شوف تشوف

الرأي

الروس مع بقاء الأسد والأمريكيون يراهنون على الأكراد لدحر «داعش»

لم ينتظر إيفغيني لوكيانوف نائب أمين عام مجلس الأمن القومي الروسي طويلا لتأكيد نظريته والاستجابة لدعوته، التي أطلقها الأسبوع الماضي لدول الخليج العربي، بالصلاة من أجل بقاء الرئيس السوري بشار الأسد، باعتباره الوحيد القادر على إيقاف ودحر «الدولة الاسلامية» ووقف تمددها، فقد أكدت هذه «الدولة» عمليا نبوءته هذه بالدخول إلى عين العرب «كوباني» مرة أخرى، واستعادة نصف مدينة الحسكة، ذات الغالبية الكردية.
لوكيانوف لم يحدد عدد «الصلوات» أو «الركعات» التي يجب أن يؤديها المسؤولون في دول الخليج تقربا إلى الله لبقاء الرئيس السوري، ولكنه أوضح سبب دعوته بقوله في حديث للصحافة المحلية الروسية «إذا ما انهار نظام الأسد فإن الهدف التالي لـ«داعش» سيكون المملكة العربية السعودية نفسها وباقي دول الخليج».
وتابع مضيفا «انهيار نظام دمشق يعني أن الرياض وباقي عواصم دول الخليج ستكون الهدف التالي لداعش خاصة وأن الأخيرة تضم خمسة آلاف مقاتل سعودي، سيعودون إلى بلادهم بعد انتهاء المواجهات. إن أولئك لا يجيدون فعل أي شيء سوى القتل».
ما أراد المسؤول الروسي قوله بشكل موارب أن من يستطيع اجتياح «عين العرب ـ كوباني» السورية بعد خسارتها رغم القصف الجوي الأمريكي المكثف، والتسليح النوعي المتقدم للأكراد، يمكن أن يصل إلى أي مكان آخر، ويسيطر على المزيد من المدن الأخرى بعد الرمادي وتدمر، ولكن هل يستطيع الرئيس الأسد وقواته أن يكون سدا منيعا في مواجهة تقدم قوات هذه الدولة، مثلما قال؟
لا نعتقد أن دعوة الروسي لوكيانوف ستجد أي استجابة لدى معظم قادة دول الخليج، وخاصة في كل من السعودية ودولة قطر، لأن هؤلاء باتوا يبنون استراتيجيتهم على إسقاط النظام السوري، ويعطون هذه المهمة الأولوية المطلقة رغم رعبهم من «الدولة الإسلامية»، ولهذا يمولون المعارضة السورية ويسلحونها، وباتوا يعتبرون إسقاط الرئيس الأسد شفاء لغليل شخصي، وتحقيقا لثأر قبلي الطابع تماما مثلما لم يستمعوا للنصائح العديدة التي انهالت عليهم بعدم التفريط بالرئيس العراقي السابق صدام حسين، الذي حماهم من إيران وثورتها الاسلامية الخمينية، ويعضون الآن أصابعهم ندما، بعد أن أصبحت إيران تشكل تهديدا وجوديا لهم، وينفقون مئات المليارات على التسليح رعبا منها، رغم أن كل ما كان الرئيس صدام يطلبه منهم هو عشرة مليارات دولار، وكسلفة لتسديد ديونه المتراكمة من جراء حربه ضد إيران لصد خطرها عنهم.
الحرب في سورية لم تعد تستهدف إسقاط النظام السوري، أو تكريس ثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان، رغم أن بداياتها «السلمية»، قبل خطفها، كانت ترفع هذه الشعارات، فالحرب الآن تستهدف تقسيم سورية، أو بالأحرى تفتيتها، وباقي الدول العربية الأخرى، وربما إيران وتركيا أيضا، ولكن في مرحلة لاحقة.
داعموا الحملة لإسقاط النظام السوري بدأت النيران تصل إلى أطراف أثوابهم الواحد تلو الآخر، أما تركيا فقد خسر سيدها رجب طيب أردوغان معظم طموحاته الرئاسية العثمانية ومعها سلطاته، والتفويض المفتوح الذي حظي به لمدة 13 عاما، بالنظر إلى فقدانه للأغلبية المطلقة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة.
ومن المفارقة أن أحزاب المعارضة التركية الثلاثة التي حصلت مجتمعة على حوالي ستين في المئة من مقاعد البرلمان تختلف على كل شيء فيما بينها باستثناء أمر واحد، وهو الاتفاق على حتمية وقف سياسة السيد أردوغان وتدخلاته العسكرية والسياسية في سورية، ولهذا تشترط جميعها تولي حقيبة وزارة الخارجية للدخول في أي حكومة ائتلافية مع حزب العدالة والتنمية، ويبدو أنه بدأ يسلم بهذه الحقيقة من خلال مفاوضاته السرية في روما لتحسين العلاقات مع اسرائيل.
وإذا صحت التوقعات التي تفيد بأن عبد الله غول الرئيس التركي السابق من أبرز المرشحين لرئاسة الحكومة الائتلافية الجديدة، فإن الرجل ينسجم مع هذه السياسة، وكان من أسباب إقصائه من قبل الرئيس أردوغان من منصبه، وإبعاده عن أي دور في السلطة لصالح خصمه ومنافسه أحمد داوود أوغلو، تصريحاته التي انتقد فيها التدخل التركي لإطاحة النظام السوري علنا، ومنذ البداية، وكأنه يقرأ الغيب، ويملك بلورة سحرية.
تركيا هي المفتاح الرئيسي للملف السوري سلما أو حربا، ولولا دورها في تسهيل مرور الأسلحة والمقاتلين إلى سورية، لفشلت المحاولات الخليجية في زعزعة النظام وخسارته نصف الأراضي التي يسيطر عليها، وظهور «الدولة الاسلامية» وبلوغها هذا القدر من القوة والعنفوان، وأي تغيير في الموقف التركي لا يعني أن النظام السوري سيستعيد هذه الأراضي، ولكن ربما سيكون في وضع أفضل، وسيتمكن الجيش السوري من التقاط بعض أنفاسه، واستعادة معنوياته التي قيل إنها ضعفت بعد أربع سنوات من الحرب الدموية في مواجهة عدة خصوم دفعة واحدة.
من المفارقة أن «الدولة الاسلامية»، التي استولت على نصف العراق أيضا، هي الخطر الأكبر على النظام السوري والدول العربية الخليجية العاملة على إسقاطه معا، وهي ستصل، أي «الدولة»، إلى العواصم الخليجية، أو معظمها، إذا استمرت على الدرجة نفسها من القوة والتمدد، ولا توجد أي مؤشرات في الوقت الراهن تفيد بعكس ذلك.
الإدارة الأمريكية التي فقدت الثقة بالجيش العراقي بعد إنفاق عشرات المليارات على تدريبه وتسليحه اعتقدت أنها وجدت البديل في «البشمرغة»، وقوات الحماية الكردية باعتبارها تملك ما يفتقده الجيش العراقي أي «إرادة القتال»، ولكن «الانتفاضة» الأخيرة لقوات «الدولة الاسلامية» واقتحامها لعين العرب، واستعادة جنوب مدينة الحسكة، وسحقها لقوات الحماية الكردية فيهما، يؤكد أن الرهان الأمريكي قد لا يكون في مكانه، والتفاؤل بهزيمة هذه «الدولة» على أيدي الاكراد ربما كان مبالغا فيه، أو بالأحرى سابقا لأوانه حتى الآن على الأقل، فهذه «الدولة» أمر واقع، تفرض وجودها بالقوة والترهيب، وتستمد قوتها من ضعف أعدائها وقلقهم، وافتقادهم للدعم الشعبي، لأسباب عديدة ليس هنا مكان سردها.
جميع الأطراف في المنطقة، دولا وحكومات، عربية، وروسية، وكردية، وتركية، وإيرانية، تعيش مأزقا كبيرا باستثناء «الدولة الاسلامية»، التي تواصل مفاجآتها بالسيطرة على هذه المدينة أو تلك، ولعل مأزق النظام السوري لا يقل خطورة عن مأزق الآخرين أنفسهم، وربما يكمن الفارق بأنه كان خاسرا طوال السنوات الأربع الماضية، واستطاع التعايش نسبيا مع مأزقه، بينما مأزق خصومه أكبر لأنهم كانوا يعتقدون، واهمين، أنهم سيكسبون إسقاطه في فترة زمنية قصيرة جدا، ودون تحضير البدائل، لأن ما يهمهم هو الثأر الشخصي قبل أي شيء آخر.
عندما يرفض الداعية السعودي سلمان العودة توجيه إدانة صريحة لـ«الدولة الاسلامية» ووصمها بالإرهاب في مقابلة معه في محطة «روتانا» قبل يومين، خوفا منها، أو خوفا عليها، فإن هذا يلخص الموقف برمته في المنطقة، ويضيف تأكيدا جديدا لما قاله المسؤول الروسي، مع فارق أساسي، وهو أن الشيخ العودة لن يصلي ركعة واحدة لبقاء النظام السوري، بل سيصلي عشرات وربما مئات الركعات من أجل إسقاطه، لا بد أنه يدرك جيدا، وهو العالم مدى التأييد الذي تحظى به «الدولة» وأيديولوجيتها الاسلامية «الجهادية» في أوساط الشباب السعودي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى