شوف تشوف

الرأي

أصحاب الكهف

بقلم: خالص جلبي

أرسل إلي أخ فاضل رؤية خاصة في أصحاب الكهف أضعها بين يدي القارئ، ثم يأتي تعليقي على ما ذهب إليه.
قال الصديق: حاولت أن أعيد صورة أهل الكهف وهم أحياء، بعد موتهم بمئات السنين، فوجدت أنهم يتمتعون بالحركة والصوت والأحاسيس، ورغم ذلك أصيبوا بالصدمة وقرروا العودة إلى ماضيهم، بعد أن وجدوا حاضرا وحضارة متطورة تجاوزت قدراتهم المعرفية والعاطفية.
ارتأيت أن المغزى من  قصة أهل الكهف هو :
1ـ أن الموت هو الحياة فلولاه لما كان للتطور استمرارية؛ فالموت أهم من الحياة؛ فالحياة (التطور) تأتي بعد الموت وليس العكس كما نظن.
2ـ رغم عودة أهل الكهف من الموت حركيا؛ فإنهم أموات فكريا وحضاريا؛ فهم يمثلون بالنسبة إلى المجتمعات التي وجدوها مجرد أموات (أشباح)، رغم أنهم أحياء لكون أفكارهم ومعارفهم ولغتهم أصبحت ميتة محنطة وغير قابلة للحياة. (الغربة الفكرية)
3ـ الموت الحقيقي هو الموت الفكري، وعدم القدرة على مسايرة التطور والتغيير والركب الحضاري .
4ـ إن الأفكار الحية والخيال والإبداع هو الذي يجعل الحياة مستمرة، فإذا توقفت كان موت الحضارة والإنسان وشيكا لا محالة.
5ـ كلما ظهرت أفكار وإبداعات جديدة، فإنها تولد بعد هلاك القديمة منها (والميت من الحي).
6- إن موت أهل الكهف وإحياءهم قدرة ربانية قد يكون من وراء هذا النبأ العظيم، مدلول علمي ونظريات، ربما ستجيب عنها العلوم والأبحاث العلمية المقبلة.
من خلال ما ذكر، هل تطور السيرورة الإنسانية الغاية منه البلاء المعرفي، وأن الغاية من الصيرورة هي اكتشاف سنن هذا الكون الفسيح والقضاء فيه كمرحلة للانتقال إلى عالم أكثر ذكاء.
كان تعليقي على هذا الحدث المفرد بسؤال مقابل، فلماذا يفجر شعور الموت عندنا شحنة عالية من القلق والخوف؟ إن الذي يواجه أو يفكر بالموت يتحرك عنده مباشرة شعور قلق الموت، من خلال مزيج من الرؤى والانفعالات لما سيحدث مع أو بعد الموت، من مصير مجهول، أو معاناة ممزوجة بالألم، أو شعور بالتلاشي والذهاب إلى زاوية النسيان؛ فقلق الموت كما رآه الفيلسوف الرواقي إبكتيتوس مرده إلى أفكارنا تجاهه أكثر من حقيقته بالذات؛ وشعور الخوف من الموت أشد من الموت ذاته، بسبب حيرتنا لما سيحدث لنا معه.
يقول الفيلسوف: ليس الموت مفزعا وإلا بدا كذلك لسقراط، لكن الفزع يكمن في مفهومنا عن الموت. أي إن هذا المفهوم هو المفزع، فليس الموت أو الألم هو الشيء المخيف، وإنما خشية الألم أو الموت. فهذا هو لغز الموت الأكبر؛ فلم يرجع أحد فيخبرنا بما عانى وأين رسا مصيره؛ وكل واحد منا يذوق كأس الموت منفردا، منهارا باتجاه السلبية المطلقة، في رحلة أبدية لا عودة منها على الإطلاق إلا يوم القيامة، يخسر فيها حتى شكله الخارجي وقميص البدن، في عملية مروعة تحت التراب في القبر، يتحطم فيها بدون توقف، حتى يتسلمه التراب بالكامل عظاما ورفاتا؛ قد عاد إلى دورة الطبيعة متحللا إلى الذرات الأصلية الأولية؛ فأما الغازات فقد انطلقت إلى السماء تعانق السحب، وأما المعادن فاختلطت بتراب الأرض راجعة من حيث خرجت. هذا القدر طوى البشر، منذ أن دب الإنسان على الأرض؛ فكان مصير 80 مليار من البشر حتى الآن. إن حالة الحزن هي التجمد في الماضي، والخوف هو التجمد في الحاضر نفسيا مما هو قادم أليس كذلك؟ وكلاهما حالة غير سوية في السياق الكوني، كما في التصلب الشرياني؛ فإذا كانت حالة تصلب الشرايين حالة مرضية، فهناك في عالم النفس ما يشبه ذلك من التصلب الروحي.
وإذا كان التصلب الشرياني ذا آثار مأساوية على العضوية، من رفع الضغط وارتخاء القلب وانسداد الشرايين ونزف الدماغ، كذلك في حالة التصلب النفسي أو حالة التجمد في الزمن، من خلال استيلاء شعوري الخوف والحزن على النفس؛ فهي حالة لا تتوافق مع طبيعة الحياة التي تعتمد مبدأ الحركة والتغير الدائمين، فكما أن آليات تشكل مختلف الصور في الحياة هي صورة متدفقة بدون توقف، عبر أشكال لا حصر لها من النبات والحيوان والإنسان، بدءا من البكتيريا وانتهاء بأعقد تشكيلات الحياة الممثلة في الدماغ، كذلك فإن قانون التشكل والنمو يقابله قانون الانحلال والموت، في دورة متكاملة تعيد نفسها بدون توقف، يقنصها الموت وتدفعها الحياة بعنفوانها الهادر، المسيطرة على ساحة الوجود. فالموت هو تلك الظاهرة التي تسبح بين اليقين والصدمة؛ ففيها اليقين من النهاية الحدية التي تسلم الإنسان إلى عالم اللانهاية والأبدية واللاعودة، وفيها الصدمة من عدم إمكانية استيعاب صدمة انهيار عالم بالكامل بشكل مطلق ونهائي وفجائي إلى الصفر.
إن فلسفة إدراك الموت ووعيه الحاد تولد في الشعور الإنساني، من معاصرة ومعاينة فقد الصديق والحبيب. بدأت أنظر إلى المارة والناس بغير العين السابقة وأخاطب نفسي: كلكم أشباح تنتظرون الموت. اسعوا ما تسعون وافرحوا ما شئتم، ففي النهاية سيكون ظل الموت الباكي هو الذي سيغلفكم ولو بعد حين.
إن كل لحظة لنا هي توديع للحياة باتجاه نقطة الموت التي نقترب منها. إننا نكبر مع كل لحظة، ونقترب من الموت لحظة مقابلة؛ فنصغر بنسبتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى