حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرئيسيةبانوراماسياسية

استقالة رئيس وزراء فرنسا تضع ماكرون أمام تحد جديد

الجمهورية على صفيح سياسي ساخن والانتخابات المبكرة تلوح في الأفق

في لحظة سياسية دقيقة، تعكس عمق الاضطراب داخل المشهد الفرنسي، قدّم رئيس الوزراء سيباستيان لوكورنو استقالته إلى الرئيس إيمانويل ماكرون، ليضيف فصلا جديدا إلى سلسلة الأزمات التي تعصف بالسلطة التنفيذية في باريس.. لوكورنو لم تمض سوى أسابيع قليلة على تعيينه، قبل أن ينهار مسعى الإليزي لإعادة الاستقرار إلى حكومة فقدت توازنها أمام برلمان منقسم وأحزاب متناحرة. ومع رحيل رئيس الوزراء، يجد ماكرون نفسه أمام مفترق طرق سياسي حاد بين الدعوة إلى انتخابات جديدة، أو تشكيل حكومة توافقية، أو المضيّ في مغامرة سياسية قد تهدد ما تبقى من نفوذه مع اقتراب نهاية ولايته. وبين عجزٍ مالي متفاقم وضغوطٍ داخلية متصاعدة، تبدو فرنسا اليوم عالقة بين أزمة حكم وأزمة ثقة، في مشهد يعكس تراجع نموذجها السياسي الذي لطالما قدم رمزا للاستقرار الجمهوري الأوروبي.

 

إعداد: سهيلة التاور

 

قدّم رئيس الوزراء الفرنسي سيباستيان لوكورنو استقالته إلى الرئيس إيمانويل ماكرون، أول أمس الاثنين، وفق ما أعلنه قصر الإليزي في بيان، وهو ما يعمق الأزمة السياسية المستفحلة في البلاد. وتأتي هذه الخطوة المفاجئة بعد 26 يوماً فقط من تعيين لوكورنو رئيساً للوزراء عقب انهيار الحكومة السابقة برئاسة فرانسوا بايرو.

وفي تصريحات له، قال رئيس الوزراء الفرنسي المستقيل إنه «لا يمكن أن أكون رئيس وزراء عندما لا تستوفى الشروط»، موضحا أن «الظروف لم تكن مناسبة لأصبح رئيسا للوزراء».

وأضاف «حاولت أن أبني طريقا مع الشركاء والنقابات للخروج من أزمة الانسداد الحاصل»، لكن «الأحزاب السياسية لم تقدم تنازلات عن برامجها وكانت تريد فرض شروطها».

وعُين لوكورنو في التاسع من شتنبر، وتعرض لانتقادات المعارضين واليمين بعدما كشف مساء الأحد عن تشكيلة حكومته، وهي الثالثة في البلاد في غضون سنة.

 

 

الحكومة الجديدة

كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عيّن حكومة جديدة يوم الأحد برئاسة لوكورنو، في محاولة منه لإخراج البلاد من أزمة سياسة مستفحلة.

وكشف ماكرون عن تشكيلة الحكومة الجديدة بعد شهر تقريبا على تكليف لوكورنو، وهو سابع رئيس وزراء في عهد ماكرون والخامس في ولايته الثانية.

وعاد برونو لومير، وزير الاقتصاد السابق بين عامي 2017 و2024، إلى الحكومة بعد تعيينه في وزارة الجيوش.

وعين رولان لوسكور وزيرا للاقتصاد، ومن ثم تقع على عاتقه المهمة الشاقة المتمثلة في وضع مشروع الميزانية.

واحتفظ كثير من وزراء الحكومة السابقة بحقائبهم مثل وزير الخارجية جان نويل بارو. وبقي في الحكومة أيضا وزير الداخلية برونو روتايو الذي تعهد بمكافحة الهجرة غير النظامية، ووزير العدل جيرالد دارمانان.

كذلك بقيت رشيدة داتي -التي ستحاكم العام المقبل بتهمة الفساد- في الحكومة في منصب وزيرة الثقافة.

وكان وزير الداخلية وزعيم حزب الجمهوريين المحافظ برونو روتايو أبدى عدم رضاه عن تشكيلة الحكومة الجديدة، وأعلن عن اجتماع أزمة طارئ للحزب الاثنين.

وحذرت وزيرة الثقافة رشيدة داتي الحزب من مغبة الانسحاب من الحكومة، وقالت، في منشور على منصة «إكس» مساء الأحد الماضي، إنه «في لحظة خطيرة تمر بها البلاد، يجب ألا يتنصل الجمهوريون من مسؤوليتهم».

وشغل رئيس الوزراء المستقيل لوكورنو سابقاً منصب وزير القوات المسلحة، وأصبح خامس رئيس وزراء لفرنسا في أقل من عامين.

ووجّه لوكورنو، في كلمته الموجزة خارج فندق ماتينيون، مقر إقامة رئيس الوزراء الذي أقام فيه أقل من شهر، انتقادات شديدة لما وصفها «النزعات الحزبية» للتيارات السياسية، التي قال إنها «تتصرف جميعها كما لو كانت تتمتع بأغلبية مطلقة».

وقال: «كنت مستعداً للتسوية، لكن جميع الأحزاب أرادت أن يتبنى الحزب الآخر برامجها كاملةً».

وأضاف: «لم تكن هناك حاجة لبذل الكثير حتى ينجح الأمر»، مشيراً إلى أن الأحزاب بحاجة إلى مزيد من التواضع و«التخلي عن بعض غرورها».

 

«محادثات أخيرة» مع الأحزاب

أعلن مكتب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أول أمس الاثنين، أن الرئيس طلب من رئيس الوزراء المستقيل سيباستيان لوكورنو إجراء «محادثات أخيرة» بحلول مساء الأربعاء مع الأحزاب السياسية لتحقيق الاستقرار في البلاد.

وقالت الرئاسة الفرنسية إن ماكرون حدد للوكورنو هدفا يتمثل في «تحديد إطار للتحرك والاستقرار في البلاد»، وذلك بعد بضع ساعات فقط من إعلان استقالته غداة كشف تشكيلته الحكومية.

وقال لوكورنو إنه سيقود «جولة أخيرة من النقاش مع القوى السياسية بناء على طلب رئيس الجمهورية»، وإنه سيبلغ الأخير مساء (الأربعاء) إذا أمكن بنتائج النقاش.

 

دعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة

وصف رئيس الوزراء السابق إدوار فيليب (يمين الوسط) الوضع الحالي بأنه «لعبة سياسية مقلقة»، وطالب ماكرون بالدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة فور الموافقة على موازنة العام 2026. يأتي ذلك فيما يواصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون محاولاته الأخيرة للخروج من الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد للوصول إلى توافق من أجل تشكيل حكومة، حيث أعاد تكليف رئيس الوزراء المستقيل سيباستيان لوكورنو مجددا لإجراء محادثات أخيرة مع الأحزاب. يأتي ذلك وسط ضغوطات المعارضة التي تدعو لحل البرلمان أو استقالة ماكرون.

وكتب كريستيان إستروزي، نائب رئيس حزب «آفاق» (حزب ينتمي إلى معسكر الوسط ويُعتبر حليفًا للرئيس إيمانويل ماكرون)، على منصة «إكس»: «رحيل إيمانويل ماكرون وتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة هما السبيل الوحيد للخروج من الأزمة السياسية والاقتصادية غير المسبوقة التي نمرّ بها».

وصرّح برونو روتايو، زعيم حزب الجمهوريين (حزب يميني تقليدي)، أمس الثلاثاء، بأنه لا يغلق الباب أمام عودة حزبه إلى الحكومة، شرط أن يكون ذلك في إطار «تعايش سياسي» مع معسكر ماكرون وألّا «يذوب الجمهوريون» داخل المعسكر الرئاسي.

وأضاف روتايو، في مقابلة مع إذاعة أوروبا 1 وقناة سي نيوز «الجمهوريون مستعدون للحكم بشرط واحد: أن يكون ذلك في حكومة يمكن أن أسميها حكومة تعايش مع الماكرونية».

وصرّحت مارين تونديلييه، زعيمة حزب الخضر، في حديثها على قناة فرانس 2: «إيمانويل ماكرون لديه ثلاثة خيارات: الاستقالة، حلّ الجمعية الوطنية أو التعايش. (…) نحن نفضّل خيار التعايش».

وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاشتراكيين لا يرغبون في الحكم مع حزب فرنسا الأبية، والعكس صحيح».

بينما أكد غابرييل أتال، رئيس كتلة نواب حزب النهضة (حزب الوسط والحليف للرئيس ماكرون)، أمام مجموعته البرلمانية، أنه لا يرغب في استقالة الرئيس إيمانويل ماكرون، متميّزًا بذلك عن إدوار فيليب الذي أبدى رغبته في ذلك، وفق ما أفاد به مشاركون في الاجتماع.

وقال أتال: «لن نشارك أبدًا بأصواتنا مع من يدعون صباحًا ومساءً لاستقالة الرئيس وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة. إذا كان من الممكن دفع رئيس منتخب ديمقراطيًا وشرعيًا لإنهاء ولايته قبل الأوان، فإن ذلك سيهدد توازننا الديمقراطي بأكمله».

 

خيارات ماكرون

الخيار 1: تعيين رئيس وزراء جديد

تتمثل الخطوة الأكثر إلحاحًا في تعيين رئيس وزراء جديد. من الناحية النظرية، يمكن لماكرون أن يعيد ترشيح شخصية من تحالفه الوسطي، لكن السقوط السريع للوكورنو كشف حدود هذا الخيار، إذ من المرجّح أن تواجه أي حكومة يقودها معسكره وحده العداء نفسه من الأحزاب الأخرى.

وقد يدفعه ذلك إلى النظر خارج قاعدته، عبر تعيين شخصية معتدلة من المعارضة أو حتى تكنوقراط يُنظر إليه على أنه أكثر حيادية.

إلا أن هذا المسار ينطوي على مخاطر كبيرة، فتعيين شخصية من اليسار قد يجبر ماكرون على تقديم تنازلات في ملفات الإصلاح الاقتصادي، سيما مشروعه المثير للجدل لإصلاح نظام المعاشات التقاعدية.

أما اختيار شخص من اليمين، فقد يثير استياء اليسار ويؤدي إلى تصويتات متكررة لحجب الثقة.

وفي كلتا الحالتين، سيجد ماكرون نفسه مضطرًا إلى الرهان على حسن نية أحزابٍ تُعدّ بالفعل عدّتها للسباق الرئاسي لعام 2027.

 

الخيار 2: حل الجمعية الوطنية مرة أخرى

هذا الخيار ممكن دستوريًّا بعد مرور عام على آخر حلّ للجمعية الوطنية، وهو ما من شأنه أن يعيد الناخبين إلى صناديق الاقتراع خلال 20 إلى 40 يومًا.

إلا أن الانتخابات الجديدة قد تؤدي إلى إعادة إنتاج الانقسامات البرلمانية نفسها، أو حتى إلى تعزيز كتلة اليمين المتطرف أو اليسار.

ووُصفت الانتخابات المبكرة في عام 2024 على نطاق واسع بأنها خطأ استراتيجي، إذ أسفرت عن البرلمان المعلّق الحالي.

رغم تأكيد ماكرون المتكرر على إحجامه عن المخاطرة بحلّ جديد، فإن استمرار الجمود السياسي وفشل تمرير الميزانية قد يجعل الضغط من أجل العودة إلى الناخبين ساحقًا.

 

الخيار الثالث: استقالة ماكرون نفسه

الاحتمال الأكثر جذرية هو تنحّي الرئيس إيمانويل ماكرون، وهو مطلب ترفعه قطاعات من المعارضة، سيما اليسار.

وفي حال استقالته، ينص الدستور على أن يتولى رئيس مجلس الشيوخ جيرار لارشيه مهام الرئاسة مؤقتًا، على أن تُنظم انتخابات رئاسية جديدة خلال 20 إلى 50 يومًا.

إلا أن هذا السيناريو يظل مستبعدًا، إذ تعهّد ماكرون مرارًا بالبقاء في منصبه حتى انتهاء ولايته عام 2027، وأكّد أنه لن يتخلى عن مسؤولياته.

 

الخيار 4: عزل الرئيس

ثمة خطوة أبعد من الاستقالة تتمثل في عزل الرئيس من منصبه عبر البرلمان. وهو سيناريو يدعو إليه حزب «فرنسا الأبية» اليساري المتشدد، الذي يرى منذ فترة طويلة أن قيادة ماكرون باتت غير متوافقة مع ممارسة ولايته.

ويتيح إصلاح دستوري أُقرّ عام 2007 مسارًا قانونيًّا لذلك، يسمح بعزل الرئيس في حالات «الإخلال بالواجب الذي يتعارض بشكل واضح مع ممارسة الولاية».

إلا أن الإجراء معقّدٌ إلى حدٍّ كبير، ولم يُطبَّق بنجاح منذ إنشائه.

 

خيارات صعبة

إذا اختار ماكرون حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة، فإن الجدول الزمني لإقرار حتى تشريعات الميزانية الطارئة قد يصبح ضيقًا بشكل كبير، حيث يتعيّن أن تكون هناك حملة انتخابية لمدة عشرين يومًا على الأقل قبل إجراء الجولة الأولى من الانتخابات، تليها جولة ثانية بعد أسبوع.

وبعد ذلك سيحتاج المشرّعون المنتخبون حديثًا إلى عدة أيام لتنظيم أنفسهم وتولّي مناصبهم رسميًا، وهو ما من شأنه، وفقًا للخبراء، أن يترك وقتًا قليلًا جدًا في شهر دجنبر أمام البرلمان الجديد لإقرار تدابير الميزانية المؤقتة قبل بداية عام 2026، مما يضع ماكرون أمام خيارات صعبة.

 

ميزانية فرنسا

في الوقت الحالي تخضع فرنسا لحكومة تصريف أعمال. وكما حدث بعد سقوط حكومة فرانسوا بايرو في شتنبر، يقتصر دور لوكورنو ووزرائه على إدارة الشؤون اليومية، دون إمكانية إطلاق إصلاحات كبرى أو إجراء تعيينات ذات أهمية.

وبالتالي، لا يمكن لفريقه تحمّل المهمة الأكثر إلحاحًا التي تواجه البلاد: اعتماد ميزانية عام 2026. وأدّت استقالته إلى إلغاء عرض الميزانية المقرّر يوم الاثنين، ما يفرض على الحكومة المقبلة صياغة مشروع قانون مالي جديد والدفاع عنه أمام البرلمان.

وبموجب القانون الفرنسي، يجب تقديم مشروع الميزانية بحلول 13 أكتوبر لتمكين البرلمان من مناقشته وإخضاعه للمراجعة الدستورية في الوقت المناسب.

إلا أن الالتزام بهذا الموعد بات مستحيلاً، حتى لو تم تعيين رئيس وزراء جديد على عجل، نظرًا لأن إعداد ميزانية منقّحة يتطلب أسابيع من العمل.

وفي هذه الأثناء، لا يملك البرلمان سوى خيار التصويت على قسم الإيرادات من الميزانية، وهو ما يضمن استمرار الدولة في تحصيل الضرائب.

ومن بين الحلول الاحتياطية المتاحة، اعتماد «قانون خاص» يمدّد مؤقتًا تطبيق ميزانية العام السابق، كما جرى في عام 2025، ما يتيح للدولة تمويل الخدمات العامة ريثما تُستكمل المفاوضات السياسية.

 

عجز مالي

جاءت استقالة لوكورنو في الوقت الذي يعاني فيه ثالث أكبر اقتصاد في أوروبا من عجز مالي يكاد يكون ضعف الحد الأقصى المسموح به في الاتحاد الأوروبي، كما تتجه نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي نحو 115 في المائة، مما دفع وكالات التصنيف الائتماني لإصدار تحذيرات بشأن الدرجة الائتمانية السيادية.

وأكدت وكالة «فيتش» أن الأحداث السياسية، التي يسيطر عليها عدم اليقين، تسلّط الضوء على النطاق المحدود أمام فرنسا لتعزيز سياسات المالية العامة بشكل كبير، خاصة بعد أن خفّضت الوكالة تصنيف فرنسا إلى الفئةA» » الشهر الماضي، لأول مرة منذ عقود. ومن المتوقّع أن يبقى الدين العام في مسار تصاعدي مع فشل تنفيذ تدابير ضبط المالية العامة، مشيرة إلى أن التحدي الأكبر سيكون إقناع أعضاء البرلمان الفرنسي المجزأ بين الأحزاب بقبول ميزانية تُمكّن البلاد من الامتثال لالتزاماتها بموجب معاهدة الاتحاد الأوروبي، وهو الحفاظ على نسبة عجز 3 في المائة.

 

 

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى