التي تحد من محاولات إقحامه في دائرة العنف وعدم الاستقرار. وحيث تكون المشاركة السياسية مشاعة، ويفتح الباب الديمقراطي أمام الحوار والنقاش حول مختلف القضايا الراهنة، تنعدم فرص استيطان الظاهرة الإرهابية. ينضاف إلى ذلك اعتماد معالجات موضوعية بمقاربات شاملة، يتكامل ضمنها ما هو أمني وسياسي وروحي واجتماعي.
اللافت أن الظاهرة الإرهابية، على رغم أنها عابرة للحدود والقارات وذات أبعاد دولية، فإن حدتها تبدو أقل في البلدان الديمقراطية. إنها تتعرض لهجمات وأعمال عنف، إلا أن المتورطين فيها غالبا ما يصنفون في خانة فئات هامشية تأثرت بالاستقطاب والشحن العاطفي. وليس مرد ذلك أن الإرهاب يأتي من خارج حدودها وقوانينها وقيمها، فالأصل في تنامي الظاهرة أنها صنفت المجتمعات إلى «ديار كفر» و«ديار إسلام» وإنما يصبح النموذج الذي تمثله هدفا. فقد ظهرت في العالم الغربي نفسه حركات إرهابية وراديكالية، إلا أنها لم تصل إلى مستوى تدويل العنف كما في حالة التنظيمات الإرهابية التي تتدثر برداء ديني مغلوط ومضلل. أي أن الإرهاب الذي يعرفه الغرب يختلف إلى حد ما في خلفياته وآلياته ونسقه عن ذلك الذي تمثله التنظيمات التي استوطنت في بؤر التوتر العربية.
هذا التفريخ غير المسبوق بأعداد التنظيمات الإرهابية وتنوع أسمائها ومواصفاتها وعناوينها وأساليب عنفها، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أنها تستهدف قيم الانفتاح والتعايش، والحرب عليها تبدأ بالضرورة من الالتزام بهذه المقومات، لأن الأمر يخص مجالا من الصراع الحضاري بين التقدم والتخلف. وبين السلم والتعايش والعنف والتعصب. وإذ يمضي المغرب على هدي من رهانه الديمقراطي وانفتاحه الاجتماعي، يمثل هدفا منتقى للتنظيمات التي تدين بغير هذه القيم.
من المؤسف الذي يدمي القلوب أن يتساءل أشقاء في الدين واللغة والمصير عن أسباب عدم حدوث اختراق لـ«داعش» داخل المغرب. متناسين أن من أسباب ذلك الوضع المتميز للتجربة المغربية روحيا وسياسيا وثقافيا، فضلا عن قيام المصالح المختصة بجهود مضاعفة لإحباط كافة المحاولات، وإن تعددت أساليبها وأدواتها. غير أن تفكيك خلية الثاني والعشرين من الشهر الجاري، أبان عن لجوء تنظيم «داعش» إلى تغيير طرائق الاستهداف. وبالقدر الذي خلفت فيه المبادرة الاستباقية المغربية صدى إيجابيا في العالم، يراهن التنظيم ذاته على جذب المغرب إلى معتركه الدامي، بعد أن تلقى المزيد من الضربات في كل مرة يحاول فيها أن يطل برأسه البشع.
عندما تنتقل التهديدات إلى مجال التنفيذ، يؤشر الموضوع على درجة السرعة التي أقرها تنظيم «داعش» لتطويق إخفاقاته المتكررة. وما من شك فإن المنتسبين إليه من المغاربة يقفون وراء هذا التصعيد الذي يعكس مستويات اليأس والإحباط. وإذ تشير التحريات إلى أن أعدادا من هؤلاء إما من المعتقلين السابقين أو المطلوبين للعدالة، فإن الأمر يوضح بجلاء أن اعتقالهم وقضاء فترات محكوميتهم استند إلى أفعال، ولا تعني ظاهرة «العود» أي اقتراف الأفعال نفسها التي يعاقب عليها القانون، سوى أن التهديدات متواصلة.
لكن تنظيم «داعش» وقد أدرك استحالة قيام أي اختراق بأياد مغربية، لجأ إلى طريقة جديدة تكمن في إعداد الظروف لإبقاء مقاتلين محتملين بجوازات سفر أجنبية، مزورة أو حقيقية لإشاعة نوع من الالتباس. ويفرض الحذر المطلوب استمرار الزخم نفسه الذي مكن المغرب من إحباط كثير من المحاولات. وطالما أن المقاتلين المحتملين ينتسبون لبلدان عربية وغربية، فإن درجة الاحتراز ترتفع.
من المفارقات أن المغرب يعمل من أجل تصدير الفكر الوسطي المعتدل، بينما التنظيمات الإرهابية تحاول تصدير القنابل الموقوتة. وإن لم يكن هذا وحده كافيا لتأجيج غضب وانزعاج المتطرفين، فما بالنا بتكريس خيار الديمقراطية والتعايش والتسامح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى