
جمال أكاديري
كشفت الاجتماعات التنسيقية الأخيرة، بين المغرب ودول الساحل، عن ديناميكية جيوسياسية كبيرة بشمال وغرب إفريقيا. بالإضافة إلى أن المبادرة المغربية المتمثلة في إتاحة وصول الأنشطة التجارية إلى مياهه الأطلسية، تعتبر بالنسبة إلى هذه الدول غير الساحلية تحولا نموذجيا يحدث بالفعل، ويدا ممدودة من المغرب لإعانتها على الخروج من عزلتها وفك التهميش الاقتصادي عنها.
هاته المبادرة ستعطي لهذه الدول التي لا تطل على البحر (ولأول مرة بعد استقلالها) فرصة تاريخية للوصول إلى المحيط الأطلسي، ومن خلاله إلى الأسواق العالمية المختلفة؛ ما سيعزز حجم صادراتها وإخراجها من دوامة العيش على وقع مبادلات تجارية ضعيفة وهشة.
لفترة طويلة جدا، أدى التدخل الاستعماري الغربي الجديد إلى إبقاء هذه الدول تابعة، وتحويل مواردها إلى الخارج ضد تنمية مصالح سكانها الفعليين. والآن، تسعى النخب الإفريقية الصاعدة إلى تحرير نفسها من هذه الوصاية، مما يفتح الطريق أمام شراكات متعددة تأسست في السنوات الأخيرة مع قوى مثل الصين وروسيا وتركيا.
ويبدو أن المغرب، نظرا إلى ثقله الدبلوماسي والاقتصادي المتزايد في المنطقة، شريك أساسي لكل الأفارقة يوفر جسرا وعمقا استراتيجيا رئيسيا.
إن الحضور الملحوظ لدول الساحل بالمنتديات المغربية، على الرغم من الضغوط الخارجية السرية لعرقلته، يدل على رغبة العديد من هذه الدول في تنويع تحالفاتها، من أجل تنميتها بعزيمة سيادية.
والملاحظ كذلك، أخيرا، أن إفريقيا الغربية تتجه نحو مزيد من التواصل التشاركي وإعطاء الأولوية للتضامن والتكامل، على النحو المتصور في المشروع القاري لسوق إفريقية موحدة. وهذا أمر بالغ الأهمية للتنمية المشتركة عبر دول غرب ووسط إفريقيا. وستكون مشاريع البنية التحتية، مثل خط أنابيب الغاز عبر الساحل الذي يمتد من نيجيريا إلى المغرب على طول ساحل المحيط الأطلسي، بمثابة روافد رئيسية.
وعكس هذا الاجتماع التاريخي بالمغرب تحولا استراتيجيا في المنطقة، نحو التنمية التي تقودها فكرة الاستقرار السياسي أولا، لرفع مستويات المعيشة وتعويض الوقت الضائع. كما أن ظهور جيل جديد من القادة الأفارقة، ذوي التفكير الثاقب، والعلاقات مع العالم الأوسع، أظهر شجاعة سياسية في الابتعاد عن الميثاق الاستعماري الذي فرضته فرنسا على مستعمراتها السابقة.
واليوم، تقيم دول الساحل شراكات متنوعة مع جهات فاعلة مثل روسيا والصين والولايات المتحدة وتركيا ودول الخليج. ولم تعد رهائن للقوى الاستعمارية القديمة وترفض البقاء كمناطق لاستغلال الموارد الطبيعية، من قبل الشركات الأجنبية التي لا تخلق أي قيمة مضافة أو نمو داخلي.
وبطبيعة الحال، ينظر الغرب الرأسمالي للقاء بعين التوجس، لأنه يهدد بتقويض نفوذه وتحرير دول المنطقة من إملاءاته ومصالحه وجيوسياساته. إذ بات الكل الآن يعلم جيدا أن المشروع التعاوني الإفريقي، بقيادة المغرب، سيتحقق ويفيد سكان المنطقة الإفريقية المعنية بشكل أساسي، وحتى بدعم دولي خارجي من ذوي النوايا الحسنة. بالإضافة إلى أن عملية إعادة التنظيم والتنسيق هذه، توضح سعي تكتل من إفريقيا إلى الاستقلال عن الموروثات الاستعمارية والابتعاد عن مثيري النزاعات، وخلق نموذج جديد متعدد الأطراف يعطي الأولوية للأمن والاستقرار والتنمية الشاملة، ولو في جزء خاص من القارة في انتظار التحاق باقي الدولة الناشئة.
وتلعب الدبلوماسية دورا حاسما، وكذلك في التنسيق الإقليمي. فاستخدام الدبلوماسية الثنائية ومتعددة الأطراف لحل النزاعات السياسية والاقتصادية، والتفاوض على حلول وسط، والبحث عن حلول متبادلة المنفعة، يجعل بلدا مثل المغرب من الوسطاء المحايدين الذين في قدرتهم تسهيل المفاوضات والمساعدة في إيجاد أرضية مشتركة.
ومن المهم التأكيد على أن التنسيق، والتغلب على الخلافات السياسية والاقتصادية، لا يحدث بين عشية وضحاها. وهذا يتطلب التزاما طويل الأمد، وثقة متبادلة، وإرادة سياسية، والاعتراف بالمنافع المتبادلة للتعاون الإقليمي الإفريقي.





