الرأي

أساطير كورونا ـ الأساطير الدينية (3)

بقلم: خالص جلبي
لعله لم تنكشف عورة الأساطير الدينية كما كشفت مع زحف الكورونا حول العالم، حيث تجاوزت الإصابات مع مطلع أبريل (بدون كذبة) ما فوق المليون، ومات كالعادة خمسة بالمائة من المصابين، وتعافى أقل من الثلث. وفي جو مشبع بالإشاعات والجنون والكذب والترهات يبدو التفسير الديني عند البعض شاهدا على الغرق في مستنقع الخرافة؛ وظهر معشر الفقهاء في موقف يثير الشفقة والضحك؛ بين من يلعق قضبان قبر الحسين، وربما ـ أي رأس الحسين رضي الله عنه ـ له عشرات المواضع من القاهرة حتى كربلاء، ويبدو أن رأسه تفرق في عشرات الأمصار، وكذلك قبور بنات النبي (ص)، حتى عثروا على قبر رقية رضي الله عنها في داريا من ضواحي دمشق، أو ابتنوا منطقة هائلة سموها ست زينب خارج دمشق، يتمركز فيها حاليا الآلاف من الحرس الثوري الإيراني، ومن اسمها أي (زينب) دربوا ميليشيات مسلحة لقتل أولاد يزيد ـ بزعمهم ـ في الغوطة وحوران، أما مفتي السعودية فقد خرج ليتكلم مع المذيع فلم نفقه عليه شيئا مما يقول، وجعله المذيع موضعا للضحك والتندر، وبدأ الناس في تناقل المقابلة.
وهناك شيخ معمم نقل بكل خشوع عن طبيب كبير في كربلاء ـ قال: لو أردتم أعطيتكم اسمه كذا؟ـ أن الأحذية في مقر قبر الحسين ليس فيها ميكروبات؛ فإذا ابتعدت عن المقر ولدت فيها الميكروبات، أو الآخر الذي يقسم أن المكان (طاهر مطهر) فيهيج القوم ويزعقون ويلعقون القضبان (المقدسة كذا)، وآخر يقول دعنا ننشر الفيروسات لقتل كمية أكبر من الناس، لأنه زمن خروج المهدي من السرداب.
على كل حال سقطت كميات كفاية من جثث الإيرانيين على استحياء، وتستر من النظام في أرقام فظيعة من الإصابات. وفي حفلات من الجنون الكامل يلطم القوم صدورهم كالغوريلات ومنشدهم يزعق بحنجرة مدوية: من كان عنده علي لا يدخل المسشفى، والقوم يزعقون خلفه ويصرخون مثل طرزان في الغابات. وهكذا يمكن تدشين أعظم الكذبات تحت اسم الله والنبي وآل البيت. وهل يستطيع أحد أو يتجرأ أن يعترض، لأن الذي كان يوجه الناس كان يحملق في الوجوه ويقول: هل من معترض؟ والويل لمن يقف في وجه الدهماء ليقول لا، إذا لقالوا نجعلهم تحت أقدامنا ليكون من الأسفلين.
أما الشيخ المصري (من السنة) الذي عرف نفسه، أنه الطبيب الذي يداوي فأوصى بأن لا يعزل إلا من ظهرت عليه علامات المرض، ولم يقل لنا ماذا سيحدث عندما ينقل المرض ممن لا يشعر به وهو يحمله، ويبدأ الناس في التساقط والنظام الصحي في الانهيار. وأكد صاحبنا أنه فيروس مصنع، والقرآن يعلمنا مبدأ هاما: ما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين. ومما نقلت لي ابنتي عفراء في مونتريال عن السر في أن ألمانيا لم تنهار كما حدث مع إسبانيا وإيطاليا؛ أنه يعود إلى نظام الفحص للتأكد من حمل الفيروس والإصابة به (يطبق يوميا على نصف مليون إنسان) ولو لم تظهر الأعراض؛ فهنا هو جوهر المشكلة التي غفل عنها الواعظ المصري (الطبيب كذا)؛ لأن كل المشكلة فيمن ينقل ولا يشعر إلا بعد فوات الأوان؛ وصهري في مونتريال له صديق يهودي (جاك) وهو شديد التدين، فقام بالاستهتار بهذه القاعدة هو ومجموعة من أمثاله من اليهود المتدينين فكانوا حريصين على إقامة الطقوس الدينية مشتركين، فاحتفلوا سوية فرجع وقد حمل الفيروس لينقله بدوره إلى زوجته وابنته؛ التي قادت إلى انهيار زوجته؛ ليتم نقلها على جناح السرعة إلى المشفى اليهودي في مونتريال، بعد أن ظهر عليها الاختناق التنفسي! ولتوضع تحت أجهزة التنفس الصناعي.
ولإنارة القارئ عن عالم الفيروسات العجيب، ولماذا يختنق مصاب الكورونا داخليا مع وجود الرئتين؛ فكما كان الحال من التخصصات الطبية بين دكتور الأمراض العصبية وأخصائي بأمراض الدم وثالث في الأمراض الجلدية ورابع في الجهاز التنفسي أو أمراض القلب؛ كذلك كان عالم الفيروسات بتخصصات، فمنهم من يضرب الجهاز العصبي فيشل صاحبه؛ أو الدم فينحل كما في الإيبولا، أو الوجه فيحيله إلى ما يشبه سطح القمر وأحيانا العمى بتدمير القرنية كما في الجدري، أو أجهزة الرئة كما في زوجة جاك اليهودي.
وقد أشرت في إحدى المقالات إلى أننا عانينا من ضربة الفيروسات في محيطنا القريب، وكان ذلك في منتصف القرن العشرين، أي جيلنا؛ فنجوت أنا وأصيب أخي، حيث علته الحرارة ليلا، لتكتشف الوالدة في الصباح أن طفلها المدلل لا يحرك ساقيه! ظنت أن الأمر عارض، ولكن مع تتبع سلسلة من الأطباء والمصحات والمشافي أدركت أن عدوا خبيثا يجتاح العالم، وعرف بفيروس شلل الأطفال (البوليو POLIO). ولعدم وجود لقاح فقد أصاب الملايين على امتداد قوس الكرة الأرضية، منهم رئيس أمريكا يومها روزفلت، الذي أعيد انتخابه أربع مرات (قبل أن يقيده الدستور الأمريكي لاحقا بولايتين)، وقاد بلاده وهو مشلول في الحرب العالمية الثانية، قبل أن يموت ويخلفه ترومان، أبو القنبلة الذرية.
وبذلك ندرك أن هذا الفيروس لا دين له ولا يتحزب لأحد كما قال القرآن عن يوم القيامة، إنه لا يقبل من أحد وساطة أو محسوبية أو مال، بل تواجه النفس كينونتها وحيدة منفردة. (واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون)، الآية 48 من سورة البقرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى