شوف تشوف

الرأيالرئيسيةثقافة وفن

الصورة.. الخير والشر

 

فهد بن سليمان الشقيران

 

قشعريرة قلق الوجود تعتريك وأنت تنظر باغتباط إلى المذيعة خارقة الجمال، وهي تسرد على أذنيك أبشع أخبار البشر في العصر الحديث. صراع بين الأذن والعين، بين جمال طارئ وصراع البشر الدائر في كل حين. تبحر في الخبر العنيف متسليا بالفرجة التي تمنحها الشاشة لك بكل سيولتها البصرية والإخبارية واللغوية. في الميديا ثمة دراسات عن إمكانية تحول الخبر العنيف إلى مجال للتسلية..

ومذيع الخبر بين أمرين أحلاهما مر، فهو مهنيا لا بد أن يبتسم للمشاهد، وأن يعطيه من رابطة شكلية فنية تهيئ للمتابع أن يستمر، وبين أن يتجهم لتغدو النشرة الإخبارية محاضرة أو ندوة في مركز ثقافي، وبين ضمير المهنة وضمير الإنسانية حالة صراع، وهو صراع يستمر للحظة أو لوهلة أو لبرهة، وسرعان ما ترتعد أكثر حين تكون الصنعة الإعلانية قد دخلت لتطرح تحديات لتولد أسئلة كبرى، مثل إمكان قبول إعلان عن مطعم ما بعد خبر دموي.

إنه سؤال ينضم إلى سابقه من حيث صعوبة الإجابة عنه قطعا، لتغدو الكتابات حول تلك الأسئلة مجرد مقاربات أو رؤى وتأويلات. الإعلان بحضرة الدم، والابتسامة قبل قراءة خبر مجزرة، بين ضمير المهنة والضمير الأخلاقي، هذه مسألة يصعب حسمها، إنما يجتهد كل مذيع في سك طابعه الإخباري الذي يود انتهاجه ساعة قراءة الخبر.

والمعضلة في السلوك للإعلامي أو الأخلاق الذاتية لقراءة الخبر لا علاقة للقانون أو الأنظمة بها، بل الحدس الذاتي أو المفاهمة الإدارية هي التي تحسم الإجابة عن الأسئلة. هذا إلى جانب المسؤولية الفردية أو الإدارة الذاتية.

قلق الناريْن إنما يأتي من بعد فلسفي بين الخير والشر، إذ ليس ثمة شر محض، وربما أقف في كتابات لاحقة مع أطروحة «نقد الشر المحض» لمطاع صفدي، المفكر والمترجم العربي، الشر المحض ذهني إيديولوجي، فيما المسافة بين الخير والشر رمادية تطرحها المقاربة من دون أن تسدها الأجوبة، لأن الأجوبة ممتنعة ومستحيلة في مثل هذه المسافة الكارثية.

فرانسيس بال وفي كتابه الممتع «الميديا» يقول إن «القانون لا يكفي، فهو يضع فقط الحدود التي يُعاقب القاضي من يتجاوزها. والسوق كذلك لا يكفي. آداب المهنة تلك القواعد التي تضعها المهنة (لنفسها) تساعد الصحافيين في ممارسة مسؤولياتهم، فهي عكاز للمسؤولية الفردية للصحافي، لا تحل محلها، ولا يصح بحال أن تصبح ذريعة للامسؤولية الفردية». استشهادات المؤلف بالفيلسوف باسكال كثيرة، خصوصا في الفصل المتعلق بحال «التسلية» في صناعة الإعلام التلفزيوني، خصوصا أن باسكال ربط التسلية بالموت إذ تسرقنا إليه بغتة.

حين تظل متسمرا أمام الشاشة متابعا أخبار الشرق والغرب، ومتعلقا بالخبر اللحظي، إنما تضع نفسك ضمن إطار تسلوي بحت. يعود السؤال حين تبهتك رعشة العين العفوية حيال بدوّ المذيعة، وهو سؤال جزئي صغير يقع ضمن سؤال فلسفي كبير لم يحل، إنه سؤال «الخير والشر»، الذي وضع نيتشه للمسافة بينهما منطقة رمادية هي «الما وراء» بين الخير والشر، حين ضرب بمطرقة «الجينالوجيا» أرضا سبخة لم تمس هيبة وإجلالا، ظنوا أن في قعرها الماء، ثم ما لبثنا أن جست أيدينا السراب بقاعه الذي حسبه الظمآن ماء.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى