شوف تشوف

الرأي

إلى أين يتجه الكون

بقلم: خالص جلبي

لتصور الكون وسعته التي تأخذ بالألباب، ليس أفضل من المثل الذي أورده (كارل ساغان) عن عدد النجوم، التي ترصع قبة السماء: «تحتوي حفنة من الرمل على نحو عشر آلاف حبة، أي أكثر من عدد النجوم التي نستطيع رؤيتها بالعين المجردة في ليل صافي الأديم، ولكن عدد النجوم التي يمكننا رؤيتها ليست سوى أصغر جزء من عدد النجوم الموجودة فعلا. وما نراه ليلا هو مجرد عدد قليل متناثر من أقرب النجوم إلينا، في حين أن الكون غني دون حدود. فالعدد الإجمالي للنجوم فيه هو أكبر من كل حبات الرمل في شواطئ كوكب الأرض كلها!».
وحتى نحيل كلام ساغان إلى أرقام فنقول توجد مائة مليار مجرة، وفي كل منها مائة مليار نجم في المعدل، وهكذا يوجد في كل المجرات عدد من النجوم يبلغ تقريبا عشرة مليارات تريليون، أي رقم عشرة مرفوع إلى القوة 22، أي واحد وأمامه 22 صفرا. فتبارك الله أحسن الخالقين.
لا غرابة إذاً أن يقول عالم الفلك الذي يزن كلماته بهذه الرنة الخاشعة: «الكون هو كل موجود وما وجد وما سيوجد، وإن أبسط تأمل لنا في الكون يحرك مشاعرنا فتمر قشعريرة في العمود الفقري، ويخفت الصوت، ويسيطر إحساس بالدوار كما في تذكر الأشياء البعيدة، أو السقوط من شاهق فنحن نعلم أننا نقترب من أعظم الأسرار».
والسؤال: هذه النجوم التي هي شموس متقدة منيرة من أين يأتيها هذا التوقد الذي لا يقف؟ وكم عمر هذا الاشتعال الرهيب الذي تمثل شمسنا نجما متواضعا فيه؟ إذا علمنا أن أحد الشواظات الرهيبة المنطلقة من الشمس وصل مئات الآلاف من الكيلومترات، ما هو نوع الوقود المستعمل؟ وكم ستعمر شمسنا؟ بل وكم عمرت حتى الآن؟ وهل للنجوم أعمار؟ بل وهل للكون عمر مطلق؟ وهل شاخت شمسنا وبلغت أجلها؟ وهل الكون يمشي نحو الانهيار والانحدار؟ كلها أسئلة تأخذ بعضها برقاب بعض، إلا أن الكوسمولوجيا الحديثة ومن خلال الوصول إلى الانفجار العظيم حلت بعض أعظم الأسئلة الكبرى في تاريخ مغامرات العقل الكبرى.
إن معلومات علماء الفلك في الوقت الراهن عن بداية الكون تشبه أفلام الخيال العلمي؛ فالكون حسب وجهة نظرهم، بدأ حيث لم يكن زمان ولا مكان ولا مادة ولا طاقة، وحيث تتعطل قوانين الوجود الرئيسية ليبدأ في التشكل بعدها الزمان والمكان والمادة والطاقة المعروفة بخمسة أشكال، ولتبدأ قوانين الوجود بالعمل بل بالوجود، وحدث كل هذا في جزء من مليار مليار مليار مليار من الثانية (عشرة مرفوعة إلى 36 صفرا)، لتندفع كتلة نارية مروعة في كل الاتجاهات، حيث بدأت الاتجاهات في التشكل! لتتشكل بعدها المجرات ومنها مجرتنا درب التبانة، وكان هذا قبل 13,7 مليار سنة، حسب آخر المعلومات. أما مجرتنا فبدأت في التشكل قبل حوالي ثمانية مليارات عام، وتشكلت الأرض قبل حوالي 4.6 مليارات سنة، وبدأت الحياة على الأرض قبل 3.8 مليارات سنة، أما عديدات الخلايا فبدأت تدب على الأرض قبل 530 مليون سنة، في حين أن الحياة الإنسانية بدأت قبل سبعة ملايين سنة، حسب أحدث الكشوفات. وبدأت الثورة الزراعية قبل عشرة آلاف سنة، أما الحضارة فبدأت في الانطلاق قبل ستة آلاف سنة، في حين أن الكتابة اخترعت قبل خمسة آلاف سنة، وركبت المطبعة قبل 500 عام، واكتشفت الطاقة البخارية قبل 200 عام، واستخدمت الكهرباء قبل 120 سنة، أما الطاقة الذرية فاستخدمت في المجال السلمي قبل 30 سنة فقط، والفيديو والكمبيوتر قبل عقود بسيطة.
إذا كانت هذه هي البانوراما العامة للتطور الكوني فإلى أين يمشي الكون؟
إن استعار النجوم وتوقدها لا يقوم على وقود تقليدي، حيث أدت الأبحاث التي قام بها العالمان (هانس بيته) و(كارل فون فايتسكر) إلى أن يثبتا أن الوقود الذي تستهلكه الشمس هو وقود غير تقليدي، إذ لو استهلكت الشمس ما يعادل كتلتها من الوقود التقليدي لنفد خلال 300 سنة. وهكذا فإن الاحتراق الذي يتم في باطن الشمس هو انفجارات ذرية رهيبة ليست من النوع الانشطاري، بل من النوع الالتحامي، أي التحام ذرات الهيدروجين لإنتاج ذرات هليوم. وهكذا فليس عنصر الهليوم الوحيد الذي نتج من طبخ النجوم عبر الأحقاب، بل تشكلت بقية العناصر مثل الفحم والحديد والسيليكون والأكسجين الخ.
ويرى الكوسمولوجيون بأن هذا الطبخ الرهيب في باطن النجوم كان يولد في كل مرة طاقة تقود إلى اندماج جديد، واستمر هذا حتى رحلة تشكيل الحديد. وأما ما بعد ولادة عنصر الحديد فحدث العكس، أي أن العناصر تشكلت بطاقة خارجية، وهكذا تشكلت عناصر الأرض بدءا من أبسط العناصر وهو الهيدروجين ووزنه الذري واحد، وانتهاء بأثقلها وهو عنصر اليورانيوم ووزنه الذري 238. والعنصر الأخير غير مستقر ومنه صنعت القنابل الذرية. من أشكاله غير المستقرة أي اليورانيوم 235 والآخر الذي تم صناعته، أي البلوتونيوم 239. ومن الأول 235 تم ضرب مدينة هيروشيما القنبلة التي أعطوها اسم (الولد الصغير) في 6 غشت عام 1945. ومن الثاني، أي مادة البلوتونيوم صنعت القنبلة التي أخذت اسم (الرجل السمين) تم ضرب مدينة ناغازاكي في 9 غشت من العام نفسه. فإذا الكون كان كله قد تركب من العنصر الأولي، أي الهيدروجين ذي الوزن الذري واحد منه، وعلى شكل سلم موسيقي تتابع تشكل بقية العناصر في رحلة زمنية، فهذا ينبئ بأن الكون له بداية، أي أن المادة ليست أزلية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى