
مع استفحال فوضى النشر وما يتبعها من تهديد لأمن المواطنين وانتهاك أعراضهم وانتشار شبكات التشهير والابتزاز في ظل مبررات تعثر التشريعات القانونية الأكثر ردعا للمتورطين، ينضاف ملف الذكاء الاصطناعي وتحذير مهتمين بالمجال من فوضى استغلاله بالمغرب في أعمال إجرامية لا أخلاقية وإنتاج فيديوهات خادشة للحياء، خاصة في غياب معايير وإرشادات تنظيمية واضحة ومحددة.
يجب التنبيه إلى أهمية الاستباقية في التعامل مع بداية إنتاج وتسويق فيديوهات وصور من إنتاج الذكاء الاصطناعي، وخطر استقبالها من قبل جمهور رقمي لا يفقه شيئا في التطور التكنولوجي، ويصدق كل شيء منشور على المنصات الاجتماعية، ما يمكن للفوضى أن تتحول إلى المس بالأمن العام وأمن الأفراد واستقرار المجتمع، سيما وتبعات تداول الشائعات التي يتم تقديمها بسيناريوهات أقرب إلى الحقيقة.
وطبعا فلا أحد يمكنه أن يكون مع الانغلاق على الذات ومقاومة التطور التكنولوجي، ولكن المشكل يوجد في الاستعمال السلبي للتطور التكنولوجي في التواصل، واستغلال الذكاء الاصطناعي في إنتاجات غبية وبذيئة تسخر من القيم النبيلة والوازع الديني والأخلاقي، وتبالغ في التنكيت حول قرارات استراتيجية للدولة، فضلا عن ترويج الكلام الساقط والدفع في اتجاه التطبيع مع تبليد الذوق العام.
وهناك من يستخف دوما بالبدايات ويدخلها في خانة الدهشة والفضول في التعامل مع الذكاء الاصطناعي، لكن تجارب المنصات الاجتماعية وتبعات فوضى النشر علمتنا أن الحروب الحديثة أصبحت تدار خلف الكواليس، والمجتمعات التي تعاني التخلف تتم إدارتها عن بُعد، لهدم كل الأسس المتينة التي تجمعها، وتفكيك الأسرة كنواة للمجتمع والتطبيع مع التفاهة وجعلها المثل والقدوة في السير نحو القاع والجري خلف الحياة الوردية وتحقيق الأحلام بسلك طريق التفاهة وليس الاجتهاد والعلم والعمل.
إذا كان الفراغ القانوني هو بالفعل ما ينقص للتعامل مع فوضى النشر واستغلال الذكاء الاصطناعي في إنتاجات تافهة وسلبية، فإننا بحاجة لفرق برلمانية في المستقبل القريب، لها من القدرة ما يكفي لتسريع التشريعات القانونية التي تنظم المجال، وذلك في إطار الاستباقية وليس معالجة النتائج التي تحتاج مجهودات جبارة بحصيلة هزيلة.
يجب على جميع الجهات المعنية الأخذ بعين الاعتبار أن هناك العديد من المعطيات الميدانية التي تسمح بالاستغلال غير الأخلاقي لهذه التقنيات الجديدة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، على رأسها تدني الوعي المجتمعي والتيه القيمي، ما يجعل الخصوصية وحماية البيانات الشخصية والحق في الصورة في مرمى الشبكات الإجرامية التي تنشط في المجال، ويتطلب الصرامة في التعامل مع الخروقات ومحاصرتها كي لا تصبح واقعا لا يرتفع.
نحن في حاجة لمؤسسة تشريعية قوية، تواكب التحديث المستمر للقوانين ومتطلبات العصر المتسارعة، وتضمن التوازن بين التقدم التكنولوجي والاستفادة منه في جميع مناحي الحياة من جهة وحماية الحقوق الفردية والمجتمعية من جهة ثانية، لأن من يستهين بسحر منصات التواصل الاجتماعي له ذاكرة قصيرة ولا يعرف أن ما يسمى “الربيع العربي” الذي تحول إلى خراب كان وقوده صفحات التواصل الاجتماعي والقيادة الخفية لحروب موجهة عن بُعد، تدمر أهم ركائز تماسك المجتمعات المستهدفة، وتعمل بشكل يومي على خلق هوة وتوسيعها بين المواطن ومؤسساته الرسمية وتمييع العلاقة التي تربطهما وهذا في حد ذاته خطر ما بعده خطر.





