شوف تشوف

الرأي

الغائب الحاضر

يونس جنوحي

 

لا عجب أن تعيش الجامعة المغربية أسوأ أيامها، ونحن نسمع الأخبار المتواترة والتسريبات التي لا تتوقف إلا لتبدأ من جديد، بخصوص فوضى النقط والتحرش وفضائح مباريات ولوج الماستر.

هذا الأسبوع يجتاز عشرات الآلاف من الطلبة الامتحانات النهائية، في تخصصات علمية، وفي العلوم الإنسانية، وكليات القانون والاقتصاد. وبمجرد ما تنتهي فترة الامتحانات، حتى تبدأ «محن» تصحيح الأوراق، حيث تسجل الجامعات دوريا شكايات كثيرة تتعلق بالغياب، إذ إن أعدادا من الطلبة يجدون أنفسهم غائبين في اللوائح، رغم أنهم اجتازوا الامتحانات، بالإضافة إلى طلبات مراجعة الأوراق.

يتكرر هذا السيناريو المزعج سنويا، دون أن يحاول المسؤولون إيجاد حل له، رغم تغيرات التكنولوجيا وأنظمة المعلومات التي من شأنها أن تبسط العملية برمتها، دون الحاجة إلى طبع اللوائح.

وهناك أساتذة شرفاء يقطعون عطلهم ويرابطون في مكاتبهم بالجامعات، للوقوف على عملية تصحيح الأخطاء، خصوصا منها التي تتعلق بتسجيل غياب الطلبة عن الامتحانات رغم حضورهم.

لو كان الأمر يتعلق بحالات طفيفة واستثنائية لكان الأمر مفهوما، خصوصا وأننا في المغرب كبرنا مع أخطاء الإدارة، وصارت جزءا من حياتنا اليومية. لكن أن يصبح التقليد سنويا، فالأمر يدعو فعلا إلى القلق.

كما أن بعض الحالات كشفت عن وجود تلاعبات واضحة في النقط، إذ لاحظ بعض الأساتذة أن النقط التي يمنحونها للطلبة تتعرض لتعديلات على مستوى اللوائح النهائية المسلمة إلى الإدارة، ويتم التدخل دائما لإعادة مراجعتها وإنصاف الطلبة المتضررين.

وبسبب هذه الكوارث في تصحيح الأوراق، تضيع موارد الدولة ووقت الأساتذة ووقت الإداريين الشرفاء، الذين يقفون بأنفسهم على عملية إنصاف أبناء الشعب، وإعادة الاعتبار إلى مسارهم الدراسي.

هناك فعلا بعض الصعوبات التي تعيشها إدارات الجامعات المغربية، أولها محاولات الفصائل الطلابية الفوز دائما بمهل إضافية للتحضير للامتحانات. وقد عشنا بدورنا هذه المحن، عندما كنا طلبة. إذ إن بعض أعضاء الفصائل الطلابية، ليس لديهم أي عمل في الحرم الجامعي سوى انتظار توقيت الإعلان عن الامتحانات، لكي ينظموا مظاهرات ويقاطعوا الدروس ويقتحموا القاعات والمدرجات، ويُخرجوا زملاءهم بالقوة لمقاطعة الدروس، والمطالبة بتمديد مهلة التحضير للامتحانات، وحتى لو مُنحوا أشهرا إضافية للتحضير، فإنهم سوف يطالبون بمهلة جديدة.

الذين يركزون هذه الأيام على الفضائح الجنسية داخل الجامعات المغربية، والتلاعبات في ترشيحات سلك الماستر، يظلمون الجامعة مرتين. الأولى أنهم يُسيئون إلى جحافل من الأساتذة الشرفاء، الذين يجرون وراءهم خبرات في التعليم العالي، ويؤلفون الكتب، ويأخذون بأيدي أجيال من الطلبة. والثانية أنهم يُحرفون النقاش الحقيقي، الذي يجب أن يُفتح لإنقاذ التعليم العالي من السكتة القلبية، وإعادته إلى السكة.

هناك حكاية، حقيقية للأسف وليست متخيلة، تتعلق بواقع التعليم العالي في المغرب. وهي أن طالبا ذهب ليضع شكاية بأستاذ جامعي غاب عن الحصة المبرمجة في الجامعة، وذهب لكي يُدرس طلبة في معهد خاص لا يبعد عن الجامعة إلا بأمتار قليلة.

القضية وما فيها أن الطالب الذي كان في طريقه لكي يضع الشكاية، قضى سنوات في الجامعة دون أن يحصل على أي درجة جامعية، وقرر أن يدرس في معهد خاص. وذات صباح قرر أن يتغيب عن حصة في الجامعة، لكي يتفرغ للمعهد. لكنه صُدم عندما رأى الأستاذ الذي يفترض أن يلقي المحاضرة في الكلية، يتجول بحقيبته بين أروقة المعهد متجها إلى القاعة، حيث يوجد طلبته الحقيقيون.

وهنا يظهر مشكل الجامعة المغربية بوضوح. طلبة يذهبون إلى الجامعة لقتل الوقت، في انتظار الالتحاق بمعهد خاص، وأساتذة جامعيون يتركون كراسي الجامعة، للجري وراء تعويضات سويعات المعاهد الخاصة. وفي الأخير يتركون الجامعة للقطط ومنشورات «تشي غيفارا» وأناشيد الرفاق الحائرين، وللذين يشتغلون بنظام الجنس مقابل النقط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى