شوف تشوف

الرأي

هل يتخلى الرئيس الروسي عن حليفه السوري؟

تتحول موسكو، وبشكل متسارع، إلى «قبلة» للمسؤولين الشرق أوسطيين، والعرب منهم خاصة، في وقت يتراجع دور واشنطن ومكانتها في المنطقة، بعد عقود من الهيمنة والتدخلات العسكرية والسياسية.
ثلاثة زعماء عرب يتواجدون حاليا في روسيا، ضيوفا أعزاء على الرئيس فلاديمير بوتين على هامش فعاليات معرض الفضاء والطيران الروسي «ماكس 2015»، يتقدمهم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (ثلاث زيارات في عام)، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني (13 زيارة منذ توليه العرش)، وولي عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى لقواتها المسلحة الشيخ محمد بن زايد، ومن المتوقع أن يلحق بهم العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز قريبا.
الهدف من هذا الهجوم العربي على موسكو يمكن تلخيصه في أمرين أساسيين: الأول هو توقيع صفقات أسلحة روسية متقدمة خاصة صواريخ مضادة للطيران من طراز إس 300، وإس 400 المطورة، وطائرات حربية، ومفاعلات نووية، والثاني محاولة إيجاد حلول للأزمة السورية حيث تلعب موسكو دورا محوريا في هذا المضمار.
ولا يمكن إغفال عامل ثالث لا يقل أهمية وهو النفط الذي يعتبر أحد أبرز القواسم المشتركة بين موسكو ودول الشرق الأوسط، حيث تتربع روسيا حاليا على عرش الدول الأكثر تصديرا، واحتياطا، للغاز في العالم.
روسيا غابت عن الشرق الأوسط لأكثر من عقدين، وتراجع نفوذها فيه إلى حدوده الدنيا، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، ومرورها بفترة انتقالية صعبة سادها الفساد والفوضى، بسبب رئيس عميل للغرب (غورباتشوف) وآخر سكيّر (يلتسين) لم يفق من السكر إلا من أجل العودة إليه، واستغل بعض الصهاينة وضعه هذا لنهب ثروات البلاد، وإطلاق يد المحافظين الجدد الأمريكان وحروبهم في المنطقة.
الرئيس بوتين أعاد لروسيا كرامتها كقوة عظمى، ودورها في السياسة الدولية، مثلما أعادها إلى الشرق الأوسط من بوابة دعم حلفائه، والتصدي للنفوذ الأمريكي، وإقامة علاقات مع قادة المنطقة قائمة على الاحترام والمصالح المتبادلة، فكسب احترام معظمهم، إن لم يكن كلهم.
الحكومة الروسية تعرضت لخديعة كبرى في ليبيا عندما استخدمت أمريكا قرارا صدر في غفلة عن مجلس الأمن الدولي لغزو هذا البلد العربي، وتوفير الغطاء القانوني لتدخل حلف الناتو وطائراته فيه، وتحويله إلى دولة فاشلة، ومقتل عشرات الآلاف من أبنائه، بعد التلاعب بصياغته بطريقة غامضة، بحيث يمكن تفسيره بما يخدم هذا التدخل، وكانت هذه الخديعة بداية صحوة روسية، ومشروع انتقام من أمريكا في المنطقة.
الأمر المؤكد أن معظم الزوار العرب لموسكو سيمارسون ضغوطا كبيرة، مرفقة بمغريات مالية أكبر، من أجل إقناع المضيف بوتين بالتخلي عن الرئيس السوري بشار الأسد، وشطب أي دور له في مستقبل سورية، ولكن نجاح هذه الضغوط يظل موضع شك بالنظر إلى الموقف الروسي الصلب في هذا الإطار، ولعل «التوبيخ» الدبلوماسي الذي تعرض له السيد عادل الجبير وزير الخارجية السعودي على يد نظيره الروسي سيرغي لافروف قبل ثلاثة أسابيع في مؤتمر صحافي مشترك أثناء زيارته لموسكو، هو أحد الأدلة التي تدعم ما تقدم.
الوزير السعودي خرج عن الأعراف الدبلوماسية عندما أكد في حضور نظيره الروسي أنه لا يوجد مكان للرئيس السوري في مستقبل سورية لأنه جزء من الأزمة، وبالتالي لا يجب أن يكون جزءا من حلها، فجاء الرد الروسي صادما بإعادة التأكيد على أن مستقبل الرئيس السوري يحدده الشعب السوري، وأن النظام لاعب رئيسي في أي حرب على الإرهاب في المنطقة، وتمتم الوزير لافروف بكلام مهين عن السعودية وانشغل عن ضيفه السعودي بمتابعة بريده الإلكتروني على هاتفه النقال.
لا نعتقد أن الزوار العرب الثلاثة، يختلفون كثيرا مع وجهة نظر موسكو في الملف السوري، فالعلاقات المصرية السورية في تطور متصاعد، ولا نستبعد أن يكون استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بات وشيكا، وهناك تقارير تروج لها المعارضة السورية عن وصول أسلحة مصرية تستخدمها السلطات السورية ضدها، والسيد وليد المعلم وزير الخارجية السوري تحدث في مقابلة صحافية مع صحيفة مصرية، هي الأولى من نوعها منذ سنوات، عن تعاون أمني بين البلدين، والشيء نفسه يقال أيضا عن الضيفين الآخرين العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، وولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد، فالسفارة السورية مفتوحة على مصراعيها في عاصمة البلدين، والاتصالات السرية تتواصل مع السلطات السورية.
الحرب على «الدولة الاسلامية» ربما تقرب بين موسكو ودول الضيوف الثلاثة، ولعل التحالف الرباعي الذي طرحة الرئيس بوتين، ويضم السعودية والأردن وتركيا وسورية سيكون النقطة الأهم على مائدة المفاوضات، فالكل مستهدف، ويخشى من أخطارها على نظامه وأمن بلاده.
روسيا بوتين تعود إلى المنطقة بقوة عبر البوابتين السورية، والمصرية، وتعزز هذه العودة بصفقات أسلحة حديثة ومتطورة غير منزوعة الدسم، ومنزهة من أي عمليات «ابتزاز»، وأي شروط سياسية بدعم اسرائيل والحفاظ على تفوقها العسكري في المنطقة، مثلما هو الحال مع الأسلحة الأمريكية.
الرئيس بوتين فرض نفسه واحترامه على العالم بأسره بقوته وشجاعته وإيمانه ببلاده وعزتها ومكانتها، وتحدى الهيمنة الأمريكية، وليت القادة العرب الزائرين الحاليين أو اللاحقين، يتعلمون منه، ويستفيدون من تجربته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى