ثقافة وفن

المغرب ضيف شرف مؤتمر القصيدة النثرية في القاهرة

اختار منظمو النسخة الثالثة من مؤتمر القصيدة النثرية المغرب ضيف شرف، وذلك باستقبال عدد من الشعراء والنقّاد المغاربة المعروفين في هذا الصنف الأدبي، منهم: إدريس علوش ورجاء الطالبي وطه عدنان ومنى وفيق ورشيد منسوم وعز الدين الجنيدي.
هكذا انطلقت فعالية المؤتمر هذا الأسبوع، تحت شعار «فن الإبداع متسع للجميع»، وهي النسخة الأولى التي ينفتح فيها المؤتمر الفريد من نوعه على بلد عربي، كان له إسهام قوي في ترسيخ هذا الصنف الأدبي الذي مايزال حتى اليوم موضوع نقاش، بالرغم من مرور أكثر من نصف قرن على بدايته، وتحديدا في ستينات القرن الماضي، حيث اختير المغرب أول ضيف رسمي، بعد أن اقتصرت النسختان الماضيتان على قصيدة النثر المصرية فقط. لذلك تم استصدار «أنطولوجيا لقصيدة النثر المغربية»، وتقع في 281 صفحة من الحجم المتوسط، وتضمنت 56 من الأسماء الشعرية المغربية مع تعريف مختصر لكل شاعر ونماذج من نصوصه، وهي بعنوان «قصائد تضيء الطريق من المغرب إلى القاهرة»، أعدها إدريس علوش وقدمها عبد اللطيف الوراري، الذي كان أحد المتدخلين في الجلسة الإفتتاحية.

المغرب في قلب الجدال الذي رافق ظهور القصيدة النثرية
لطالما كان المبدعون المغاربة في قلب النقاشات الأدبية التي كانت تدور رحاها في الأقطاب الثقافية الكلاسيكية، مثل بغداد وبيروت والقاهرة، وما كان يحدث هناك يكون له صدى هنا، إما اقتفاء أو ريادة. لذلك لم يكن نزار قباني وأدونيس ومحمود درويش وأنسي الحاج وسميح القاسم وخليل حاوي وغيرهم، فقط من يقودون دفة النقاشات حول مشروعية الشعر الحر تجاه شعر التفعيلة من جهة، ومشروعية قصيدة النثر تجاه الشعر الحر من جهة ثانية، بل كان لهم مشايعون نديون في المغرب. فقد كان محمد بنيس ومحمد السرغيني وعبد الكريم الطبال وعبد الله زريقة ومحمد الطوبي ووفاء العمراني وغيرهم، لذلك حرص منظمو المؤتمر في الأنطولوجيا التي صاغوها عن قصيدة النثر المغربية، بالرغم من رمزيتها، على اعتبار أنها «باب على صغره نطل منه على دولة لها مساهماتها الكبرى في الثقافة والفكر والإبداع، نتمنى أن يشكل إضافة للثقافتين المصرية والمغربية ومعهما الثقافة العربية». لذلك كتب عبد اللطيف الوراري، في تقديمه لهذه الأنطولوجيا، لمحة تاريخية سريعة عن قصيدة النثر وبدايات ظهورها في المغرب، حيث «ظهر جيل من الشعراء قدموا من تجارب جديدة تولدت عن وعي فكري وإيديولوجي أكثر منه آني وعابر»، ليضيف أنه «بغض النظر عن سنة منشأ قصيدة النثر ومن سبق إليها من الشعراء، فإنه بالإمكان أن نشير إلى لحظتين رمزيتين، الأولى ارتبطت بقصيدة محمد الصباغ التي تميزت بانطلاقتها القوية خارج التصنيف الجاري(..)، إلا أن هذه القصيدة لم يكن لها كبير تأثير في أجيال الشعر المغربي». أما الثانية فارتبطت بقصيدة جيل جديد أخذ في الظهور منذ بداية الثمانينات، وبدا أكثر وعيا بالجماليات الجديدة التي تقترحها قصيدة النثر في نماذجها الكبرى. ومن جملة هؤلاء، رشيد المومني، وعبد الله زريقة، وأحمد بركات، وادريس عيسى، مبارك وساط وغيرهم».. بحسب ماء جاء في مقدمة الأنطولوجيا، ونشره المنظمون في الموقع الرسمي للمؤتمر.
ويظل سؤال الهوية الأدبية مطروحا..
وستتميز هذه الدورة، بالإضافة لإصدار أنطولوجيا تعرف بقصيدة النثر المغربية، مساهمة فعالة للشعراء والنقاد المغاربة المهتمين بهذا الصنف الأدبي، سواء في الأمسيات الشعرية أو في الجلسات البحثية، وذلك طيلة الأيام الأربعة للمؤتمر، حيث تم تخصيص اليوم الثاني منه للتعريف النقدي بالتجربة المغربية، وذلك من خلال الجلسة البحثية الثانية، والتي يديرها عبد القادر الغزالي، بمشاركة عبد اللطيف الوراري، ويتناول «قصيدة النثر المغربية.. وعي كتابي وجماليات مغايرة».
المؤتمر لم يمر دون تسجيل نقاش يهم الهوية الأدبية لقصيدة النثر، علما أن شعار المؤتمر «فن الإبداع متسع للجميع»، حسب الكثير من المتدخلين، هو دليل على أن سؤال الهوية و«المشروعية» مايزال مطروحا، إنه دفاع عن انتماء القصيدة النثرية لعالم الإبداع، في الوقت الذي مايزال كثيرون يتشبثون بالموقف ذاته الذي عبرت عنه الشاعرة العربية الكبيرة نازك الملائكة، في أشهر هجوم لها على الشعر النثري أو النثر الشعري، عندما وصفته، في مقالة شهيرة نشرتها في بداية الستينات بمجلة «شعر»، واعتبرته «طلقا» يمارسه العاجزون عن كتابة الشعر أو كتابة الأدب، بل اعتبرته «تحقيرا للشعر واللغة العربية والجماهير العربية، وللأمة العربية»، وهو الهجوم الذي رد عليه مؤسسو مجلة «شعر» آنذاك بقوة، في دفاعهم عن القصيدة النثرية، وعلى رأسهم، طبعا، أشهر كتاب هذا الصنف الأدبي، أدونيس وأنسي الحاج. غير أن النقاش حول هوية القصيدة النثرية لم يتوقف عند هؤلاء الرواد، بل استمر أيضا في العقود الموالية، وهو نقاش يرى نقاد كثيرون أنه طبيعي قياسا لكون القصيدة النثرية أو قصيدة النثر «Poème en prose» في فرنسا، بل وفي إنجلترا تثير النقاش ذاته، ففي فرنسا مثلا، اعتبرت ترجمة بعض قصائد الشاعر الأمريكي والت ويتمان، صاحب ديوان «أوراق العشب»، والمتوفى سنة 1891، بمثابة مؤامرة أجنبية لتهديم نقاء اللغة الفرنسية، بتهديم العمود الأساسي للشعر القائم على «القافية- La rime»، وسيكون لهذه الترجمة دور مؤثر على الشاعرين غوستاف كان وجول لافورغ (الذي ترجم قصائد «ويتمان» إلى الفرنسية).
مجلة «الشعر».. الإيمان بالتجديد إلى حدود الاتهام
النقاش الفكري والثقافي حول قصيدة النثر، ليس خاصية عربية خالصة، بالرغم من أن هذا النقاش اتخذ له خصوصية، بسبب المكانة التي يحتلها الشعر التقليدي في البنية الثقافية العربية. وتكفي العودة إلى ثلاثينات القرن الماضي، عندما ظهر كتاب «في الشعر الجاهلي» لطه حسين، الذي نشره سنة 1926، وما رافق ذلك من جدل وصل حد سحب نسخ الكتاب وتكفير طه حسين وطرده من رئاسة كلية الآداب، لنعرف مكانة شعر التفعيلة، وهي مكانة تتعدى بكل تأكيد البعد التعبيري إلى أبعاد عقائدية. لذلك، فعندما ظهر المدافعون والمنظرون لقصيدة النثر، والذين انتظموا في مجلة «شعر»، التي أسسها يوسف الخال سنة 1957، لم تكن لتقف النقاشات حول قصيدة النثر عند حدود الإبداع، بل اتخذت أشكالا حضارية وسياسية أكبر، ومنها اتهام هؤلاء بكونهم عملاء لأمريكا، وأنهم أرسلوا في مهمة لهدم الشعر العربي «الأصيل»، ومن ثمة هدم الثقافة العربية، لكون يوسف الخال اقتبس فكرة المجلة من مجلة أسسها في أمريكا، وتحديدا في ولاية شيكاغو، الشاعر «إزرا باوند» « Ezra Pound» المتوفى سنة 1979، وهو من الشعراء الأكثر تأثيرا في ما بات يعرف بـ«حركة الحداثة في الأدب العالمي». ومن الكتب النقدية التي مارست تأثيرا كبيرا على مختلف التنظيرات التي ظهرت على مدى نصف قرن من الزمن، يظهر اسم «سوزان برنارد» Suzanne Bernard (1932-2007) وتحديدا في كتابها «قصيدة النثر.. من بودلير حتى أيامنا هذا (Le Poème en prose, de Baudelaire Jusqu’à nos jours) وهو عبارة عن أطروحة دكتوراه أعدتها سوزان برنارد سنة 1958. وإبان ظهور الكتاب تم الاحتفاء به بشدة من طرف مجلة «شعر» كما تمت ترجمته وأنجزت حوله دراسات كثيرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى