الرأي

الطبيعة والناس

بعيد كل كارثة طبيعية تقع في الدول المتقدمة، تنعقد اللجان العلمية والسياسية والاقتصادية لدراسة تداعياتها على حياة الناس، والأهم محاولة فهمها للتخفيف من تأثيرها في حالة تكرارها. أما عندنا، فرئيس الحكومة لا يزال مصرا على اعتبار زلازل مدن الشمال، وكذا الجفاف الذي يضرب الفلاحة المغربية هذه السنة «قضاء وقدرا». وبدل وضع استراتيجية وطنية متكاملة لمواجهة الكوارث، لا يزال الساسة منشغلين بصفقة تأمين المنتوج الفلاحي. أما عموم الناس فيحاولون بالمقابل «الاجتهاد» في فهم كل هذا، ولكنه نوع من الاجتهاد الذي لا يجازى عليه صاحبه بالأجر، مصيبا أو مخطئا كما في الحديث النبوي، إنما هو نوع من الاجتهاد الذي يدخل في خانة الهذيان المرضي. منها مثلا «تحليلات» كثيرة تربط كوارث الطبيعة بأخلاق الناس. فيتصورون الطبيعة على مقاس نفوسهم الضيقة بالاختلاف. فتارة تغضب وتارة تفرح. هكذا سمعنا وقرأنا ورأينا كثيرين يربطون زلزال الحسيمة والناظور بمهرجان موازين، أو بما يجري في عالم السياسة والأحزاب. وهو ربط، ليس فقط انتهازيا، لأنه يعد مدخلا لممارسة الحجر على الناس والتدخل في اختياراتهم الأخلاقية والثقافية والاجتماعية، ولكنه أساسا ربط يظهر مستوى انتشار الأسطورة في فكرنا. فالذين يعتقدون أن زلزال الحسيمة هو رد على مهرجان موازين، هم بالضرورة بشر لم يروا قط ما يجري في المهرجانات شبه اليومية التي تنظم في الدول الغربية. لم يروا مهرجانات الدنمارك وهولاندا وألمانيا والسويد وإسرائيل غيرها. ولأنهم لم يروا ذلك، فإن من الطبيعي ألا يفهموا لماذا لا تقع الكوارث الطبيعية هناك مثلما تقع في بلدان غيرها. ببساطة لأن عالم الطبيعة له قوانينه الخاصة والتي لا علاقة لها بعالم الأخلاق. وإلا لو كان هذا الربط منطقيا، كأن يكون شر البشر سببا لكوارث الطبيعة، لاختفت دول كثيرة من على سطح الكوكب. بل ولاختفى كوكب الأرض كله.
المصيبة هنا، هو أننا نتصور الطبيعة ككائن انفعالي، شبيه بالبشر، فمثلما يستطيع البشر أن يغفروا أخطاء ويغضبوا لأخرى، فإن هؤلاء، بربطهم بين كوارث الطبيعة وأخلاق الناس، إنما يتصورون الطبقات الأرضية في السويد والدنمارك وهولاندا، حيث زواج الشواذ، مثلا، أمر رسمي وشائع، يتصورونها أكثر «تفهما» من طبقات الأرض عندنا، لكونها «تغضب»، وبأثر رجعي، لكون البعض منا، اختار أن يتمتع بالحياة، وبأجمل ما في الحياة، وهو الموسيقى في موازين. هكذا نصور الطبيعة وكأنها بدون قوانين، بل فقط بمزاج يشبه مزاجنا نحن..
يحدث هذا اليوم بعد زلازل مدن الشمال، تماما كما حدث عقب تسونامي جنوب شرق آسيا قبل سنوات. حيث ظهر بيننا من «تنبأ» بحدوث تسونامي بالمغرب لمجرد أنه ممتعض من أخلاق الناس. ولحسن الحظ أن القوانين الفعلية للطبيعة، هي قوانين موضوعية وقهرية وثابتة، ولا علاقة لها بما نشتهيه أو نتمناه أو نكرهه. لذلك لم يحدث كل  ما تنبؤوا به. فإن كان من سبيل للتحكم في الظواهر الطبيعية، والحؤول دون تأثر حياة الناس بسلبياتها، والاستفادة من إيجابياتها، فلن يكون حتما من بوابة التحكم في أخلاق الناس، بل فقط من بوابة الفهم العلمي لقوانينها. هذه باختصار مسيرة العقل الحديث وهو يتخلى عن أساطير الأزمنة الغابرة. وهذه أيضا مسيرة «عقل مغربي» يصر على عدم الاعتراف بجهله بقوانين الطبيعة فاختار بدل ذلك طريقا آخر يسقط عبره على الطبيعة انفعالاته دون علم أو دراية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى