العلاقات المغربية الإسبانية ومستجدات قضية الصحراء المغربية
دعم لسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية واستثمارات متوقعة بـ 45 مليار أورو

احتضنت العاصمة الإسبانية، مدريد، أمس الخميس، اجتماع اللجنة العليا المشتركة بين المغرب وإسبانيا في دورتها الثالثة عشرة، والتي توجت بالتوقع على العديد من الاتفاقيات من أجل تعزيز الشراكة بين البلدين، التي تشكل محركا استراتيجيا لتعزيز العلاقة بين إفريقيا وأوروبا، وتعد إسبانيا شريكا مرجعيا للمغرب باستثمارات متوقعة تناهز 45 مليار أورو في أفق 2050، ويأتي اجتماع اللجنة في ظل التطورات التي عرفها ملف الصحراء المغربية بالأمم المتحدة، بعد صدور القرار التاريخي الذي كرس المبادرة المغربية للحكم الذاتي كأساس واقعي وعملي لحل النزاع المفتعل حول الأقاليم الجنوبية، وكانت إسبانيا من بين الدول التي اعترفت بهذه المبادرة وعبرت عن تأييدها للمقترح المغربي.
إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي
استثمارات إسبانية متوقعة بالمغرب تناهز 45 مليار أورو في أفق 2050
وقع المغرب وإسبانيا، يوم الخميس الماضي بمدريد، عدة اتفاقات تعاون شملت مجالات السياسة الخارجية، والاقتصاد، والعدالة، والنقل، والفلاحة والصيد البحري، والتعليم والبحث العلمي، والرياضة، والتنقل المستدام، وجرى توقيع هذه الاتفاقات في إطار انعقاد الدورة 13 للاجتماع رفيع المستوى المغرب- إسبانيا، التي ترأسها رئيسا حكومتي البلدين، عزيز أخنوش وبيدرو سانشيز.
شراكة رابح – رابح
تعد إسبانيا شريكا مرجعيا للمغرب باستثمارات متوقعة تناهز 45 مليار أورو في أفق 2050، كما أن المغرب يعد الشريك الثالث لإسبانيا خارج الاتحاد الأوروبي، فيما التزم البلدان بإنعاش التبادلات التجارية والاستثمارات، من أجل تنفيذ مشاريع تنموية مشتركة في إطار شراكة رابح -رابح، مستفيدين في ذلك من الميثاق الجديد للاستثمار الذي اعتمده المغرب حديثا، والذي يتلاءم مع التحولات المؤسساتية، والاقتصادية، والاجتماعية والسياسية، والرامي إلى جعل المملكة وجهة استثمارية دولية، من خلال توفير فرص حقيقية في القطاعات الاستراتيجية.
وأعرب المغرب وإسبانيا عن التزامهما بإنعاش التبادلات التجارية والاستثمارات، من أجل تنفيذ مشاريع تنموية مشتركة في إطار شراكة رابح-رابح، حسب ما جاء في الإعلان المشترك الذي صدر في أعقاب انعقاد الدورة الثانية عشرة للاجتماع رفيع المستوى المغربي – الإسباني، التي ترأسها عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، ونظيره الإسباني بيدرو سانشيز.
وجاء في الإعلان المشترك أن البلدين يلتزمان بإنعاش التبادلات التجارية والاستثمارات، من أجل تنفيذ مشاريع تنموية مشتركة في إطار شراكة رابح- رابح، مستفيدين في ذلك من الميثاق الجديد للاستثمار الذي اعتمده المغرب حديثا، والذي يتلاءم مع التحولات المؤسساتية، والاقتصادية، والاجتماعية والسياسية، والرامي إلى جعل المملكة وجهة استثمارية دولية، من خلال توفير فرص حقيقية في القطاعات الاستراتيجية.
وأشار إلى أنه، وبهدف الاستفادة من العلاقات الاقتصادية والتجارية المتميزة القائمة بين المغرب وإسبانيا، وتنشيط التجارة والاستثمارات الثنائية التي بلغت مستويات غير مسبوقة، فقد تم الاتفاق على تجديد البروتوكول المالي القائم من خلال مضاعفة الموارد المتوفرة لتبلغ ما مجموعه 800 مليون أورو.
وبحسب الإعلان ذاته، سيتم استخدام الآليات المالية القابلة للاسترداد وغير القابلة للاسترداد، من أجل دعم المشاريع ذات الأولوية التي يتعين تطويرها من طرف الحكومة المغربية، سيما في ميادين البنيات التحتية والطاقات المتجددة والماء والتطهير وتجهيزات التعليم والصحة والقطاعات الإنتاجية، كما أكد الطرفان على أهمية التعاون في المشاريع المنفذة بهدف ضمان اقتصاد خال من الكربون، والذي يوفر إمكانيات كبرى للمستثمرين.
الحاجة إلى تطوير الربط
اتفق الطرفان، أيضا، على الحاجة إلى تطوير الربط بشكل أكبر (البنيات التحتية… إلخ) وتسهيل التنقل بين البلدين، مشيدين في هذا الإطار بالتوقيع على مذكرة تفاهم في مجال البنيات التحتية للنقل تروم تعزيز التعاون القطاعي.
كما رحب الطرفان بتعاونهما الممتاز في مجال الماء، وجددا التأكيد على اهتمامهما بتعزيزه بشكل أفضل، خاصة في مجال تحلية المياه والتدبير المندمج للموارد المائية وإعادة استخدام المياه العادمة.
ووعيا من البلدين بضرورة الاستجابة لحالة الطوارئ المناخية الحالية، فإنهما يجددان التأكيد على التزامهما باتفاق باريس، مؤكدين في الوقت ذاته على أهمية تشجيع التعاون في مجال حلول التكيف مع التغيرات المناخية والنهوض بالتدابير الناجعة للوقاية، والتوقع والتكيف لتعزيز زيادة القدرة على الصمود في وجه الجفاف.
وبحسب الإعلان، يعتمد البلدان، في هذا السياق، على الفضاءات التي تم إنشاؤها سابقا مع التحالف الدولي لتعزيز الصمود ضد الجفاف، بهدف تسريع وتيرة استجابة عالمية أكثر تنسيقا وتعاونا، ومبادرة SOFF الخاصة بالمنظمة العالمية للأرصاد الجوية من أجل وضع أنظمة للإنذار المبكر.
من جهة أخرى، أعرب البلدان عن التزامهما بتعميق التعاون في مجال الوقاية المدنية، والذي يتوفر على إمكانات كبيرة لتنفيذ الإجراءات المشتركة، سيما في مجال الوقاية من المخاطر، وتكوين الموارد البشرية وتبادل المعارف والتجارب.
وبالنظر إلى الدروس المستخلصة من جائحة «كوفيد-19»، فإن إسبانيا والمغرب يلتزمان بتدبير عصري لمراقبة الحدود، كما يجددان التزامهما بمواصلة المضي قدما بطريقة منظمة مع التطبيع الكامل لحركة الأشخاص والبضائع، بما في ذلك المقتضيات الملائمة للمراقبة الجمركية ومراقبة الأشخاص على الصعيدين البري والبحري.
وتشير الإحصائيات إلى تدفق استثماري يفوق ملياري أورو، مع وجود أزيد من 600 شركة إسبانية بالمغرب، وبخصوص التجارة فقد تجاوزت 20 مليار أورو، مع وجود تكامل كبير في قطاعات عديدة، وخاصة في قطاعات السيارات والصناعة والنسيج، وهي قطاعات كفيلة بتعزيز سلاسل القيمة بشكل أكبر، مشددة على أن الاتفاقيات التي سيتم توقيعها اليوم تبرهن على أن المغرب وإسبانيا «شريكان استراتيجيان».
وتعد إسبانيا الشريك التجاري الأول للمغرب منذ أزيد من 8 سنوات، وذلك بفضل المبادلات التجارية التي ارتفعت بنسبة 8 في المائة سنويا منذ 10 سنوات لتصل إلى 20 في المائة خلال السنة الفارطة، كما أن الاستثمارات الإسبانية في المغرب والاستثمارات المغربية في إسبانيا تعزز تكامل وقدرة القطب الصناعي المشترك ليصبح أكثر تنافسية في قطاعات معينة على الصعيد العالمي، مما سيخلق عروض عمل في البلدين وسيمكن بالشراكة مع إسبانيا من غزو الأسواق الدولية.
التعاون الأمني حجر الزاوية في علاقات ثنائية قوية
أشادت الحكومة الإسبانية، على لسان وزير الداخلية فرناندو غراندي- مارلاسكا، بالعلاقات «الرائعة» بين المغرب وإسبانيا. وأكد غراندي- مارلاسكا، في تصريح له خلال تدشين مركز جديد للحرس المدني بمحافظة ألباثيتي (وسط البلاد)، أن الدورة الـ13 للاجتماع رفيع المستوى بين المغرب وإسبانيا، المنعقدة بمدريد، تأتي في سياق علاقات «رائعة» بين البلدين.
احترام ومسؤولية
قال وزير الداخلية الإسباني إن البلدين يحافظان على «علاقات أخوية» تقوم بالأساس على «الاحترام والمسؤولية»، مؤكدا أن الحكومتين تعملان معا في إطار هذه الروح. وأشار المسؤول الإسباني إلى أن التعاون الثنائي بلغ «مستويات متميزة»، سيما في المجال الأمني، مسلطا الضوء على «تعاون وثيق» يسمح للبلدين بضمان أمن مواطنيهما.
وشدد غراندي- مارلاسكا على أن التعاون مع المغرب هو «اقتصادي وثقافي واجتماعي، وحاسم بطبيعة الحال في المجال الأمني»، مذكرا بأن البلدين يواجهان «تحديات عالمية جسيمة»، وجدد، من جهة أخرى، التأكيد على أن العلاقات بين المملكتين تتجاوز «مجرد علاقة جوار»، مؤكدا على طابعها «الأخوي».
ويعتبر التعاون الأمني بين الرباط ومدريد حجر الزاوية في العلاقات المغربية- الإسبانية، وعبرها مع باقي دول الاتحاد الأوروبي. وتتصدر الهجرة غير النظامية ومحاربة الإجرام الدولي والإرهاب عناصر التعاون بين البلدين منذ استقلال المغرب سنة 1956 إلى اليوم.
ووقعت إسبانيا مع المغرب العديد من الاتفاقيات في هذا المجال، أهمها اتفاقية الصداقة، حسن الجوار والتعاون سنة 1991 مع الحكومة الاشتراكية الثانية في إسبانيا برئاسة فيليبي غونزاليس، واستمر هذا التعاون بوتيرة متفاوتة حتى في مراحل التوتر بين البلدين، بما في ذلك أزمة جزيرة ليلى مع حكومة اليميني خوصي ماريا أثنار. وأثبت المغرب دائما قدرات استثنائية في مجال محاربة الإجرام الدولي والإرهاب، وكان لأجهزة الاستخبارات المغربية والأجهزة الأمنية دور كبير في رصد العديد من الخلايا الإرهابية في إسبانيا ومجموعة من دول الاتحاد الأوروبي. فضلا عن أن التعاون الأمني بين البلدين أسفر عن تفكيك مجموعة من عصابات التهريب الدولي للمخدرات.
وعرفت هذه العلاقات قفزة نوعية مع حكومة بيدرو سانشيز الحالية، خصوصا بعد إعلان مدريد عن موقفها من النزاع المفتعل في الصحراء المغربية وتصريح رئيس الحكومة الإسبانية، في رسالته الموجهة إلى الملك محمد السادس يوم 18 مارس 2022، عن دعمه لمشروع الحكم الذاتي المقترح من طرف المغرب كحل وحيد وممكن وواقعي لهذا النزاع.
منذ ذلك الحين جرت الكثير من المياه الصافية تحت جسر التعاون المغربي- الإسباني، كان آخرها اتفاق وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت ونظيره الإسباني فيرناندو غراندي- مارلاسكا على ضرورة تثمين الدينامية الإيجابية والملتزمة التي تعرفها العلاقات بين المغرب وإسبانيا من أجل الارتقاء بنموذج شراكتهما الاستثنائية والنموذجية على أكثر من صعيد، والتي تعد مرجعا للتعاون الثنائي.
وخلال محادثات سابقة بالرباط نوه عبد الوافي لفتيت ونظيره الإسباني بالشراكة الاستثنائية التي تجمع البلدين، وهي ثمرة لدينامية غير مسبوقة في العلاقات الثنائية، والتي تميزت بخارطة الطريق المعتمدة عقب المحادثات بين الملك محمد السادس ورئيس الحكومة الإسبانية بيدرو شانشيز في أبريل 2022.
تعزيز دينامية التنسيق
في هذا الصدد اتفق الجانبان على تعزيز دينامية التنسيق العملياتي وانسيابية قنوات تبادل المعلومات والخبرة من أجل استباق أفضل للتهديدات الناجمة عن الإرهاب والأنشطة الإجرامية وشبكات التهريب العابرة للحدود، وخاصة تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر. وذكر لفتيت بمساهمة المغرب وبالجهود الكبيرة التي يبذلها في مجال محاربة الإرهاب، ومراقبة الحدود والتصدي لجميع أشكال الإجرام العابرة للحدود، ما يؤكد الالتزام الثابت للمملكة من أجل الأمن الإقليمي، وتم التأكيد، أيضا، على المسعى الاستراتيجي والقيمة المضافة على المستوى الإقليمي للتعاون متعدد الأبعاد لفائدة بلدان الجنوب الشريكة، من خلال التكوين المتقاطع وتعزيز القدرات والدعم التقني.
ومن جانبه، أكد وزير الداخلية الإسباني، فرناندو غراندي- مارلاسكا، أن التعاون القائم بين المملكتين المغربية والإسبانية في مجالي الأمن والهجرة يتسم بـ «مستوى عال من الفعالية». وقال غراندي- مارلاسكا، في تصريح للصحافة عقب مباحثاته مع وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، إن «التعاون بين الرباط ومدريد يتسم بمستوى عال من الفعالية، سيما في مجالات مكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر ومكافحة تهريب المخدرات والجريمة المنظمة». وأوضح المسؤول الإسباني، الذي قام بزيارته الأولى إلى الخارج بعد تنصيب الحكومة الإسبانية الجديدة، أن الهدف من التعاون الأمني بين البلدين يتمثل في إنقاذ الأرواح، ومكافحة شبكات الاتجار بالبشر والنهوض بهجرة قانونية وآمنة ومنظمة.
في السياق ذاته أبرز المسؤول الإسباني أهمية علاقات التعاون الوثيقة بين المغرب وإسبانيا، التي تهم العديد من القضايا والتحديات المشتركة، ونوه غراندي- مارلاسكا بمستوى التعاون «النموذجي» في مجال مكافحة الإرهاب، مذكرا بأن سلطات البلدين نفذت، خلال السنة الماضية، 14 عملية مشتركة ضد خلايا إرهابية، وأشار إلى أن هذه العمليات أسفرت عن اعتقال 80 شخصا، مضيفا أن ذلك يعكس بشكل «واضح وجلي» فعالية ونجاعة التعاون بين الأجهزة الأمنية المغربية والإسبانية، مشيدا بالعلاقات الأخوية التي تربط بلاده بالمغرب. وسلط الوزير الإسباني الضوء، أيضا، على أهمية التعاون في مجال الوقاية المدنية، وخاصة في ما يتعلق بالتدخلات بعد الكوارث الطبيعية وتبادل الممارسات المثلى في هذا المجال.
إسبانيا تجدد دعمها للسيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية
أشادت إسبانيا بالمصادقة على القرار 2797 الذي يؤكد أن حكما ذاتيا حقيقيا تحت السيادة المغربية هو الحل الأكثر قابلية للتطبيق.
ونوهت إسبانيا، في الإعلان الذي تم اعتماده عقب أشغال الدورة 13 رفيعة المستوى، يوم الخميس الماضي بمدريد، بالقرار 2797 الذي صادق عليه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 31 أكتوبر 2025، والذي يؤكد أن حكما ذاتيا حقيقيا تحت السيادة المغربية هو الحل الأكثر قابلية للتطبيق لتسوية قضية الصحراء المغربية.
وبعدما جددت التأكيد على موقفها الثابت والبناء الذي عبرت عنه في الإعلان المشترك بتاريخ 7 أبريل 2022 بين رئيس الحكومة الاسبانية والملك محمد السادس، عبرت إسبانيا عن ارتياحها بشأن التطور الأممي الأخير حول قضية الصحراء المغربية، والذي يدعم “بشكل كامل الجهود التي يبذلها الأمين العام ومبعوثه الشخصي لتسهيل وقيادة المفاوضات بالاعتماد على مخطط الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب”.
ويكرس هذا الموقف، الذي يأتي في إطار الدورة 13 للاجتماع رفيع المستوى بين المملكتين، الدعم الفعال لإسبانيا لخارطة الطريق الأممية الحالية التي تضع مبادرة الحكم الذاتي المغربية في صلب مسلسل التسوية.
كما أشادت إسبانيا بالإصلاحات التي قام بها المغرب بقيادة الملك محمد السادس، وكذا بالمبادرات الملكية من أجل إفريقيا، وهكذا، أعربت إسبانيا عن دعمها لدينامية الانفتاح والتقدم والتحديث التي يشهدها المغرب، من خلال إنجاز إصلاحات التحديث تحت قيادة الملك محمد السادس، خاصة النموذج التنموي الجديد، والجهوية المتقدمة، والاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، بالإضافة إلى الإنجازات الكبرى في المجال الاجتماعي.
كما نوه الجانب الإسباني بالمبادرات الملكية لفائدة القارة الإفريقية، خاصة مبادرة مسلسل الدول الإفريقية الأطلسية، والمبادرة الدولية الرامية إلى تشجيع ولوج بلدان الساحل إلى المحيط الأطلسي، وكذا أنبوب الغاز الإفريقي – الأطلسي، وتعكس هذه المبادرات، يضيف الإعلان، التزام المغرب باستقرار وازدهار القارة الإفريقية.
ومن جهة أخرى، أشادت إسبانيا بالدور الثابت والمتوازن الذي يضطلع به المغرب في دعم مسلسل السلام، بقيادة الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، الذي يعمل جاهدا من أجل الحفاظ على الوضع القانوني والتاريخي للمدينة المقدسة، والدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
دينامية اقتصادية وتقارب استثنائي بين المغرب وإسبانيا
تعد العلاقات الاقتصادية بين المغرب وإسبانيا من أكثر العلاقات الثنائية دينامية في منطقة غرب المتوسط، وذلك بحكم القرب الجغرافي والتاريخ المشترك وتشابك المصالح الاقتصادية، مما جعل البلدين يرتبطان بشبكة واسعة من المبادلات والتعاون القطاعي. وعلى الرغم من التقلبات السياسية التي تشهدها هذه العلاقة بين الفينة والأخرى، فقد ظل الجانب الاقتصادي أكثر المجالات استقرارا واستمرارا، بل وأكثرها قدرة على تجاوز الخلافات، بفضل ما تفرضه المصالح المتبادلة من واقعية وبراغماتية.
الشريك التجاري الأول
منذ بداية القرن الحادي والعشرين، شهدت المبادلات التجارية بين البلدين طفرة لافتة، حيث صارت إسبانيا خلال العقد الأخير الشريك التجاري الأول للمغرب، متجاوزة فرنسا التي احتفظت بهذا الموقع لعقود طويلة. ويرجع هذا التحول إلى ثلاثة عوامل أساسية: الأول مرتبط بالتحولات الهيكلية التي عرفها الاقتصاد المغربي، خصوصا بعد اعتماد سياسة تنويع الشركاء وجذب الاستثمار الأجنبي؛ والثاني نتيجة اندماج إسبانيا العميق في السوق الأوروبية الموحدة، وما يقتضيه ذلك من توجيه صادراتها نحو أسواق قريبة وواعدة؛ أما العامل الثالث فيعود إلى التطور الكبير الذي عرفته سلاسل التوريد عبر ضفتي المتوسط، وتنامي أهمية الموانئ والمناطق اللوجستية، خاصة ميناء طنجة المتوسط الذي أصبح أحد أهم المراكز اللوجستية في العالم.
وساهم هذا القرب اللوجستي في تعزيز المبادلات التجارية بشكل غير مسبوق، إذ يستورد المغرب من إسبانيا موادا متنوعة تشمل الآلات الصناعية، وقطع الغيار، والسيارات، والمواد الغذائية، والمنتجات الكيميائية، بينما تُعدّ الصادرات المغربية نحو السوق الإسبانية متنوعة بدورها، تشمل المنتجات الفلاحية، والنسيج، والأسلاك الكهربائية، والمكونات الصناعية المرتبطة بصناعة السيارات والطائرات، بالإضافة إلى المنتجات البحرية. هذا التنوع يعكس انتقال العلاقة من نمط تقليدي قائم على تبادل المواد الأولية بالبضائع المصنعة، إلى نمط أكثر تطورا يتجلى في تشابك سلاسل القيمة بين البلدين.
في هذا السياق، أصبحت إسبانيا أحد أكبر المستثمرين في المغرب، حيث تنشط آلاف الشركات الإسبانية في مختلف القطاعات، خاصة في مجالات الصناعة، والبناء، والطاقة، والخدمات اللوجستية. كما شجع الاستقرار النسبي في مناخ الأعمال المغربي واستمرار الإصلاحات الاقتصادية على استقطاب المزيد من الاستثمارات الإسبانية، التي تستفيد من القرب الجغرافي ومن اليد العاملة المغربية المؤهلة والتنافسية. ويُعد قطاع النسيج مثالا بارزا على هذا التعاون، إذ تعتبر العديد من الشركات الإسبانية المغرب قاعدة صناعية للإنتاج والتصدير، مما جعل هذا القطاع يشهد اندماجا وظيفيا قويا بين مقاولات البلدين.
ومع ذلك، لا يمكن حصر التعاون الاقتصادي بين المغرب وإسبانيا في المبادلات التجارية والاستثمار، بل يتجاوز ذلك إلى الشراكات القطاعية ذات الطابع الاستراتيجي، مثل قطاع الطاقة. فالمغرب يعتمد بشكل كبير على استيراد الطاقة، وإسبانيا تعد شريكا مهما في هذا المجال، سواء في ما يتعلق بالربط الكهربائي أو نقل الغاز. وقد سمح خط أنابيب الغاز المغاربي- الأوروبي لسنوات بتزويد إسبانيا بالغاز الجزائري عبر المغرب، قبل أن يعرف تحولات جيوسياسية، إلا أن البنية الأساسية القائمة ما زالت تشكل قاعدة لإمكانات تعاون مستقبلي في مجالات الطاقات المتجددة والهيدروجين الأخضر. ويبرز هذا القطاع بوصفه أحد مجالات التعاون الواعدة، خاصة مع توجه الاتحاد الأوروبي نحو الطاقات النظيفة، واعتماد المغرب استراتيجية طموحة في مجال الطاقة الشمسية والريحية.
فلاحة وسياحة وجالية
يشكل المجال الفلاحي محورا رئيسيا في العلاقات الاقتصادية بين البلدين، فإسبانيا تُعد واحدة من أكبر المستوردين للمنتجات الفلاحية المغربية، خاصة الخضر والفواكه التي تلقى طلبا متزايدا في الأسواق الأوروبية. وقد ساهمت اتفاقيات الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي في تسهيل ولوج المنتجات المغربية إلى السوق الإسبانية، رغم ما يثيره ذلك من نقاشات بين حين وآخر داخل الأوساط الفلاحية الإسبانية التي ترى في تنافسية المنتجات المغربية تحديا لإنتاجها المحلي. ورغم هذه التوترات التي تظهر من حين لآخر، فإن الواقع الاقتصادي يثبت وجود تكامل كبير بين البلدين، إذ تستفيد المقاولات الإسبانية من استقرار تدفقات المنتجات المغربية، التي تغطي حاجيات السوق الأوروبية خلال فترات معينة من السنة.
من جهة أخرى، يلعب العامل البشري دورا لا يقل أهمية في تعزيز هذه العلاقات الاقتصادية، فوجود جالية مغربية كبيرة في إسبانيا يساهم في تكثيف المبادلات المالية والتجارية، كما يشكل جسرا ثقافيا واقتصاديا بين الضفتين. كما ساهمت حركة السياحة المتبادلة في انتعاش الأنشطة الاقتصادية، حيث يشكل المغرب وجهة سياحية مفضلة لعدد كبير من الزوار الإسبان، بينما تستقطب إسبانيا أيضا عددا مهما من السياح المغاربة.
ورغم قوة العلاقات الاقتصادية، فإنها لا تنفصل تماما عن الأبعاد السياسية. فبعض الملفات السياسية، مثل قضية الصحراء أو ملفات الهجرة، كان لها في عدة مناسبات تأثير مباشر أو غير مباشر على العلاقات الاقتصادية. ومع ذلك، أثبت الطرفان مرارا أن قنوات التعاون الاقتصادي أكثر قدرة على الصمود أمام الأزمات، وأن المصالح المشتركة تدفع باستمرار نحو إعادة التوازن وتجاوز الخلافات. وقد برز ذلك بوضوح خلال السنوات الأخيرة، حين تمت إعادة ترتيب العلاقات على أسس جديدة سمحت بعودة التنسيق الاقتصادي إلى مستوياته المعهودة.
وتشكل الجغرافيا والموقع الاستراتيجي للبلدين عاملا حاسما لتطور هذه العلاقات، فالمضيق الذي يفصل بينهما لا يتعدى أربعة عشر كيلومترا، ما يجعل التكامل الاقتصادي خيارا طبيعيا. وتعكس المشاريع المشتركة في مجالات النقل البحري، والربط الكهربائي، والتبادل الطلابي، وتعزيز حركة البضائع عبر الموانئ، إيمان الطرفين بأن مستقبل العلاقات الاقتصادية بينهما مرشح لمزيد من التعمق.
في المحصلة، يمكن القول إن العلاقات الاقتصادية المغربية- الإسبانية تجسد نموذجا للتعاون الإقليمي المبني على المصالح المشتركة، حيث تفرض الجغرافيا والروابط التاريخية والرهانات الاقتصادية الكبرى نوعا من الشراكة الاستراتيجية التي تتجاوز حدود الخلافات الظرفية. ورغم التحديات التي تطرحها المنافسة الدولية والأزمات السياسية بين الحين والآخر، فإن دينامية المبادلات والتكامل في سلاسل القيمة والاستثمارات المشتركة، كلها عوامل تجعل من هذه العلاقة شراكة مرشحة لمزيد من التطور. وبالنظر إلى التحولات الاقتصادية العالمية، وما تتيحه الطاقات المتجددة، والرقمنة، واللوجستيك المتقدم من فرص، فإن آفاق التعاون الاقتصادي بين المغرب وإسبانيا تبدو واسعة، وقادرة على تعزيز مكانة البلدين في محيطهما الإقليمي والدولي.
العلاقات المغربية الإسبانية.. مد وجزر بين الرباط ومدريد
تُعدّ العلاقات السياسية بين المغرب وإسبانيا من أكثر العلاقات الثنائية تعقيداً وتشابكاً في حوض البحر الأبيض المتوسط، حيث تتداخل فيها اعتبارات الجغرافيا والتاريخ والاقتصاد والأمن والهجرة. ورغم ما يميز هذه العلاقات من توترات دورية، فإنها تظل في جوهرها علاقة استراتيجية تقوم على المصالح المتبادلة والحاجة المستمرة للتنسيق بين بلدين لا يفصل بينهما سوى «بوغاز» ضيق، لكنهما في الوقت نفسه يمثلان ضفتي عالمين مختلفين: أوروبا وإفريقيا.
عقود من المد والجزر
عرفت العلاقات السياسية بين الرباط ومدريد خلال العقود الماضية مدّاً وجزراً، فهناك لحظات تنسيق وثيق، وأخرى يسودها التوتر الحاد. ويعود هذا التقلب إلى طبيعة الملفات المطروحة بين البلدين، التي غالباً ما تكون ملفات حساسة تمس السيادة والأمن القومي لكليهما. ومع ذلك، فإن قدرة الطرفين على إدارة الخلافات والعودة إلى الحوار تعكس إيمانهما بأن الاستقرار المتوسطي يظل رهينة لتعاون وثيق بينهما.
من أبرز القضايا السياسية التي طبعت العلاقات المغربية-الإسبانية قضية الصحراء المغربية، فهذه القضية تمثل محور السياسة الخارجية المغربية، وأي موقف إسباني منها يُعد حساساً للغاية. وقد شهدت السنوات الماضية تحولات مهمة في الموقف الإسباني، خاصة بعد إعلان مدريد دعمها لمبادرة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب كحل واقعي للنزاع. مثّل هذا التحول نقطة انعطاف إيجابية في العلاقات الثنائية، حيث اعتبره المغرب اعترافاً إسبانياً بأهمية استقرار المنطقة وبدور الرباط المركزي في ذلك. كما ساهم هذا الموقف في فتح مرحلة جديدة من الثقة السياسية والتنسيق.
ويبرز أيضاً ملف سبتة ومليلية والجزر الجعفرية كأحد المواضيع السياسية الحساسة التي ترافق العلاقات بين البلدين. وعلى الرغم من أن المغرب يؤكد حقه التاريخي في المدينتين، إلا أنه يتعامل مع هذا الملف بمنطق التدرج والحوار، تجنباً لأي توترات قد تؤثر على التعاون المتعدد الأبعاد بين البلدين. أما من جهة إسبانيا، فتعتبر هذه المناطق جزءاً من ترابها الوطني، وهو ما يجعل الحوار بشأنها معقداً. ورغم ذلك، فإن الطرفين يحرصان على ألا يتحول هذا الملف إلى عقبة تمنع تطوير العلاقات في باقي المجالات.
جانب آخر لا يقل أهمية هو الهجرة غير النظامية، حيث يشكل الساحل المتوسطي معبراً رئيسياً للحركات البشرية نحو أوروبا. وقد جعل هذا المعطى من المغرب شريكاً محورياً لإسبانيا في إدارة ملف الهجرة. فالتنسيق الأمني والاستخباراتي بين البلدين في هذا المجال يعتبر من أنجح نماذج التعاون الإقليمي، إذ ساهم في الحد من تدفقات الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر، كما ساعد على إنقاذ آلاف المهاجرين من المخاطر البحرية. ومع ذلك، تفجر الهجرة أحياناً خلافات سياسية، خاصة عندما تتأثر الثقة بين الطرفين، كما حدث في بعض الأزمات السابقة، ما يدل على حساسية هذا الملف.
وعلى مستوى مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، تشهد العلاقات المغربية-الإسبانية تعاوناً وثيقاً يُعد نموذجاً يحتذى. فبحكم قرب البلدين وتشابك المصالح الأمنية، أصبح التنسيق الاستخباراتي والأمني بينهما أساسياً في مواجهة الخلايا الإرهابية العابرة للحدود. وقد حققت الشراكة الأمنية بين البلدين نجاحات مهمة، خاصة ضد الخلايا المتطرفة التي حاولت استغلال القرب الجغرافي بين الضفتين. وتؤكد العديد من العمليات المشتركة أن استقرار إسبانيا مرتبط بشكل مباشر بالتعاون مع الأجهزة الأمنية المغربية، وهو ما يعزز أهمية البعد السياسي في هذه العلاقة.
عوامل جيوسياسية وإقليمية
لا يمكن الحديث عن العلاقات السياسية بين المغرب وإسبانيا دون الإشارة إلى العوامل الجيوسياسية والإقليمية، فالمغرب، بموقعه الاستراتيجي جنوب المتوسط وبوصفه بوابة نحو إفريقيا، أصبح فاعلاً أساسياً بالنسبة لإسبانيا. وفي المقابل، تظل مدريد أحد أهم الشركاء الأوروبيين للمغرب، سواء باعتبارها عضواً مؤثراً داخل الاتحاد الأوروبي أو لكونها الدولة الأوروبية الأقرب جغرافياً إليه. هذا التداخل يجعل البلدين مضطرين إلى التشاور المستمر بشأن الملفات الإقليمية، مثل الأمن في الساحل والصحراء، والوضع في شمال إفريقيا، ومستقبل التعاون الأورومتوسطي.
شهدت العلاقات السياسية بين البلدين في السنوات الأخيرة مرحلة إعادة بناء، خاصة بعد التوتر الذي برز سنة 2021، والذي تسبّب في أزمة دبلوماسية حادة. غير أن تجاوز تلك الأزمة جسّد قدرة الطرفين على العودة إلى الحوار واستئناف التنسيق، انطلاقاً من إدراكهما بأن استمرار التوتر لا يخدم أي طرف. وقد تلا ذلك إعلان مرحلة جديدة قائمة على «الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة وتجنب ما يمس السيادة الوطنية»، وهو ما شكل خارطة طريق سياسية جديدة ساهمت في تهدئة الأجواء وإعادة السنوات الأخيرة إلى مسار الشراكة.
كما يُعتبر التعاون البرلماني والحوار السياسي المنتظم عنصراً مهماً في العلاقات الثنائية، حيث تجرى لقاءات متواصلة بين مسؤولي البلدين لتطوير مجالات التعاون، وتعزيز الثقة، ومناقشة الملفات المشتركة. وتشكل الزيارات الملكية والرسمية رافعة أساسية لدعم هذا المسار، إذ غالباً ما تفضي إلى توقيع اتفاقيات وتفاهمات استراتيجية تعمق العلاقات السياسية وتضمن استمراريتها.
من جانب آخر، يبرز دور العامل الاقتصادي كمتغير يؤثر على البعد السياسي، إذ إن حجم المبادلات التجارية وتشابك المصالح الاقتصادية يدفعان نحو الحفاظ على استقرار العلاقات. فصحيح أن العلاقات السياسية تتأثر أحياناً بالخلافات، لكن التداخل الاقتصادي يفرض على الطرفين دائماً العودة إلى منطق الشراكة. ومن هنا يمكن القول إن الاقتصاد يشكل صمام أمان للعلاقات السياسية.
في المحصلة، يمكن اعتبار العلاقات السياسية المغربية-الإسبانية علاقة معقدة لكنها ضرورية للطرفين. فهي علاقة تجمع بين الملفات الحساسة من جهة، والتعاون الاستراتيجي من جهة أخرى. ورغم التقلبات، أثبتت هذه العلاقات قدرتها على تجاوز الأزمات بفضل إيمان الطرفين بأن مستقبل الاستقرار في غرب المتوسط مرتبط بتعاونهما. ومع تنامي التحديات الإقليمية والدولية، يظل من المتوقع أن يتعزز الحوار السياسي بين البلدين، وأن تتطور الشراكة نحو مزيد من التنسيق بما يخدم مصالحهما المشتركة ويحافظ على الأمن والاستقرار في المنطقة.
ثلاثة أسئلة لعتيق السعيد *:
«العلاقات المغربية الإسبانية مسار دبلوماسي متطور وإطار نموذجي للتعاون المتكامل»
- ما دلالات انعقاد الدورة الثالثة عشرة للاجتماع رفيع المستوى بين إسبانيا والمغرب؟
انعقاد الدورة الثالثة عشرة للاجتماع رفيع المستوى بين إسبانيا والمغرب يجسد مسارا متقدما من التعاون الثنائي بين البلدين، ويؤكد، في الوقت ذاته، تطوّر علاقات دبلوماسية بارزة أسست، بقيادة جلالة الملك محمد السادس، لشراكة أكثر حداثة وشمولية، وبالتالي يعد هذا الاجتماع رفيع المستوى، في دورته الثالثة عشرة، دليلا على الانخراط القوي للبلدين واستدامة التعاون الواعد بينهما، وبالتالي يشكل الاجتماع رفيع المستوى بين إسبانيا والمغرب مناسبة متجددة لتعزيز التعاون المشترك وإرساء علاقات بناءة أكثر تطوراً ودينامية، في إطار شراكة تتسم بالاستمرارية وتدعم مساراً متقدّماً من التنسيق والتشاور في مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك. ومن خلال ذلك يعمل الجانبان على استثمار كل الفرص المتاحة للتصدّي للتحديات المشتركة واستشراف آفاق تعاون واعدة.
إن انعقاد الدورات الثنائية بين المغرب وإسبانيا يعكس التطوّر المستمر الذي تشهده آفاق العلاقات بين البلدين، والتي أصبحت تمثل قاعدة قوية لمسار دبلوماسي رفيع يؤطّر هذه العلاقات النموذجية. وامتد هذا التطوّر ليشمل توسيع دائرة التعاون المشترك، بما يضمن العمل سوياً من أجل تنمية شعوب المنطقة وتعزيز استقرارها. ويتجلّى ذلك في التنسيق الوثيق بين البلدين بشأن قضايا تمسّ أساساً الفضاء الأورو–متوسطي، ومنطقة الساحل وإفريقيا بشكل عام. وتعزّز هذا التنسيق بفضل الدينامية القوية للشراكة الاستراتيجية التي تجمع المغرب وإسبانيا، والتي رسّختها الإرادة السامية التي عبّر عنها جلالة الملك محمد السادس خلال لقائه برئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز. وهذا ما يعكس بوضوح الاهتمام الذي توليه إسبانيا للمغرب كبلد صديق وشريك مهم وفاعل أساسي في تنمية الجوار الجنوبي للمتوسط.
إن التوقيع على أربع عشرة اتفاقية تعاون، خلال الدورة الثالثة عشرة للاجتماع رفيع المستوى بين إسبانيا والمغرب، يبرز حجم الانسجام والوعي المشترك بين الجانبين، ويؤكد نجاح العلاقات الثنائية وإرادتهما في تجسيد نموذج للتعاون القائم على قاعدة «رابح–رابح». ويعكس هذا التوقيع، كذلك، نضج علاقات طموحة وواعدة أصبحت تؤسس لاستدامة التعاون في مختلف المجالات، وتواصل ديناميتها المتقدمة نحو آفاق جديدة أكثر طموحاً وابتكاراً. وبفضل الإرادة السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس تسير هذه العلاقات اليوم في اتجاه إرساء شراكات مبتكرة واستراتيجية، ستُطلق في إطار الرؤية الملكية، سواء على مستوى المغرب أو إسبانيا أو على صعيد القارة الإفريقية، بما يجعل انعكاساتها الإيجابية عاملاً مشتركاً في دعم السلم والأمن والتنمية والازدهار بإفريقيا وأوروبا.
- ما حمولة إشادة إسبانيا بالمصادقة على القرار 2797 الأممي، الذي يؤكد أن حكما ذاتيا حقيقيا تحت السيادة المغربية هو الحل الأكثر قابلية للتطبيق؟
شهدت الدورة الثالثة عشرة للاجتماع رفيع المستوى بين إسبانيا والمغرب إشادة بالقرار الأممي الذي يؤكد أن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية يشكّل الحل الأكثر قابلية للتطبيق. وفي هذا الإطار، فإن الموقف الإسباني الداعم بجدية ووضوح لمبادرة الحكم الذاتي، واعتبارها الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية لتسوية الخلاف المتعلق بالصحراء المغربية، يعكس إيمان مدريد الراسخ بعدالة القضية الوطنية.
الموقف الإسباني، الذي يأتي في إطار الدورة 13 للاجتماع رفيع المستوى بين المملكتين، يبين الدعم الفعال لإسبانيا لخارطة الطريق الأممية الحالية التي تضع مبادرة الحكم الذاتي المغربية في صلب مسلسل التسوية. وإدراكا من مدريد لأهمية قضية الصحراء بالنسبة للمغرب، وللجهود الجادة وذات المصداقية التي يبذلها، فإن تأكيد اعتراف الجارة الإسبانية بالحكم الذاتي كحل واقعي ومستدام لهذا النزاع المفتعل يجسّد استيعابها العميق لرمزية القضية الوطنية. ويشكل هذا الموقف الواضح اعترافاً يعزل ويُفشل كل محاولات عرقلة مسار التعاون الثنائي، الذي بات اليوم نموذجا يُشاد به على الصعيد القاري.
إن دلالات دعم إسبانيا للحل النهائي للنزاع المفتعل بالصحراء المغربية، وما يرافقه من تأكيد اعترافها بمبادرة الحكم الذاتي، تمثل رسالة واضحة لباقي دول الاتحاد الأوروبي مفادها أن القضية الوطنية تستند إلى شرعية تاريخية وحجج قانونية راسخة. وتؤكد أن المغرب ظل وفياً لمبادئه، ولم يغير توجهه السياسي أو الاستراتيجي ولا طريقة تعامله مع القضايا الدبلوماسية، بل ظل حريصاً على بناء علاقات قوية وبنّاءة ومتوازنة مع دول الجوار، وامتداداً منها إلى باقي الدول الأوروبية. وهو المنطق نفسه الذي يثمر اليوم جهوداً جادة نحو إرساء أسس متينة وجديدة في العلاقات مع هذه الدول.
- ما أهمية دعم إسبانيا لدينامية الانفتاح والتقدم والتحديث التي يشهدها المغرب؟
العلاقات المغربية– الإسبانية مسار دبلوماسي متطور وإطار نموذجي للتعاون المتكامل، يدعم إقامة علاقات قوية تتطور ذاتياً، ضامنة لكل الفرص البناءة، ومتوازنة ومبنية على الثقة المتبادلة، والتشاور الدائم والتعاون الصريح والصادق. ويهدف هذا النهج إلى تحقيق أعلى مستويات الانخراط والتعاون الثنائي المستدام في إطار شراكة متعددة الأبعاد، ما يجعل هذه الدورات رفيعة المستوى تمثل عهداً يتجدد في العلاقات الثنائية بين البلدين الجارين.
إن موقف إسبانيا الداعم لدينامية الانفتاح والتقدم والتحديث التي يشهدها المغرب، من خلال إنجاز الإصلاحات تحت قيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، بما في ذلك النموذج التنموي الجديد، والجهوية المتقدمة والاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، إلى جانب الإنجازات الكبرى في المجال الاجتماعي والاقتصادي، يشكل شهادة واضحة على ما يحققه المغرب من تطور تنموي ملموس داخلياً وخارجياً، بفضل الدبلوماسية الملكية الفعّالة.
الجانب الإسباني وقف على أهمية المبادرات الملكية لفائدة القارة الإفريقية، خاصة مبادرة مسلسل الدول الإفريقية الأطلسية، والمبادرة الدولية الرامية إلى تشجيع ولوج بلدان الساحل إلى المحيط الأطلسي، وكذا أنبوب الغاز الإفريقي – الأطلسي، حيث تشكل المبادرة الأطلسية، التي أطلقها جلالة الملك لتعزيز ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، دينامية تنموية مبتكرة تهدف إلى تأهيل المجال الساحلي وتوحيد آليات التعاون الإفريقي المستدام. وأرسى هذا المشروع هندسة جديدة تعيد هيكلة هذا الفضاء الجيو– سياسي على المستويين القاري والدولي، مانحة إياه فرصاً غير مسبوقة للتكامل الاقتصادي والتواصل الإنساني والإشعاع القاري والدولي. ومن خلال هذه المبادرة، يؤكد المغرب، مرة أخرى، إيمانه الراسخ بأن فعالية توحيد جهود الدول الإفريقية تعزز روابطها وتقويها، من خلال تبني مقاربة تشاركية تُعدّ أسلوباً ومنهجاً لا غنى عنه لتحقيق التنمية واستدامتها في إفريقيا.
وأشادت إسبانيا بالدور الثابت والمتوازن الذي يضطلع به المغرب في دعم مسار السلام، بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، وبسعي جلالته المستمر للحفاظ على الوضع القانوني والتاريخي للمدينة المقدسة والدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. ويعكس هذا الموقف الإسباني مدى تقديرها للجهود المغربية في تعزيز الأمن والسلام ورفاه الشعوب.
وتمثل العلاقات الثنائية بين المغرب وإسبانيا انتقالاً عملياً وجاداً في مسار التعاون والشراكة التنموية بين البلدين، يرتكز على الدعم الواضح والثابت لجميع القضايا المشتركة. ويلاحظ، مع انعقاد الدورات الثنائية بين المغرب وإسبانيا، حجم التطور الكبير في هذه العلاقات، التي امتدت بشكل مستمر لتشمل ليس فقط التعاون الثنائي، بل أيضاً السعي المشترك لتنمية المنطقة وتعزيز استقرارها وحمايتها من المخاطر والأزمات الإقليمية والدولية، سواء على الصعيد الاقتصادي أو الأمني. ويتجلى ذلك من خلال التنسيق الوثيق بين البلدين حول قضايا أساسية تمس الفضاء الأورو– متوسطي ومنطقة الساحل وإفريقيا بصفة عامة، والذي يعزز بقوة دينامية الشراكة الاستراتيجية بين المغرب وإسبانيا، بفضل الإرادة السامية لجلالة الملك محمد السادس، ويؤكد كذلك دعم إسبانيا المستمر والاهتمام الذي توليه للمغرب كبلد صديق وشريك مهم وفاعل أساسي في تنمية الجوار الجنوبي للمتوسط.
* أستاذ القانون العام والعلوم السياسية بجامعة القاضي عياض مراكش





