شوف تشوف

الافتتاحية

وضع غير صحي

أول ما يتبادر إلى الذهن في أزمة أساتذة أطر الأكاديميات ومثيلاتها من الاحتجاجات الفئوية، هو سؤال أين تبخرت الأحزاب والنقابات والبرلمان ومؤسسات الوساطة، وهي أركان أساسية في أي واقع سياسي حقيقي ينشد بناء دولة الحق والقانون.
إن أغرب ما في هذا الأمر أن يتساءل المواطن، حول أزمة تهم 100 ألف رجل تعليم، أين ذهبت النقابات المهنية؟ لماذا تختفي المؤسسات الوسيطة التي تحصل سنويا على دعم عمومي بالملايين، مقابل التأطير والتمثيل ولعب دور الوساطة والبارشوك؟
لا شك أن الأحزاب تقف موقف المتفرج الذي ينتظر الطرف الرابح للركوب على قضيته، فتلك هواية أصبحت معلومة بالضرورة. أما النقابات فحدث ولا حرج، فهذه الكائنات لا ندري أين يمكن تصنيفها، فلم يعد لها أثر يذكر على سير النظام الاجتماعي وأصبح أكبر همها وأبلغ هدف لها هو البحث عن التفرغ النقابي والترقيات وتسوية ملفات الالتحاق بالأزواج، فيما استقالت من القضايا الوطنية الكبرى التي كانت للنقابات فيها الكلمة الفصل عندما كانت النقابات نقابات والنقابيون نقابيين.
وأمام هزالة العمل النقابي والحزبي في البلاد، وجدت الطبقة الهشة والفئات المهنية نفسها تتلقى ضربات تلو الأخرى جراء قرارات مستفزة إلى أن ضاق بها الحال وخرجت إلى الشارع للاحتجاج، دون أن تجد وسائط مؤسساتية تمثل الدفاع عن مصالحها ومطالبها في الحوار مع المؤسسات الحكومية المعنية، فغياب مؤسسات الوساطة والمعارضة الفعالة في البرلمان يعني تشجيع الحكومات على اتخاذ عدد من القرارات التي تعارض مصلحة الموظفين والعاملين.
وفي تقديرنا فإن أخطر ما تعرض له المناخ السياسي المغربي في السنوات الأخيرة هو الغيابات المتكررة للأحزاب والنقابات المهنية عن الأحداث الاجتماعية الفاصلة، وإذا كان من السهل أن نعرف أسباب غياب الأحزاب والنقابات بفعل شيخوخة قادتها وتحويلهم تلك الإطارات إلى ملكية محفظة وغياب الديمقراطية الداخلية، فإننا لا نتفق مع هؤلاء الذين يحملون التنسيقيات مسؤولية كل شيء خاصة إذا كانت الصورة أمامنا تعكس واقع العمل النقابي بكل جوانب القصور فيه.
صحيح أن التنسيقيات ليست مؤسسات قانونية، ولا يمكن جعلها مخاطبا موثوقا في لقاءات رسمية تترتب عنها قرارات ملزمة فيما لا تتوفر على الشرعية القانونية، لكن ما يجعل التنسيقيات تفرض سطوتها الواقعية هو غياب الوسائط التي أصبحت لا ترى بالعين المجردة.
إن انتشار ظاهرة التنسيقيات دليل على إفلاس السياسي والنقابي وانفجار البارشوك الذي يحمي الدولة من الاصطدام مباشرة بالشارع.
وهو وضع يجب تصحيحه بسرعة لأنه وضع غير صحي تماما.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى