الرأي

أوراق كلينيكس 

زينب بنموسى
ما يحصل حاليا بين مصر وتركيا هو درس تطبيقي بسيط لأبجديات السياسة، عنوانه: عدو اليوم قد يكون صديق الغد، ومفاده أنه في العلاقات الدولية مهما كانت «العداوة ثابتة»، الصواب وقت المصلحة ضروري يكون.
الإيديولوجيات، والشعارات، والهتافات التي يصفق لها غالبا جمهور كبير من السذج الذين ينظرون للحياة بأفلاطونية كلها تختفي حين يتعلق الأمر بالمصالح التجارية والاقتصادية للدول.
تركيا التي تمسّح الإخوان المسلمون بأستار كعبتها طويلا، ورئيسها الذي يصورونه منذ مدة كخليفة عادل لا يظلم عنده أحد وهمه حماية الإسلام والمسلمين، بدأ يتبرأ- كما كان متوقعا- من المعارضين المصريين المختبئين لديه مقابل مصلحة بلده.
منذ بداية القصة، خرج الكثيرون ليذكروا أبناء البنا ومواليهم أن تركيا دولة مصالح، وأن أردوغان لم يحول وجهته نحو الثورات العربية  إلا كي يلعب بها كورقة ضغط أمام الاتحاد الأوروبي الذي فشل في الانضمام إليه، لا حبا فيهم ونصرة لمظلوميتهم كما يظنون لكنهم رفضوا التصديق، إلى أن جاء امتحان المصالح الذي عنده يعز المرء أو يهان.
لكن ومع أن تركيا نجحت في استغلال ورقة الثورات العربية واللاجئين الذين خلفتهم مع الاتحاد الأوروبي، إلا أن خصومها بالمقابل لعبوا ورقة ضغط أقوى عن طريق إنشاء منتدى غاز شرق المتوسط واستثناء أنقرة من حضوره، ما دفع بأردوغان إلى إعادة ترتيب أوراقه ومحاولة التخلص من عداوات لن يكسب منها شيئا والسعي بدل ذلك إلى تحالفات جديدة لا بأس لو ضحى في سبيلها ببعض السمعة الإعلامية إذا كان المقابل هو التخلص من العزلة التي وجد فيها نفسه.
صحيح أن غاز المتوسط هو السبب المباشر الذي يدفع تركيا للتغزل جهرا بمصر، خصوصا بعد نجاح السياسة الإقليمية التي نهجتها القاهرة في ما يخص موارد الطاقة وتحالفها مع اليونان وقبرص وإسرائيل وحتى أوروبا، لكن المحرك الرئيسي الذي يدفع أنقرة للتطبيع مع ما كانت تعتبره بالأمس انقلابا على الشرعية هو وصول الديموقراطي جو بايدن إلى البيت الأبيض والحديث عن إمكانية التفاوض مع إيران حول صيغة جديدة للاتفاق النووي، والمصالحة الخليجية التي حسنت العلاقات بين قطر ومصر ودول الخليج، مقابل خلافات متعددة بين أمريكا وتركيا، ما دفع بهذه الأخيرة إلى اتخاذ قرار التقرب من مصر التي تفرض شروطا واضحة من أجل قبول المصالحة: تسليم المعارضين من الإخوان، وإغلاق قنواتهم التي تهاجم النظام المصري. وهذا ما لم تتردد تركيا طبعا في قبوله.
معتز مطر وأصدقاؤه من الإخوان المسلمين وضعوا أنفسهم اليوم مرة أخرى في موقف لا يحسدون عليه، فبعد حزب النور، والمجلس العسكري، والسيسي، جاء الدور على أردوغان كي يدير لترهاتهم ظهره ويذكرهم أنهم مجرد «ورقة كلينيكس»  ترمى  في القمامة فور أن ينتهي دورها، ولا أحد يستطيع أن يلوم الرجل لأنه استخدم لأجل مصلحة وطنه من استقووا به على وطنهم.
ورغم كل ذلك، وعكس المؤمن الذي يفترض ألا يلدغ من نفس الجحر مرتين، سيبحث معارضو النظام المصري من الإخوان عن ديكتاتور جديد يساندونه ضد بلدهم إلى أن يضحي بهم هو الآخر حين تحكم مصلحة بلده.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى