الافتتاحية

الملك وحماية التنافس الانتخابي

تدخل الملك محمد السادس في الوقت المناسب، وأعطى تعليماته لرئيس الحكومة سعد الدين العثماني، من أجل استمرار الوزراء في القيام بمهامهم إلى آخر يوم من الولاية الحكومية، لكن دون تغطية الإعلام العمومي لأنشطتهم، منبها إلى أن هذا التوجيه يهدف إلى تمكين «الحكومة من الاستمرار في القيام بعملها، مع مراعاة الإنصاف مع الأحزاب الأخرى غير الممثلة في الحكومة، مع قرب موعد الانتخابات». من خلال التوجيه الملكي، يمكن استنتاج أربع رسائل سياسية كبرى:
أولا، احترام روح الوثيقة الدستورية، فالتوجيه الملكي جرى من داخل أسمى وثيقة في الدولة، حيث تمنح لرئيس الدولة التدخل بشكل استباقي لحماية بعض القيم والمبادئ التي ترتكز عليها وثيقة التعاقد السياسي، خصوصا إذا تعلق الأمر بصيانة مبدأ تكافؤ الفرص الانتخابية والمساواة أمام القانون وحماية حقوق المعارضة. فالملك بما يملكه من سلطة للتأويل، من حقه بل من واجبه إثارة انتباه السلط وتوجيهها، بما يخدم التنزيل الجيد للوثيقة الدستورية، وحماية العملية الانتخابية من أي تجاوزات تؤثر على التنافس الانتخابي.
ثانيا، أن التوجيه الملكي يقر بدورية العملية الانتخابية، وهذه إشارة ملكية واضحة إلى تشبث أعلى سلطة في الدولة بانتظام عقد الاستحقاقات كما هو محدد في الدستور، بغض النظر عن الظروف التي يمر منها البلد. فبينما أكثر من 50 دولة أعلنت عجزها عن تنظيم الانتخابات، سواء المحلية أو الوطنية في وقتها المحدد، أظهر الملك محمد السادس صرامة في احترام مقتضيات الفصلين 62 و63 من الدستور، والسهر على إنهاء الولاية الانتدابية بشكل طبيعي، حتى وإن كانت الظروف غير طبيعية.
ثالثا، استمرار الحكومة في أداء مهامها وعدم تحولها إلى حكومة تصريف الأعمال المنصوص عليها في الفصل 87 من الدستور، والمنظمة بمقتضى القانون التنظيمي لأشغال الحكومة. فالتوجيه الملكي لرئيس الحكومة انصب على تجنب الوزراء استغلال الإعلام العمومي في أداء مهامهم، ضمانا لتكافؤ الفرص بين مختلف الأحزاب الممثلة في الحكومة والموجودة بالمعارضة. وهذا التوجيه الملكي لا علاقة له بإعلان وضعية تصريف الأعمال، التي تعني انتهاء الركن السياسي للحكومة، وعدم أحقيتها في حضور أشغال البرلمان تشريعا ومراقبة وتقييما للسياسات العمومية، ولو كان القصد الملكي إعلان الحكومة في وضعية تصريف الأمور الجارية، لأمرها بالامتناع عن اتخاذ التدابير التي من شأنها أن تلزم الحكومة المقبلة بصفة دائمة ومستمرة، وخاصة المصادقة على مشاريع القوانين والمراسيم التنظيمية، وكذا التعيين في المناصب العليا.
رابعا، الشعور بوجود ضمانات ملكية لحماية العملية الانتخابية، حتى قبل دخول الزمن الانتخابي بحمولته القانونية، فأن يوجه الملك رئيس الحكومة بتجنب استغلال وزرائه للإعلام العمومي أثناء القيام بمهامهم، فهذا يعني أن أعلى سلطة في الدولة تتابع كل صغيرة وكبيرة من شأنها أن تؤثر سلبا على سير الاستحقاقات المقبلة، التي يراهن عليها لبناء مغرب جديد، والقطع مع دورة سياسية ضيعت علينا الكثير من الفرص الذهبية وأدخلت المغرب في متاهات الشعبوية والعدمية، يحاول بعناء الخروج منها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى