
يونس جنوحي
في تفاصيل المؤتمر الأول لتأسيس النقابة آنذاك، والذي تزامن مع شهر مارس 1955، أي سنة قبل الاستقلال، جرت بعض الوقائع التي سقطت «عمدا» من التاريخ.
هذه الواقعة واحدة من أهم المحطات التي ناقشها مولاي المهدي العلوي في مذكراته.. يحكي كيف أن المحجوب بن الصديق عمد إلى تغيير نتيجة تصويت المؤتمرين لصالحه. وبهذه الشهادة الفريدة يكون مولاي المهدي العلوي ألقى حجرة في بِركة آسنة. يستمر العلوي، إذن، في سرد التفاصيل بعد أن حكى عن سياق الندوة الصحافية التي تم فيها الإعلان عن تأسيس النقابة من باريس، والتي تولى بنفسه أمر التحضير لها وحشد الصحافيين الفرنسيين لتغطية وقائعها.. ويقول:
«عمد المحجوب بن الصديق إلى تغيير النتيجة بعد تكليفه بإرسال التقرير إلى وكالة الأخبار الدولية، التي نشرت في اليوم الموالي أن المحجوب بن الصديق هو الأمين العام عوض الطيب بن بوعزة. وهو ما أدى إلى اندلاع موجة غضب في أوساط النقابيين الذين انتخبوا أمينهم العام في جو حر وديمقراطي.
بعد الضجة القوية التي نتجت عن تزوير إرادة المؤتمرين، لجأ المحجوب إلى أسلوب الابتزاز، فهدد بفضح المؤتمرين لدى سلطات الحماية إن لم يغلقوا ملف الأمانة العامة، حسب ما رواه محمد الصديق، وهو من مؤسسي الاتحاد المغربي للشغل وعضو في أول مكتب وطني له، وأيضا بحسب ما أفادني به بن بوعزة شخصيا حين زيارته لي في باريس بعد المؤتمر، وأطلعني على طبيعة التهديدات التي تلقاها لإجهاض مشروع النقابة وتأسيس نقابة موازية يكون «بن الصديق» أمينا عاما لها».
فجر المحجوب بن الصديق تفاصيل أخرى تتعلق بالصراع بين النقابة واللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، وكواليس أخرى تعود إلى سنة 1961.. طالما شكل التطرق إليها حرجا كبيرا، فضل أغلب من كتبوا عن هذه الفترة، أن يمروا عليه دون إثارة التفاصيل.
يقول المهدي العلوي:
«استمرت وضعية المراوحة التي فرضتها مواقف بن الصديق وغريمه بن بركة. في ما تابعته من أجواء غير سليمة ميزت العلاقة بين الاثنين، جعلت وفد المغرب إلى المؤتمر الأول للشعوب الأفرو- آسيوية، الذي احتضنته القاهرة في 27 دجنبر 1957، يحضر برأسين، أحدهما قاده المهدي بن بركة وضم عبد الهادي بوطالب وعبد ربه، والآخر تزعمه المحجوب بن الصديق، علما بأن الوفدين يمثلان حزبا واحدا وبلدا واحدا، غير أن أحدهما تجنب الآخر، لتتكرس بذلك أجواء الجفاء التام، الذي قاد إلى القطيعة، بعد إقالة حكومة عبد الله إبراهيم في 21 ماي 1960، ومحاولة ولي العهد تكوين حكومة تجمع مختلف الأطياف السياسية لمحاصرة حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. وكان قرار الإقالة وجها من وجوه الصراع الذي كان على أشده بين الاتحاد الوطني، الذي حاز رصيدا شعبيا هائلا في الانتخابات المحلية والجهوية لتلك السنة، وبين الأمير مولاي الحسن الذي كانَ يسْعى لتثبيتِ حكمه أمام تزايدَ قوّة الاتحاديين.
ومن المفارقات الدالة على تعاظم الأزمة النقابية استوزار محمد الدويري، مؤسس نقابة الاتحاد العام للشغالين، في الحكومة الجديدة، مقابل الاعتراف بالنقابة الجديدة، حيث سيجالس وفد من الاتحاد المغربي للشغل، برئاسة نائب الكاتب العام محمد عبد الرزاق، المستشار الملكي أحمد رضا اكديرة، لإلغاء الإضراب الذي كان من المزمع تنظيمه في 20 دجنبر 1961، وذلك رغم التحضير والتنسيق الكبيرين اللذين جريا بين الحزب والنقابة. غير أن تنفيذ الإضراب كان هو الضربة القاصمة لتلك الصفقة التي تمت بين النقابة والمستشار الملكي، بعد أن رفضت جامعة موظفي وعمال البريد الامتثال لقرار قيادة الاتحاد العام المنادية بإيقاف الإضراب، ليُخْتَطَفَ عمر بن جلون من طرف الجهاز النقابي، ويَتَعَرَضَ للتعذيب بسبب موقفه، وهو الحدث الذي سيخيم على أجواء المؤتمر الثاني للاتحاد الوطني للقوات الشعبية.
وقد انتهى ذلك الإضراب، أيضا، بطرد مجموعة من الموظفين بوزارة الخارجية، وعلى رأسهم صديقي أحمد الشرقاوي، محمد الصويري، حسن إسماعيل، مصطفى اعمارة، محمد الذهبي، عمر بلكورة، أحمد الشاوي، عبد الصمد الكنفاوي.. إلخ».
بدأ مولاي المهدي العلوي يقترب شيئا فشيئا من فترة «المعارضة».. وهي التي عاش فيها فصولا مثيرة جمعت بين السياسي والإنساني.





