الرأي

«الفالنتاينز داي»

ترددتُ في كتابة ذلك الألم الذي أمضى ليلتَه الثانية بغرفتي، توسلتُ إليه أن يغادر فأبى، حاولتُ الهروب من قبضته لكن بطشه أكبرَ من إرادتي، التي تعاني من إعاقةٍ، صرتُ أعلم مصدرها وأجهل سبل معالجتها.. المهم حَضَرتني فكرةُ ألاَّ أُقدِمَ على فعل شيءٍ ذي أهميةٍ أو اتخاذ أي قرارٍ تحت وطأة ضغطٍ أو معاناة، والواقع أنني بمنأىً عن اتخاذ قراراتٍ حاسمةٍ في هذه الآونة، خصوصا أنها تكلل بالإخفاقات التي عادةً ما تتسببُ لي في الإحراج أمام نفسي، كما أن القارئ لمْ يعدْ يتذوقُ كما من قبل، نكهاتِ الألمِ المعتقِ، الممزوجِ بملح العبراتِ، الجميع يبحث عن الفرح المضمخ باللذائذ وحبيبات الكافيار..
ولأنني لا أبِيتُ متوازنةً وطبيعيةً جداًّ، إلا حينما تنتابُني انزياحاتي المجنونة، فقد فكرتُ لتوي بعيد الحب الذي سنقفزُ أو نتعثرُ فوق عتبته نهاية الأسبوع، بدلا من التفكير مثلا بالمعرض الدولي للكتاب الذي يتزامن والحدث نفسه، ليس لأنني في حالة حب.. لا لا أبدا… أنا الآن أطلُّ من شرفةٍ قريبةٍ جداًّ من مستوى سطح الأرض، ولا شأنَ ليَ البتة بمن هم فوق.. لكن كلُّ ذلك لا يمنعني من أن أفكرَ بالأشخاص الذين تستفزهم هذه المناسبة، فمنهم من لا يقبل بوجودها، لأنه لا يحب الاحتفال واقتناء الهدايا وإنفاق المال على أمر تافه، وهناك من تحرجُه عباراتُ الحب أمام حبيبته، وقد تُصيبهُ أنوارُ الشمعدان الخافتة بحالة اكتئاب، ومنهم من يدعي رفضَه لعيد الحب لكي يفرَّ من ربَقةِ الحب المزمن إلى فضاءات الحب الحر الطليق، لكن أقوى حالات الرفض هي تلك التي يعبر عنها من يكفرون بعيد الحب، أولئك الذين يعتبرونه من أعياد الكفار أساسا، ولا شأن للمؤمن بمثل هذه المظاهر البعيدة كل البعد عن عقيدته وثقافته وانتمائه، كما لا يجوز التشبه بالكافر الذي يحتفي بشيء مخزٍ كهذا..
صحيحٌ أنه لا شأن لي بالإيمان أو الكفر في مثل هذه النازلة، فأنا من محبي الاحتفال حتى وإن لم أكن يوما من محبي الرجال… فالاحتفال بالنسبة إلي هو خلقُ الفرصِ وتعبيدُ الطريقِ أمام الفرح، خصوصا إذا كان احتفالا بأسمى شعور في الوجود، أوَ لمْ يكنِ الحبُّ سبباً في تواجد الإنسان واستمراره على الأرض؟
في السنة الماضية جلبتُ الدببة ذات الفرو الناعم والقلوب الحمراء وعلبة الشوكولاته وقالب الحلوى ثم عدت إلى المنزل لأحتفلَ مع طفلَيَّ، وبالفعل كانت سهرة جد مميزة، استمتعنا فيها بالموسيقى ورقصنا، وقد كانت العيون تلمع والفرحة تعلو وجوهَنا، وبعد أن أكلنا من قطع السعادةِ، خلدنا جميعُنا إلى نومةِ طفل. حدث ذلك بالفعل لأنني لم أكن أشعر بحب يضاهي محبة الطفلين، وما عداه كان وهماً رغم صدق المشاعر. أو ربما كان شيئا يشبه الحب، لأنني بعدها صرت أجد لكل أمر شبيهه، حتى فكرت بأن هناك الرجال وأشباه الرجال، وهناك المشاعر وأشباه المشاعر، وهناك الخيبات التي لا يشبهها شيء بالمرة..
عموما أنا لا أرفض الاحتفال بعيد الحب وبكل الأعياد الأخرى أيا كانت هويتها أو مرجعياتها الدينية، المهم أن تكون شروط الاحتفال مقبولة إنسانيا وغير مؤذية لحرية الغير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى