حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

إمبراطوريات الأجهزة الأمنية

بقلم: خالص جلبي

 

يشكو العرب من ظلم الأمريكان واضطهاد الصهاينة، ولكن المتأمل في الأوضاع يكتشف أنهم يظلمون أنفسهم أكثر من كل ظلم العالم لهم، وأن رؤيتهم للتاريخ مقلوبة. وهم مستعدون لاتهام كل الأنام على أن يكتشفوا أن من اعتقل في غوانتانامو محظوظ، مقابل من يسلم إلى استخبارات بلده، كما حصل مع المواطن الكندي «ماهر عرار»، السوري الأصل، حين سلمه البنتاغون إلى عرين الأسد للافتراس. فالمواطن قبل أن يأخذ الثانوية العامة يجب أن يحظى بزيارة فرع أمني، فيتلقى من العذاب كفلان. وقد يموت المواطن وعمره 90 عاما يحمل على النعش، وبحقه قرار أمني بعدم مغادرة الوطن (كما حصل مع والدي). وفي المطارات أدراج عملاقة غاصة بأسماء عشرات الآلاف من المطلوبين والممنوعين من السفر، ولأكثر من جهاز أمني. وبين المهد واللحد ليس هناك من مواطن إلا وطلب للتحقيق وأكثر من مرة، ولحساب أكثر من فرع، ولو كانت عجوزا محدودبة الظهر، أو بنتا ناهدا في عمر الورد وطهارة السحاب، أو اعتقل فكسرت عظامه وأسنانه فخرج يمشي على بطنه مثل الزواحف، أو من أخذ شابا لا أحد يعرف السبب بمن فيه المعتقل نفسه، فلم ير أمه وأولاده إلا بعد ضغط منظمات حقوق الإنسان من الخارج، وبعد ربع قرن من الزمن ولزيارة واحدة، ليفاجؤوا برؤية شيخ وهن العظم منه واشتعل رأسه شيبا، وهذه الأمور استفحلت، فقتل في المعتقلات مئات الآلاف من خيرة الشباب السوري.

الجهاز الأمني باختصار هو الأول والآخر والظاهر والباطن، وهو بكل شيء عليم. وضابط أمن صغير في الجيش يرتج في حضرته جنرال (هنا تلعب الطائفية دور مفتاح التشغيل). ورئيس الفرع هو الذي يبت في مصير من يدخل الجامعة، ويحتل المنصب، وفي أي وظيفة يقبل، ومن يشتري العقار، ويفتح الدكان. وعنصر الأمن في الحارة احتل منصب ساحر القرية، فهو يتكهن بمن يعتقل وعلى أي بيت ستنزل صاعقة.

إنها عبقرية نخاطب فيها أمريكا أن ترسل من يتدرب عندنا على مكافحة الإرهاب. وأهم شيء هو استتباب الأمن. ولو تحول الوطن إلى مقبرة يمشي فيها حارس واحد وحفار قبور وجثث تتوافد وقبور تبلع.

قبل أربعين عاما كانت فروع الأمن محدودة العدد قليلة المجندين، لا يزيد حجمها على بناية صغيرة (دخلتها في صف «الباك»، وكانت الاعتقال الأول من أربعة). واليوم نمت الفروع الأمنية بأفظع من سرطان المعدة، وأكبر من ديناصور لاحم، وأعلى من الإمباير ستيت، وفتحت أبوابها بأكثر من أبواب جهنم السبعة، لتستقبل مواطنا صغيرا فقيرا ذليلا، في فروع الخارجي والداخلي والعسكري وأمن الدولة والأمن السياسي، منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك (في سوريا زادت عن عشرة، وربما بلغت تسعة عشر، كما في زبانية الجحيم وباقي الدول العربية تقترب أو تبتعد عن هذا الرقم)،

والمشكلة في هذه الأجهزة الأمنية أنها تشبه قبائل البدو بثلاثة فوارق:

(أولا) فشيخ القبيلة الأمنية يلبس نظارة إيطالية، ويزين صدره بربطة عنق أمريكية، وتحته سيارة «مرسيدس» ألمانية، ويلوح بيده سلكا كهربيا صينيا للضرب والصعق.

و(ثانيا) أن من يدخل في جوار شيخ القبيلة لا أمان له، ولو كتب له الشيخ كتاب أمان، لأن مضارب القبيلة غير مرتبطة بالجغرافيا، وكل الوطن هو مضرب شيخ أي قبيلة. فظهر المواطن تزاحمت عليه الفروع الأمنية، فلم يبق متسع لراكب جديد.

و(ثالثا) أن هذه القبائل الأمنية في حالة حرب دائمة بينها، فلا تعرف الأشهر الحرم ولا حرمة بيت وشيخوخة، بل الكل يتنافس في اعتلاء ظهر مواطن لم يعد فيه مكان للركوب.

إنها تركيبة عبقرية كما نرى تدرس في الجامعات الكندية في قسم العلوم السياسية، كنموذج فذ لعبقرية عربية في ضبط الشعوب «هكذا سمعت ابنتي في جامعة «مك جيل» في مونتريال، وهي تدرس العلوم السياسية، وصف نظام الأسد في سوريا، بعد استجواب مطول للتلامذة وفي كل مرة كان الأستاذ يقول مساكين لم تعرفوا الأسد بعد».

والنتيجة التي تتولد من نمو هذه السرطانات في الأمة، أنها تصبح أجهزة رعب يجب فكها، كما ذكر ذلك فرانسيس فوكوياما في كتابه «نهاية التاريخ»، فزوجة مولوتوف انتهت في معسكرات الاعتقال. ونظرة سيئة من ستالين لأحد أعضاء المكتب السياسي، كانت كافية أن يرتجف رعبا بقية حياته. وعلى يد بيريا مات 800 ألف من أفضل مواطني الاتحاد السوفياتي، فلم يبق مواطن يدافع عن الوطن، بل ستالين والعصابة.

والمفارقة في تركيبة الأجهزة الأمنية ثلاث:

(أولا) يظن الحاكم أن خلاصه بالإغداق عليها، وهي كما يقول المثل العربي: «سمن كلبك يأكلك». ومقتل القياصرة جاء من ضباط الحرس الإمبراطوري.

و(الثانية) أنها تمسك الناس بالرعب، وهي مرعوبة أكثر من الناس.

و(الثالثة) أن حماية شخص تحتاج إلى فرق حراسة شخصية، ولكن حماية الحاكم من كل الشعب تحتاج إلى جيش كامل.

وفك هذا السحر يحتاج إلى كيمياء خاصة من ثلاثة عناصر:

(أولا) تدريب الشباب على المقاومة المدنية، فليس أسهل من إطلاق الأجهزة الأمنية بدعوى الأمن، عندما تندلع أعمال العنف.

(ثانيا) ممارسة العمل العلني وتوريط النظام في أكبر عدد ممكن من المعتقلين، وتفجير السجن من داخله، لأن النظام لا يمكن أن يعتقل عشر الأمة.

و(ثالثا) أن تكون المحنة ضمن التحدي الملائم. وفي كثير من الأقطار العربية طحنت المعارضة، بسبب أعمال العنف، فلم تأت المحنة ضمن الوسط الذهبي. وحتى يعود الوعي من المنفى تسبح الأمة في بحر الظلمات بدون خريطة وبوصلة، تسمع دمدمة جن الأجهزة الأمنية، فترتعش فرقا وتتصبب عرقا.

 

نافذة:

اليوم نمت الفروع الأمنية بأفظع من سرطان المعدة وأكبر من ديناصور لاحم وأعلى من الإمباير ستيت وفتحت أبوابها بأكثر من أبواب جهنم السبعة لتستقبل مواطنا صغيرا فقيرا ذليلا

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى