حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرئيسيةبانورامامجتمع

أسماء نساء راسخات في شوارع وأزقة المملكة

أجنبيات ساهمن بمجهوداتهن في بناء الوطن

في تاريخ المغرب نساء أجنبيات اخترقن قلوب المغاربة وسكن وجدانهن، لما أسدينه من خدمات إنسانية لهذا الوطن. أغلبهن عابرات تحولن إلى مقيمات دائمات انتهت أجسادهن في جوف تربة هذا البلد، لكن التاريخ خلدهن والجغرافيا احتفت بهن ولو بوضع أسمائهن على شوارع وأزقة بعض مدننا.

إيناس زوجة المقيم العام الفرنسي أوصت بدفنها في المغرب

قضى الجنرال هيبير ليوطي ثلاث عشرة سنة كمقيم عام لفرنسا في المغرب، بينما قضت زوجته إيناس ثماني عشرة سنة في البلد الذي ظلت تصر على تسميته «مسقط القلب»، قبل أن تدفن في تربته في إحدى المقابر المسيحية بالرباط.

اشتغلت إيناس في مجال الطب كأول أخصائية اجتماعية بمستشفيات المغرب، علما أن تكوينها الأساسي هو التمريض، لكنها مزجته بالعمل الإنساني في مصحات كانت وراء تشييدها إلى جانب زوجها المقيم العام، وهي التي جندت مئات الراهبات المتطوعات لخدمة قضايا الصحة. في زمن كان زوجها يقول لحكومة بلده: «اعطوني مائة ممرض لأستغني عن خدمات فيلق عسكري».

في مذكراتها تتحدث إيناس عن نضالها في المجال الطبي، وعن علاجها لكثير من المغاربة البسطاء، وإشرافها عن الراهبات، وعن خادمتها التي ودعتها بدموع حارقة، ومشاعر الحزن التي سيطرت عليها حين ركبت الباخرة رفقة زوجها عائدين إلى فرنسا، هناك أصبحت تعيش في المنفى بعد أن استبد المرض بزوجها.

تقول إيناس في مذكراتها: «فرحت كثيرا أنا وزوجي ليوطي حينما أشعرنا السلطان مولاي يوسف بزيارته الرسمية إلى فرنسا، من أجل تدشين مسجد باريس فقمنا بدعوته وابنه محمد الخامس الذي أصبح ملكا، ولاحظ مولاي يوسف أن الماريشال ليوطي قد أصابه الوهن.

خلف محمد الخامس والده على العرش وظل وفيا لزيارة إيناس وليوطي في فرنسا، في سنة 1934، «كان التعب قد أخذ مأخذه كثيرا من جسم ليوطي بثقل سنوات عمره الاثنين والسبعين، وكعادته في كل العطل الصيفية كان الملك محمد الخامس يقضي بعض الأسابيع بباريس، وكان دائما يزور صديقه ليوطي، وفي بداية شهر يوليوز كان محمد الخامس قد غادر إلى مرسيليا في طريقه للعودة إلى بلده، حينما علم بوفاة المارشال ليوطي فعاد أدراجه ليودع جثمان الرجل الذي أحب المغرب».

بعد انتهاء عملية الدفن عثرت إيناس على وصية كتبها الجنرال لأرملته، وحين تمت قراءتها أمام أفراد الأسرة، فوجئ الجميع بوصية دفنه في المغرب، تبين أن الراحل قد هيأ قبل رحيله قبرين بالمغرب، أحدها له والآخر لزوجته، وفي ثلاثين أكتوبر نقل رماد ليوطي ليدفن في المغرب بحضور إيناس التي قاومت بدورها المرض وظلت ترابط في شقتها الصغيرة».

عندما زار الأمير مولاي الحسن إيناس بشقتها، «جلس طويلا إلى جانب سريرها، وقبل أسابيع من وفاتها وشحها محمد الخامس بالوسام العلوي، حيث تدهورت حالتها الصحية أياما بعد ذلك، لتتوفى في سن التسعين في تاسع فبراير 1953 وتدفن بجانب زوجها الماريشال ليوطي بالرباط في مشهد مؤثر.

في كتاب بعنوان «مستشفى ماري فويي بالرباط»، يخصص الكاتب علي أخضار حيزا لممرضة فرنسية حمل المستشفى العسكري اسمها، من بين عشرات الأطباء والممرضين العاملين في هذا القطاع، خلال فترة الحماية الفرنسية.

عاشت ماري في فترة زمنية دقيقة واكبت تقريبا الحقبة الاستعمارية، كما عاشت الحرب العالمية الأولى ميدانيا. فقد رأت النور في 30 ماي 1864 بمدينة ريتيل الفرنسية، وبعد تخرجها أرسلتها وزارة الصحة الفرنسية إلى مدينة وهران الجزائرية، حيث عينت سنة 1907 ممرضة رئيسة بالمستشفى العسكري لهذه المدينة، بعد مقام لم يتجاوز السنة الواحدة انتقلت رفقة فريق من الممرضات إلى المغرب بقرار من المقيم العام ليوطي، كي تشرف على تأطير مجموعة من الممرضات في مستشفيات المملكة.

في منتصف شهر غشت من السنة نفسها، كانت ماري في طريقها نحو مدينة مكناس، حيث كان لها لقاء تكويني بالمستشفى العسكري للمدينة، وفي طريقها إلى العاصمة الإسماعيلية صادفت أثناء توقفها في مدينة تيفلت انتشار داء الكوليرا وكانت الحرارة جد مفرطة، فقررت أن تنخرط مع الطاقم الطبي للمدينة في حملة بالمنطقة والمداشر لمدة أسبوع على أن تستكمل طريقها في الفترة المسائية، لكنها تعرضت للوباء نفسه ولم تنفع تحذيرات زملائها الأطباء من التوقف عن عمل الإغاثة، إلى أن سقطت، فتم حملها في سيارة إسعاف إلى جانب المرضى إلى مستشفى مكناس العسكري، وبعد ثلاثة أيام توفيت ماري وسط ذهول الجميع.

نقل جثمانها من الرباط إلى الدار البيضاء، ثم إلى فرنسا وتحديدا إلى مقبرة «مونبرناس»، بحضور الرئيس الفرنسي وكبار الشخصيات العسكرية والطبية الفرنسية، وتقرر أن يحمل اسم المستشفى العسكري للرباط اسمها «ماري فويي» والذي أصبح المغاربة يطلقون عليه اختصارا اسم «ماريفي»، كما حمل المستشفى العسكري لوهران اسم هذه الممرضة.

 

مدام لوسيور صانعة الزيوت التي طفت فوق قلوب المغاربة

حل جورج لوسيور بالمغرب في بداية العشرينات، وأسس في الدار البيضاء شركة زيوت المائدة التي تحمل الاسم نفسه، وأصبح رجل أعمال ناجحا بقيادته لمجلس الإدارة وتطوير المصنع الذي حقق أرباحا كبرى. كانت نجلته سيموني لوسيور ساعده الأول، رغم أنها اختارت المصالح الاجتماعية للشركة.

انتدب جورج شابا فرنسيا يدعى جاك لوميكر دوبروي من مواليد سولينك، للإشراف على الشركة، لكن قصة حب جارف جمعته بسيموني نجلة جورج لوسيور فتزوجها عام 1926.

على الرغم من مكانته الاجتماعية ونفوذه المالي، إلا أن جاك ظل مساندا للقضية الوطنية مدعما لحركة المقاومة بأفكاره وماله، مما جعله «عدوا» للمحافظين الفرنسيين الذين اعتبروا وقوفه إلى جانب الطرح المغربي خروجا عن النص.

نالت سيموني تعاطف المغاربة حين قامت ببناء قرية سكنية لعمال الشركة بجوار معملها في عين السبع يتكون من 300 مسكن إضافة إلى مدرسة من بضع حجرات، «وبدون شك فإن جاك لوميكر مدير هذه الشركة المعروف بارتباطه بالحركة الوطنية المغربية قام بدور كبير في هذا الإنجاز»، كما جاء في كتاب «جوانب من ذاكرة كريان سنطرال» للباحث نجيب تقي.

آمن جاك وسيمون بدور الإعلام، فأنشآ سويا صحيفة أغضبت المستعمر الفرنسي، دشن فيها افتتاحياته الجريئة، بمقال حول اغتيال التاجر البيضاوي الطاهر السبتي، أحد أصدقاء جاك لوميكر، في 2 يناير 1955 بطلقتين في الرأس، كان له أثر شديد في نفسيهما، خاصة بعد أن أصبحا مالكين لجريدة «ماروك بريس» في نفس العام، والتي تحولت إلى منبر للفرنسيين الأحرار.

في مساء يوم السبت 11 يونيو 1955، قتل جاك لوميكر قرب مسكنه في عمارة الحرية، بالمكان الذي أصبح يحمل اسمه، تمت تصفيته برصاص فرنسي متطرف، وفي 14 يونيو دفن الرجل في الدار البيضاء بعد مراسيم التأبين بكنيسة «القلب المقدس».

ماري فاندال ملاك في «دار المحاربين»

يعرف قاطنو حي عين الشق عند بنائه في منتصف الأربعينات، قصة السيدة ماري فاندال هذه المرأة الفرنسية التي شغلت مهمة أخصائية اجتماعية في الحي المذكور، حيث كان مقر عملها في بناية أطلق عليها اسم «دار المحاربين» بينما يفضل سكان عين الشق اسم «دار العسكري»، وهي عبارة عن تجمع سكني يقطنه في الطابق العلوي كبار الضباط، بينما يوجد في الطاق السفلي مكتب المساعدة الاجتماعية مدام فاندال التي كانت تنكب على دراسة المشاكل الاجتماعية التي يعاني منها المحاربون المغاربة الذين شاركوا في الحروب إلى جانب الجيش الفرنسي. هذه البناية كانت تصرف فيها خلال الحماية تعويضات قدماء المحاربين. وفي نفس البناية أيضا مكتب لأداء كراء البيوت تابع للشركة الشريفة العقارية المغربية الفرنسية.

قبل أن يشرع المهندسون في وضع تصاميم بناء حي «عين الشوك»، الذي سيحمل في ما بعد اسم «عين الشق»، كان الهم الاجتماعي حاضرا بقوة، كي يستقطب الأسر التي كانت تقطن الأحياء الصفيحية في ابن امسيك وفي هوامش أحياء الشرفاء والطلبة والفقراء، وفئة واسعة من العساكر الذين خدموا الدولة الفرنسية، لذا كان لابد من مؤسسة اجتماعية لرعاية هذه الفئة، في هذا الحي الذي وصفته صحيفة «لوبوتي ماروكان»، في عددها الصادر بتاريخ 9 نونبر 1945، بالمدينة الإسلامية الجديدة.

خصص خمسون سكنا لقدماء المحاربين الذين شاركوا ضمن الجيش الفرنسي في الحرب العالمية الأولى، وهم الذين استفادوا من الشطر الأخير المتاخم لطريق مديونة. وعرف المشروع، حسب الكتابات الصحفية التي واكبت إنجازه، زيارات صحفيين فرنسيين أشادوا بالجوانب الاجتماعية للحي.

ركزت مدام فاندال في عملها اليومي على ملفات قدماء المحاربين وعائلات مفقودي الحروب الفرنسية، وكان همها الأول هم الأطفال حيث تهتم أكثر بدراستهم وتعطي للجانب الصحي مكانة خاصة لاسيما وأن الحي الجديد كان يعيش شبه اكتفاء ذاتي من المرافق الاجتماعية، حيث كان به إضافة إلى البيوت السكنية مسجد كبير وحمام وسوق وصيدلية ومركز صحي ومكتب للبريد وسينما وحديقة ألعاب للأطفال.

ومن المواقف المؤثرة التي حصلت أثناء حفل أقامته السلطات الحاكمة على شرف مجموعة من المهندسين المعماريين الذين أشرفوا على «عين الشق»، حين أخذ الكلمة المهندس المعماري بول بيسلتيل، وقال: «شكرا للعمال المياومين قبل المهندسين، شكرا لكل الذين ساهموا رغم ظروف الحرب في تنزيل مشروع السكن الاقتصادي على أسس صلبة، ولكن لا مستقبل للحي دون نواة اجتماعية صلبة»، موجها كلامه للإخصائية الاجتماعية التي كانت حاضرة.

إيفون جيروفي..صاحبة مكتبة نذرت حياتها لنشر العلم بين المغاربة

في عام 1949 قام زوجان بلجيكيان بفتح مكتبة في مدينة طنجة أصبحت تعرف في المشهد الثقافي بـ «مكتبة الأعمدة»، لم تكن للزوجين علاقة بالكتاب، روبير كان مهندس آثار بينما زوجته إيفون جيروفي مجرد ربة بيت، إلا أن هذه الأخيرة تلقت تدريبا قصيرا لتصبح مديرة هذا المحل، بعد أن استعانت بشقيقتها إيزابيل. لم يكن الزوج مهتما بالمكتبة بل فوض أمر تدبيرها لزوجته وشقيقتها لينشغل بحياة جمع فيها بين الهندسة المعمارية والسهر.

حل الزوجان بمدينة طنجة في بداية الأربعينات، كان لهما دافع آخر لزيارة المدينة عام 1940، إذ جاءها الأخ الأكبر روبير جيروفي معلما في المدرسة الفرنسية العليا «ليسي رونلت»، وعالم آثار وقيم على متحف القصبة داخل أسوار المدينة القديمة. قرر روبير البقاء في طنجة ليستدعي زوجته إيزابيل (اليهودية المجرية)، وأخته إيفون للحاق به والعيش معه، لتبدأ أولى خيوط علاقة الفتاة جيروفي مع روبيرت الذي كان صديق شقيقها وعالم آثاره مثله، توجت العلاقة بالزواج وأصبحت تدير أشهر محل لبيع الكتب الذي سرعان ما تحول إلى صالون أدبي مميز ولافت من حيث الحضور والتوجه ومكانا للمعارض الفنية أيضا.

كان زوج جيروفي بعيدا نسبيا عن المشهد الثقافي، لكن زوجته وشقيقتها حولتا الفضاء إلى منتدى ثقافي، إذ أن مكتبة «كولون» تعد أهم مركز ثقافي في طنجة في الستين عاما الأخيرة. «في هذه المكتبة عمل الروائي أنخيل فازكيز قبل أن يصدر روايته عن طنجة «الحياة الرائعة لخوانا ناربوني». الفنان الشيلي كلوديو برافو عاش في طنجة من 1972 وحتى وفاته في 2011. وإليها ينتمي فنانون وكتاب مغاربة أسهموا في خلق الوهج الثقافي المميز لهذه المدينة: الرسام محمد الحمري، والكتاب محمد شكري وعبد السلام بولعيش والعربي العياشي ومحمد المرابط وأحمد اليعقوبي. وبحسب كاريون تعود الظاهرة التي يمكن تسميتها أسطورة طنجة إلى العام 1947 حين وصل إليها بول بولز. في العام التالي انضمت إليه زوجته جين»، كما يقول خوخي كاريون في «أشهر مكتبات بيع الكتب».

تولت «مدام» جيروفي إدارة المكتبة مدة ربع قرن، ونجحت في إنشاء صندوق لتمويل شراء الكتب بلغات متعددة. ولتشجيع دعم هذا الصندوق قام زوجها روبير بمراسلة صديقه الكاتب الفرنسي أندريه جيد الذي عاش في الجزائر ليساعده في الأمر، كان روبير يطمح من هذا التشجيع أن تتحول المكتبة إلى مساحة يلتقي فيها أدباء العالم على اختلاف جنسياتهم.

في 1976، تقاعدت جيروفي عن خدمة المكتبة، وجاء دور اليهودية مويال لتتسلم مقاليد الإدارة، والحفاظ على الإيقاع الأدبي والجمالي والفني لها، ولكن مويال حولتها إلى أسطورة ورمز للمكتبات لا يمكن تجاوزها في المشهد الثقافي.

لم تغب جيروفي عن أذهان المثقفين في مدينة طنجة، فقد خلدوا اسمها حين أطلقوه على أكثر من ملتقى فكري، بل إن مدرسة خصوصية حملت اسمها.

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى