حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأي

المناعة الاجتماعية

بقلم: خالص جلبي

دخل علي في عيادة السيد (محمد الجني) من أجل إجراء عملية (فستولا A-V-F)، فقال إنه أخرج 14 جنيا من ست نساء وثمانية رجال، وإن جنيا أسلم على يده، وهو يتسلل لواذا من طرف إبهام القدم. سألته عن العمى الذي أصابه من مرض السكري؛ هل اتصل بجني ليساعده في ذلك؟ اعترف بأنه ليس من جني ينجح في مرض السكري، خاصة الكافرين منهم، من جن الجبال.
نحن في الطب نعيش في (العلم)، وعلينا أن نسمع لكل ألوان الخرافات والترهات لنعتبر، ونفتح عقولنا لكل إمكانية ومعلومة، فالعلم يمتاز بـ(السننية)، أي القدرة على (التسخير) و(التنبؤ)، وبذلك نستطيع تخدير عصفور وإنسان وفيل، ولكن بالخرافات يمكن أن يزعم الإنسان كل شيء. وعملية الفستولا هي من هذا العلم الذي نشتغل به، بما هو ضد قوانين طبيعة الجسم، خدمة للجسم، في إيجاد مفاغرة الوريد بالشريان، من أجل (شرينة) الأوردة السطحية، فتغلظ وتستوي تحت الجلد؛ فتنفع في أخذ الدم منها إلى ماكينات الغسيل الكلوي. ويسمونها بـ(الناسور الشرياني الوريدي)، حسب ترجمة كلية الطب في جامعة دمشق، التي حملت شعار التعريب والعروبة في معركة خاسرة، فأساءت ورمت بطلابها في وهدة التخلف نصف قرن بقطعهم عن شريان المعرفة، الذي ينتج بلغة ريتشارد قلب الأسد، واستبدالهم بهتافات الحزب القائد؛ فانقطعت عن الحياة والمعاصرة، بحماقة أشد من هبنقة، فلا هي أنتجت المعرفة، ولا هي ترجمت المعرفة، ولا هي ربطت طلابها بشريان المعرفة، فتراجعت المعرفة، وماتت في ظل الديكتاتورية الثورية كل خلية حية حتى إشعار آخر.
لقد اجتمعت بعميد كلية الطب في بلد عربي عن أمراض وجراحة الجهاز الهضمي؛ فأخبرني أن كليات الطب في بلده حريصة أن لا تزيد العدد، من أجل تحقيق النوعية الممتازة، من أطباء على مستوى العصر، فتذكرت وزير التعليم العالي الثوري (الحداد) في سوريا، حينما (ضربت) في رأسه فكرة أن يقفز فجأة بدفع الأعداد من 100 طالب في كلية الطب إلى خمسة أضعاف، مع شح الإمكانيات وضعف الموارد. وكنت أنا من جيل النكبة؛ وهكذا كنا نقفز قفزا كقردة البابون، في دروس التشريح، من أجل رؤية معالم الجثث التي تشرح، وهي أساس الطب، فعرفت مع كلام زميلي أبعاد النكبة العلمية، وهي ليست الوحيدة في الطب، بل تم تدمير البلد بالطول والعرض، في التعليم والصحة والقضاء، وهي زلزال اجتماعي من قوة عشرة ريشتر، إلى درجة أن من يسافر من عامودا إلى نصيب زاويتي سوريا، لا يرى شارعا نظاميا واحدا، أقصد بعيون القط والتخطيط الأبيض والحواف والمنتصف الحامي وما شابهها، سوى ما حدث في قدوم البابا السابق يوحنا في زيارة إلى الرفاق؛ فخططت الطرقات، فقط في المسافة بين دمشق والجولان، حيث يترتب عليه أن يرى مدينة يبابا حطاما، مثل المتسول الذي يمد يده المكسورة استدرارا للعطف والصدقة.
والصحة والمرض ليسا وضعيتين استاتيكيتين جامدتين، بل وضعان ديناميكيان متحركان. ونحن نعرف في الطب أن انحراف المزاج، من الصحة إلى المرض، هو بسبب خلل في (توازن) معقد حركي، بين الجهاز المناعي في البدن، والهجوم الجرثومي من الخارج. وانكسار التوازن يحدث بسبب انهيار الجهاز المناعي، أي أن المرض لا يبدأ من الخارج، بل يتولد من الداخل. وفي يوم تحدى الطبيب المشهور (فيرشوف)، أن تكون (ضمات الهيضة) سببا في الكوليرا، وابتلع قارورة من الجراثيم القاتلة أمام تلاميذه، فلم يصب بسوء. ويومها لم يكن لينجو من المرض أحد حسب فهم الناس. وفي المدينة الساحلية (هامبورغ) كان يدفن عام 1905م، كل يوم، ألف مصاب بالكوليرا تحت التراب، بسبب القذارة. ويتصرف البدن حيال الأزمة المرضية؛ إما بمكافحة الجرثوم، وهو يتقن آليات المصارعة معه، ويمرض حين يضعف؛ فيقتحم الجرثوم الحدود إلى الداخل، مثل يأجوج ومأجوج فهم من كل حدب ينسلون. أو يحدث المرض بهجوم غادر من فيروس غامض الطبيعة، لم يتعرف عليه البدن من قبل، فيسقط أمامه بعدم الاستعداد المسبق. وكلا الآليتين تخلصان في النهاية إلى آلية واحدة، بضعف الاستعداد أو عدم الاستعداد، وبالتالي انهيار الجهاز المناعي. وهو في علم الاجتماع شبيه بذلك، كما حصل مع اجتياح مصر القديمة بجنود الهكسوس في الألف الثانية قبل الميلاد، ففاجؤوا الحضارة الفرعونية بآلة الحرب الجديدة من عربة وحصان؛ فلم يكن أهل النيل يعرفون العجلة الحربية، وبنوا أشهر أهراماتهم بعبقرية هندسية وعضلات بشرية. ومبدأ إعطاء اللقاحات ضد (شلل الأطفال) و(الجدري) أو (كورونا)، يقوم على التكتيك نفسه بإدخال فيروس مضعف أو مقتول، فيغالب الجسم ميتا أو شبه ميت، بكل الاستعداد، فيتدرب كما يضرب الملاكم دمية القطن. وبالمقابل فإن الصحة؛ هي مقاومة الجهاز المناعي، بالتعرف على مواطن ضعف الخصم والقضاء عليه. و(الصادات الحيوية) ليست هي التي تشفي؛ بل هي أداة في هذه الحرب الطاحنة، أي (وسائل مساعدة) للجهاز المناعي، لإضعاف الجراثيم بلجمه والتمكين منه، فتبتلع الكريات البيضاء الجراثيم في مواجهة ساخنة، يغلي منها البدن بالحرارة، ومن يقضي على المرض هو الجهاز المناعي. ويلحق بهذه الآلية شيء أخطر، هو تداخل المرض مع الاختلاط (المضاعفات)، أي أن المرض يقود إلى مرض جديد. مثل اجتماع السل مع السكري، أو قصور الكلية مع السكري، أو حزب البعث واحتلال العراق. فهذه هي فلسفة القرآن، والمسلمون اليوم لا يستفيدون من القرآن بشيء، سوى البركة والقراءة الميتة، كما تمر حشرة العث بين السطور فلا تفقه كلمة أو تعي جملة وفكرة.

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى