شوف تشوف

الرئيسيةرياضةفسحة الصيف

الميكانيكي الذي قاد مباراة النكسة بين المنتخبين المغربي والجزائري ضد توقعات أصدقائه المغاربة

قضاة الملاعب : ألبيرتو ميشيلوتي (حكم دولي إيطالي)

حسن البصري:

 

يعد الحكم من أهم أركان المنافسات الرياضية، صافرته وإشاراته وبطاقاته هي أدوات الردع الأقوى في المباراة، وحين يصدر قرارا فإنه غير قابل للتغيير إلا إذا كان للتكنولوجيا رأي مخالف.

في زمن مضى كان حكام المباريات أكبر سنا ممن يديرون مباريات اليوم، كانوا عنوانا للوقار والحكمة، وكانوا يحملون لقب “أصحاب البذل السوداء”، قبل أن تصبح كل الألوان مباحة إلا اللون الأبيض.

وعلى الرغم أنهم يحملون اليوم لقب “قضاة الملاعب”، إلا أنهم يشكلون الحلقة المهضوم حقها في حلقات منظومة الرياضة، لأنهم غالبا ما يكون مجني عليهم بسبب هفوات ناتجة عن انفلات الصفارات، إلا أنهم دخلوا عالم النجومية.

في سلسلة “طرائف قضاة الملاعب” سنحاول تسليط الضوء على جوانب خفية من حياة الحكام، من خلال حكايات فيها مواقف طريفة لازالت تذكر في مجالس حاملي الصفارات. وقائع تستحق أن تروى للجيل الحالي من الحكام ولو على سبيل العبرة والاستئناس.

ميشيلوتي حكم إيطالي لموقعة مغاربية

يروي عبد المجيد سحيتة اللاعب السابق للوداد تفاصيل ليلة راسخة بقوة في وجدانه: “يمكن أن أنسى تاريخ ميلادي وكل التواريخ البارزة في حياتي لكنني لن أن أنسى أبدا مباراة التاسع من دجنبر، لأنها تركت في نفسي جرحا عميقا لم يندمل، في تلك المباراة كنا تحت ضغط المواجهة خاصة وأن الجميع يطالبنا بالفوز على الجزائر، حتى السلطات العليا للبلاد كانت تستعد للمقابلة مما أفرغها من مفعولها الرياضي”.

عين الاتحاد الدولي لكرة القدم حكما إيطاليا صارما لقيادة نزال بين جارين كان التوتر السياسي يميز علاقاتهما، وفي الخامس من دجنبر حل طاقم التحكيم الإيطالي بقيادة ألبيرتو ميشيلوتي بالدار البيضاء وأقام بأحد فنادق وسط المدينة، وقبل المباراة زار الملعب الشرفي وأجرى حصة ركض خفيفة استعدادا للمواجهة الحارقة.

يروي النجم الجزائري لخضر بلومي تفاصيل المباراة، ويؤكد أن الضغط كان أقوى على المغاربة، الذين اعتبروا الفوز في مباراة لكرة القدم نصرا سياسيا، “أقمنا في فندق بمدينة المحمدية غير بعيد عن مقر إقامة المنتخب المغربي، ومنذ وصولنا إلى الدار البيضاء، بدأت بعض الصحف الجزائرية تبدي تحفظها من تعيين الحكم الإيطالي، لكن المدرب محيي الدين خالف ظل ينصحنا بالتركيز على المباراة وليس على كواليسها أو ما نراه من خلف نوافذ الحافلة أو نافذة الفندق”.

استندت صحيفة المجاهد الجزائرية في انتقادها لتعيين الحكم الإيطالي على خلفية مباراة سابقة كان المنتخب الجزائري طرفا فيها ونال حصة من الجلد على يد الحكم الإيطالي، لكن هجوم الصحيفة الجزائرية كان مجرد تكتيك للضغط على التحكيم ودفعه نحو إثبات العكس، وهو ما سيحصل في مباراة التاسع من دجنبر 1979.

تربط الحكم الإيطالي ألبيرتو علاقات صداقة مع بعض الإعلاميين المغاربة، خاصة ليبنو باكو الذي رفض ملتمس وساطة لدى الحكم، فقد جمعت جلسة في الفندق بين الرجلين كانت مناسبة للحديث عن الكرة الإيطالية والمغربية، وانتهى اللقاء بمجاملات من الطرفين.

كان لينو يؤمن بأن الحكم الإيطالي يضمن للمغاربة تحكيما نظيفا، خاصة وأن الرجل عرف بنظافة صفاراته، بالرغم من الضغط الذي عاشه في تلك المباراة على غرار ما عاشه لاعبو المنتخب المغربي. باءت محاولات رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم الكولونيل المهدي بلمجدوب بالفشل، فقد كان يعول على صداقة الحكم الإيطالي للمغاربة ليجعل صفارته في خدمة المنتخب.

الهزيمة المستفزة تجنب الحكم الاحتجاج

بعد مشوار ايجابي للفريقين في تصفيات موسكو1980، التقي المنتخبان في الدور الاخير، وخلافا لكل التوقعات، انهزم المنتخب المغربي المعزز بترسانة من اللاعبين المجربين بخمسة أهداف لواحد، وكان عبد المجيد اسحيتة وراء ضربة الجزاء التي حولها ليمان إلى هدف يتيم، لم ينقذ ماء الوجه، يتذكر اسحيتة ما حصل بكثير من التحسر، “في الشوط الثاني تعرضت لإصابة بعد تدخل عنيف من المدافع الأيمن الجزائري مرزقان، لم يشهر الحكم الإيطالي ورقة حمراء في وجه هذا اللاعب الذي كان خشنا في كل تدخلاته وكان ألبيرتو يكتفي بتنبيهات شفوية”.

أمام توالي أهداف المنتخب الجزائري، لم يجد اللاعبون مبررا للاحتجاج على الحكم، فقد كانت الحصة ثقيلة بل إن الجمهور الذي يفترض أن يحتج على قرارات الحكم، أصبح مساندا للمنتخب الزائر ما ساعد ألبيرتو ميشيلوتي على استكمال أطوار المباراة دون أي إشكال، ففي كرة القدم حين تكبر الحصة وتصبح الهزيمة أمرا مكتوبا يتحول الاحتجاج على قرارات الحكم مجرد عبث.

يقول اللاعب الجزائري بلومي وهو يعود بالذاكرة إلى الوراء، “سجلنا خمسة أهداف حولت المدرجات، التي كانت ممتلئة عن آخرها بالجماهير المغربية القادمة من كل المدن والمداشر، إلى قوة شجب لأداء الفريق الوطني وسندا للجزائريين، لا أحد كان يحتج على الحكم، فاللوم كان على اللاعبين وليس الحكام، غادرنا الملعب تحت حراسة أمنية جد مشددة، رغم أن الجمهور كان يهتف باسمنا، لكن الغريب هو أن جحافل المناصرين ظلت تسير خلف الحافلة من الدار البيضاء إلى المحمدية، حتى اعتقدنا أن الحافلة تنقل عناصر مغربية وليس بعثة جزائرية، بينما غادر الحكام الملعب دون أن ينتبه لهم أحد، لأن الجمهور غضب من لاعبي منتخب بلاده وليس من الحكم”.

أشاد تقرير مراقب المباراة التي جمعت المنتخبين المغربي والجزائري بأداء الحكم الايطالي ميشيلوتي، وقال إنه كان قريبا من اللاعبين بفضل لياقته البدنية العالية، كما سجل التقرير بأن نتيجة المباراة سهلت مأموريته بشكل لم يكن ينتظره.

حكم مصري يطرد مدافع المنتخب بمباركة بومدين

يروي عبد العليم بنيني اللاعب السابق للرجاء البيضاوي والمنتخب المغربي، لـ”الأخبار” حكاية مواجهة نارية بين المنتخبين المغربي والجزائري، في إطار التصفيات المؤهلة إلى نهائيات كأس الأمم الإفريقية سنة 1972 بالكامرون.

“كانت العلاقات بين البلدين متوترة، لذا حرص الرئيس الجزائري هواري بومدين على متابعة مباراة الذهاب في ملعب العناصر بالجزائر، وينزل إلى مستودع الفريق الجزائري لتشجيعه على هزمنا، ولعب الحكم المصري دورا كبيرا في رسم الانتصار الجزائري، حين طرد المدافع السليماني مبكرا، انهزمنا بثلاثة أهداف لهدف واحد سجلته مع بداية اللقاء، لكننا لعبنا أغلب أطوار المواجهة بنقص عددي، وتم الاعتداء بطريقة همجية على اللاعب الفيلالي الذي جاء من وجدة لمتابعة المباراة من المدرجات”.

كان تعيين الحكم المصري محمد دياب خطأ من الاتحاد الإفريقي، نظرا لحالة التوتر السياسي بين المغرب ومصر أور والمغرب والجزائر ثانيا، لكن الفريق الوطني المغربي سيؤجل الثأر إلى مباراة الإياب بالدار البيضاء.

قبل مباراة الإياب وحين كان اللاعبون متوجهين إلى الملعب الشرفي على متن الحافلة، قرأ المدرب اليوغوسلافي فيدنيك التشكيلة على مسامع الجميع، وختمها بالقول “هذه التشكيلة حددها الملك الحسن الثاني ولا دخل لي فيها”، كان المدرب قد وعد اللاعبين الزهراوي وغاندي بخوض المباراة لكن قرار الملك حولهما إلى كرسي البدلاء. لكن الغريب في النزال أن المغرب انتصر بثلاثة أهداف لصفر، سجلها كل من بيتشو وباموس ثم بوجمعة. يقول بينيني: “فاز منتخب الحسن الثاني على منتخب هواري بومدين وتمكن المغرب من العبور لأول مرة إلى نهائيات كأس إفريقيا للأمم التي نظمت، بالكامرون، وكتبت الصحف عنوانا كبيرا “حرف الباء يهزم الجزائر” في إشارة إلى الأهداف المسجلة من طرف بينيني وبيتشو وباموس ثم بوجمعة”. ولأن النصر كان من صنع الملك فقد توصل المدرب فيدنيك بقرار الإقالة بمجرد غرب أن الجزائريون عجلوا بالتعاقد مع فيدنيك الذي انتظر سنتين للانتقام من المغاربة حين هزمهم وهو حينها مدربا للزايير بفعل فاعل.

ميشيلوتي..حارس وحكم ومحلل

يعرف ميشيلوتي كيف ينزع من المباريات شحنات الضغط، يشرح للاعبين الغاضبين ويبرر أحيانا قرارته إذا تمادى مدرب في الاستفسار. كان يعرف مكان الخلل في كل فريق لأنه يشغل مهمة ميكانيكي. ولد ألبيرتو في 15 يوليوز 1930 ببارما، عشق كرة القدم وأصبح حارسا للمرمى في فريق الحي والمدرسة. وانضم لنادي بارما في فئة الشبان سنة 1946، وانتقل إلى نادي أسي كولورنو ليقف في مراماه ويخوض أول تجربة في القسم الأول سنة 1952، لكنه انسحب من المرمى واختار أن يكون حكما.

بدأ علاقته بالتحكيم بشكل رسمي متأخرا، إذ حمل الصفارة في مواجهة برسم العصبة الجهوية سنة 1966 وبعد سنة واحدة انتقل لقيادة مباريات دوري الدرجة الثانية، وبعد ست سنوات سيشرف على مباريات الدرجة الأولى ليرتقي سنة 1973 إلى درجة حكم دولي، فعهد إليه من طرف الاتحاد الأوربي لكرة القدم بقيادة مباريات في مختلف المنافسات القارية، وأصبح أفضل حكم في إيطاليا سنة 1974 حين توج بجائزة ماورو جيوفاني التي تمنح لأفضل صافرة في الملاعب الإيطالية، وشكل إلى جانب ريكاردو لاتالاني ولوسيانو غوينتي ثلاثي التحكيم الإيطالي المرعب.

كانت أول علاقته بالمنافسات الإفريقية حين عين في منتصف يوليوز 1977 لقيادة مباراة جمعت المنتخب المصري بنظيره الزامبي، وانتهت بفوز الفراعنة بهدفين لصفر، في اليوم الموالي للمباراة كتبت الصحف المصرية عنوانا عريضا: “الحكم ميشيلوتي يحتفل بعيد ميلاده في مستودع الملابس”.

تم اختياره لقيادة مباريات الألعاب الأولمبية لمونتريال سنة 1976، حيث عرف بعدم تردده في الإعلان عن ضربات الجزاء، فخلال مباراتين في الأولمبياد أعلن ألبيرتو عن ضربتي جزاء، في مباراتين الأولى جمعت المكسيك بإسرائيل والثانية بين فرنسا وألمانيا الشرقية.

لقي انتقادات واسعة حين طرد خمسة لاعبين في مباراتين، وتوقف مساره التحكيمي عند دور الربع، وحين عاد إلى إيطاليا قاد مباريات برسم المنافسات الأوربية والإفريقية، وكان حكم نهائيات كأس إيطاليا بامتياز حين قاد ثلاث نهائيات: فيورنتينا ضد ميلان، وروما ضد طورينو مرتين.

حين أنهى مساره التحكيم محالا على التقاعد، ظل حكمنا حريصا على الارتباط بعالم الكرة، فأصبح مديرا لإحدى الأندية الإيطالية، مكلفا بالعلاقات مع التحكيم، كما انضم لتلفزيون بارما الجهوي كمحلل رياضي إلى أن أبعده المرض عن الميادين، وأصبح متابعا لمستجدات الكرة الإيطالية عن بعد.

في 18 يناير من العام الحالي توفي الحكم الإيطالي المثير للجدل بعد معاناة مع المرض ودفن في بارما.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى